استمر الجدل بين رئيس الجمهورية في لبنان الياس الهراوي ورئىس الحكومة رفيق الحريري على اقرار مشروع قانون الزواج المدني الاختياري في مجلس الوزراء الاسبوع الماضي. وكررت دار الفتوى والبطريركية المارونية اعتباره منافياً للدينين الإسلامي والمسيحي، فيما نقل وفد من "الجماعة الاسلامية" في لبنان عن نائب الرئىس السوري السيد عبدالحليم خدام ان سورية تتمنى سحب اي مشروع خلافي من التداول لأن مسيرة السلم الأهلي والاستحقاقات الدستورية المقبلة في حاجة الى توافق اللبنانيين عليها راجع ص2. وتوقعت مصادر وزارية ان تتكثف جهود "تجميد" مشروع الزواج المدني مع تصاعد الجدل بين الرئيسين الهراوي والحريري. وقال بيان ل "الجماعة" بعد لقاء وفد منها خدام في دمشق ان البحث "تطرق الى التصعيد العسكري الإسرائىلي والمناورات السياسية الهادفة الى فك وحدة الموقف اللبناني السوري". واضاف ان خدام شدد على وحدة الموقف اللبناني السوري وأن سورية "توصي دائماً بهذه الوحدة بعيداً من الخلافات تحت اي شعار. ان سورية تريد ألا يتلهى لبنان الشقيق بالقضايا التي لا تحقق مناعة في مواجهة المشروع الصهيوني... وسورية بالتالي ليست طرفاً في اي نزاع". واعلن الحريري الذي يسافر اليوم الى النمسا انه مع التهدئة على ان يعاد درس ملاحظات الوزراء على مشروع قانون الزواج المدني، الأمر الذي يرفضه الهراوي مدعوماً من رئىس المجلس النيابي نبيه بري. ويراهن رئيس الحكومة على وقوف عدد من الوزراء الذين صوّتوا الى جانب المشروع لكن لديهم ملاحظات عليه المر ووزير الدفاع محسن دلول ووزير المغتربين طلال أرسلان الذي اعلن امس انه ليس مع توقيت طرح المشروع على رغم انه صوّت معه... ودافع الهراوي، في حوار مع وفد اغترابي امس عن مشروعه قائلاً: "انا من الطامحين الى مقاضاة الناس امام المحاكم المدنية ولكن كل يبقى على دينه". وقال "ان الوزراء ال 21 الذين صوّتوا مع المشروع فعلوا ذلك عن اقتناع". ورأت مصادر الهراوي ان الانصياع لمعارضة رجال الدين للمشروع سابقة خطيرة، متهمة الحريري بأنه اسهم في تحريض هؤلاء على معارضته. وسألت "ماذا اذا وقفت بكركي غداً ضد مشروع قانون الانتخاب او اي مشروع آخر وتحرك المسيحيون؟". ودعت المصادر الى العودة الى المؤسسات في معالجة الخلاف انطلاقاً من "التسليم بأن المشروع أقرّ في مجلس الوزراء، وأن الملاحظات التي سيبديها الوزراء عليه ستحال معه على المجلس النيابي. ويفترض برئيس الحكومة ان يوقّعه ليحال على المجلس". وقالت المصادر "ان في امكان رئىس الحكومة وكتلته والكتل النيابية المعارضة لمشروع الزواج المدني ان تسعى الى اسقاطه في المجلس النيابي، اي في المؤسسات بعدما مرّ في مجلس الوزراء. فهي المرجعية لأي خلاف بحسب الدستور، لا رجال الدين". وسألت "اذا كان الرئىس الحريري وعد المفتي بعدم تمرير مشروع الزواج المدني ووعد البطريرك صفير بعدم تمرير إلغاء الطائفية السياسية، فأين المؤسسات في كل ذلك؟". وأكدت "ان اخراج الموضوع من التجاذب الطائفي يكون برضوخ الحريري لقرار مجلس الوزراء على ان يعمل لإسقاط المشروع داخل المجلس النيابي". وقالت: "حين ابلغ الرئيس الهراوي ان معارضي المشروع يتحدثون عن امكان اللجوء الى المجلس الدستوري للطعن في قانون الزواج المدني رد: هذا جيد فلنلجأ جميعاً الى المؤسسات بدلاً من رجال الدين والشارع". واضافت: "اذا كان الحريري يريد كسب الوقت بتأخير التوقيع على المشروع، فلا مانع لدينا، ولكن في النهاية عليه توقيعه نزولاً عند قرار غالبية الوزراء". واعتبرت "ان ثمة اجتهاداً قانونياً يقول ان توقيع رئىس الحكومة على مرسوم تم التصويت عليه في مجلس الوزراء، ملزم، ولا حاجة الى تعديل الدستور من اجل الزامه مهلة للتوقيع، لأن المهلة الموضوعة لرئىس الجمهورية في الدستور شهر للتوقيع تعود الى ان هناك مهلة لرئىس الدولة ليعترض على اي قرار يتخذه مجلس الوزراء 15 يوماً بينما ليست هناك مهلة لرئيس الحكومة كي يعترض وبالتالي لا موجب لمهلة كي يوقّع لأنه ملزم حكماً التوقيع". واعتبرت مصادر بري "ان من غير الجائز ان يستمر التجاذب الحالي وعملية تجييش رجال الدين ضد الزواج المدني على هذا الشكل"، غامزة من قناة رئىس الحكومة في هذا السياق. ورأت "ان مواقف رجال الدين تصب في خانة سياسية أبعد من الهدف الديني في الموقف من الزواج المدني". ونقلت مصادر بري عنه انزعاجه من الجدل على إقرار المشروع في مجلس الوزراء، وتشديده على وجوب وقفه فوراً، وأنه سيطرح خلال اليومين المقبلين بعد ان ينتهي من رصد الردود على اقرار المشروع في مجلس الوزراء مخرجاً لمعالجة المشكلة القائمة، استناداً الى انه لم يعد ممكناً حمل رئىس الجمهورية على التراجع عن طرح مشروعه للزواج المدني. وقال بري انه سيدلي بدلوه ويطرح مخرجاً يحتفظ به للخروج من الأزمة الناشئة الآن. وذكرت مصادر رئىس المجلس النيابي ان في الامكان اعتبار مشروع القانون بعد احالته على المجلس النيابي، اقتراحاً من الاقتراحات الهادفة الى التمهيد لإلغاء الطائفية في البلاد، على ان تبحث فيه الهيئة الوطنية لمناقشة اجراءات إلغاء الطائفية عند تشكيلها وفقاً لما نصّت عليه المادة ال 95 من الدستور المنبثق من "اتفاق الطائف". وبهذا يتم تجاوز اجواء الإثارة الراهنة، خصوصاً ان تشكيل الهيئة لن يتم قريباً. اما مصادر الحريري فشددت على انها مع التهدئة مؤكدة بقاءه على موقفه ان حق الوزراء الدستوري يتطلب اعادة مناقشة المشروع عبر الملاحظات التي يقدمونها. وأضافت ان عدداً من الوزراء الذين صدقوا المشروع، يؤيدون "مناقشته وإعادة التصويت على بنوده. والملاحظات كثيرة عليه، فربما تطلب الأمر تشكيل لجنة برئاسة نائب رئىس الحكومة تعيد دراسته ثم يعود مجلس الوزراء الى البحث فيه". ونقلت المصادر عن الحريري قوله: "من حقي الدستوري ان اضع اي نقطة على جدول الاعمال وبالتالي ان اطرح ملاحظات الوزراء على جدول الاعمال لمناقشتها، وأن أعلم رئيس الجمهورية بذلك فقط لا أكثر". وتردد ان الهراوي لن يترأس اي جلسة يعاد طرح المشروع فيها لانه يعتبر ذلك مناقضاً للتصويت عليه سابقاً، فيما قالت مصادر الحريري، ان رئيس الحكومة يعتبر ان ليس من حق الهراوي اتخاذ هذا الموقف، لأن من حق رئىس الحكومة طرح اي موضوع على جدول الاعمال "وليست المرة الاولى نعيد طرح مشروع على البحث مرة اخرى. ففي الجلسة الماضية أعدنا البحث في مشروع قانون تحديد الفائض من الموظفين بعدما كنا صوّتنا عليه استناداً الى مطالعة لمجلس شورى الدولة، فتبيّن لنا ان هناك مطالعة اخرى مناقضة لمجلس الخدمة المدنية فأعدنا التصويت وأخذنا برأي مجلس الخدمة". ورأت المصادر "ان من الطبيعي ان يعاد النظر في اي شأن يسبّب ردّ فعل سلبي. فهناك شخصيات معارضة لرئيس الحكومة اضطرت الى ان تتخذ موقفاً رافضاً لتوقيت طرح مشروع الزواج المدني. وهذا له دلالته التي علينا الأخذ بها كسلطة تنفيذية. ثم ان بعض الوزراء عدلوا من موقفهم ورأوا ان المشروع لا يمكن ان يمر على هذا الشكل اذا كان يسبب كل هذه الضجة".