إنه هنا، بالقرب منك تماماً. انه داخلك. انه ينبض بالحياة، صامتٌ وصلبٌ. هنا هذا الشيء. انك لا تجد كلمة اخرى لتدل على واقع هذا الشيء. شيء ما. صورٌ لنقاط مغلقة وقرميدٍ وضربات. هذا الشيء له علاقة بالحجر والدم ويشبههما في آن. كل كيانك موجود داخل هذه المعدة المعقودة، المخنوقة. تفكر قد تكون الحرارة، او التآكل او اوجاع الطفولة او امسيات الكحول. تود ان تنام، لكنك لا تستطيع. الليل ينفتح واسعاً، عذباً، مقدماً نفسه كشاطئ عندما تمطر، فنسمع لحن العاصفة على الامواج السوداء، نداءات الرياح وأنشودة أجنحة طنّانة. الليل. أفكار اقمشة لينة، كالحرير مثلاً، انعكاس اخضر لشالٍ دعكته ايدٍ مدنّسة، ايماءات لا يمسّها الورع. الا ان الايماءات ضاعت في عتمة افكار الغياب الغامضة والصامتة، الحب تاه تحت لون ايام الخريف الرمادي، تحت سماء تبدو على عجلة منها لأن تنتقل الى شيء آخر، الى شتاءات غير معروفة لصحاري مجمّدة. الليل ينغلق من جديد. انما هو ما زال هنا، قريباً جداً منك. في داخلك. ينبض بالحياة لكن متعذر التقاطه. انه اكثر حياة منك. لكن لا بأس. انظر الى يدك، الى ذراعيك. حبرٌ على ورق احرف الجِلْد، علامات قديمة تتلاشى ببطء. عروق ظاهرة، حيث الدم يهرب يسير ويعيش؟ حيث... ربما هذا؟ انظر جيداً. انه شديد الهشاشة. هل تعرف ذلك؟ لا، هذه السكين لن تنفعك. لن يُحل اي لغز. يمكنك ان تحاول. حرارة الدم على الجلْد. انك تفكر: اكثر مما ينبغي. شيء ما زائد. وكأن الجسد يستطيع ان يقدم لك مَخرجاً، مكاناً لأجلِ... صورٌ عن الجراحة، اناقة المبضع، اعضاء مرمية في احواض فولاذية، جسدٌ نظفوه، هذه الايدي العالمة التي لديك. قد لا تتوجع، في هذا الغياب المبنّج، حيث ما من شيء، ما من شيء يستطيع ان يصيبك حقاً. وإن كان هذا اكثر ما يرعبك؟ هل تعلم ان الجذام يُحدث المفعول نفسه؟ شيئاً فشيئاً، وبدون مجهود، الرعب المضاف الى كل هذا. قُطَعٌ من الجسد تجف، تسقط. انك تفكر: لامبالاة، فراغ، نعاس. قد يكون الامر سهلاً، غاية في السهولة. لكن الجسد يقتصر على الدقة الملوّنة لألواح الجسم التشريحية، بدون اي مفاجأة. قد تود ان تصلّي. فتصلّي. العبارات التي كانت من الماضي تهدئ فرغت الآن من معناها، كأن احداً، يوماً لم... انك تفكر بالعزلة والحزن والغياب. ثم: لا شيء. انه هنا. انه لا شيء. عليك ان تتقبله رغماً عنك. الكلمات تتكدس، غير نافعة، جامدة، في عنبر اصوات منسية. انه هنا. انه لا شيء. بعض اللآلئ الموسيقية تبلغك، بعيدة، تلك التي كانت تجعلك تذرف دموعاً ناعمة وأنت في أمل المصالحة مع الحياة. لكن الموسيقى لم تعد تكفي. حتى الالم يهرب منك. انك تبقى هنا في عجزك قبالة هذا. الانتظار. يقولون الوقت. انت تعرف جيداً انه عند طلوع الشمس عليك ان تتحرك مجدداً، ان تخرج، ان تتكلم. على الرغم من هذا. مع هذا. ان تخترع طريقاً من اجل ما تعذر قوله، ان تجد حتى الدرب نحو صرخة ما. انك تفكر: الشمس، الحنان، العناق الطويل في غسق صيفي. انك تعجز عن ان تصدّق هذا. ما زلتَ عاجزاً عن التصديق. ترجمة: صباح زوين