قد يربك اتساع خبرة الفنان وتوزع اهتماماته سياق عمله الفني بسبب حضور هذه الاهتمامات في وعي الفنان مطالبة اياه بحصتها من ابداعه، وهنا يبدأ خطر التشتت والضياع في دوامة الرياح المقبلة من كل الاتجاهات، وعلى الفنان القدير في هذه الحال ان يتذرع بالصبر والأناة والشجاعة في التضحية ببعض التفاصيل، والجرأة على التجاوز والانتقاء السديد للعناصر الاساسية لعمله الابداعي. واذ يكون الاساس هو ان تشكّل هذه الخبرات مجموعة من الروافد التي يأخذ كل منها مجراه المستقل في وعي الفنان، محتفظاً بخصائصه الى حين بلوغه مركز الوعي الذي تلتقي عنده تلك الروافد وتمتزج فيه مانحة اياه طعماً آخر، ولوناً غير لونه، واشراقاً لا يمحوه، وإنما يجلو بريقه ويفتح طاقاته على أفق لا حدود له. واذ يكتفي بعض الفنانين بما لديه من تجربة محددة واضحة يأخذ في تجويدها ويعزف على اوتارها منتقلاً من نغمة الى نغمة، على مقام واحد، يأخذ الفنان اياد الموسوي وضعه الفني من مقامات متعددة يؤلفها مزيج اهتماماته الفنية والمعرفية عموماً: تقنية الطباعة، فنون الغرافيك، النقد الفني، الصحافة، الرياضيات البحتة والخبرة الحياتية التي أغناها تجواله في المكان، وبحثه الدائب في ثنايا الخبرات عن الجميل والممتع والمثير. وهو اذ يجمع خلاصة تجربته هذه، ويتركها تنساب على ارض اللوحة حرّة من خيوطها التي تؤلف نسيجها الاولي، تبدأ لوحته تحفر في ذاكرته، وترشح تاريخه الحياتي والبصري، فتنهض طفولته متمثلة ببساطة الخطوط، والتكوينات التي تذكرنا بعوالم الطفولة العجيبة وما تحفل به من خيال وبراءة ودهشة. في حين تأخذ تجربة المكان عنده حيّزها الواضح في الفضاء صافية شفافة ناقلة ملامح البيئة وفتنة الطبيعة. فتنة المكان ومباهج الطفولة يؤسسان هنا لوحة اياد الموسوي، مسنودان ببصيرة فنية وذخيرة معرفية، حيث تمتزج طبيعة كندا التي رفدته بهذا الصفاء اللوني، بالحلم الطفولي الذي تقوم عليه تكويناته التي يتسرّب المنظور برقة الى عالمها التجريدي، فتحملنا الى عالم طفولي ساحر بآفاقه وألوانه وأسراره التي يتحكم فيها الفنان بدقة وإحكام.