تنظم وزارة الثقافة المغربية الدورة السابعة من مهرجان «ليلة الأروقة» الذي افتتح الجمعة الماضي؛ ويعد الحدث، الذي يترقبه سنوياً الفنانون وعشاق الفن التشكيلي، موعداً فنياً مميزاً، بمشاركة عدد كبير من الفنانين المكرسين، إضافة إلى مواهب شابة، لتبادل الخبرات والتجارب بين المبدعين المغاربة والأجانب. وتتميز هذه الدورة ب77 رواقاً وفضاءات للعرض في 18 مدينة مغربية. ويأتي معرض الفنان مصطفى مفتاح بعنوان «رؤية الطفولة وطفولة الرؤية»، والمستمر حتى 17 من الشهر الجاري في رواق محمد الفاسي بالرباط، ضمن النشاطات الرئيسة والمحتفى بها في دورة هذا العام. وكما يدل عليه العنوان، ستكون تيمة الطفولة حاضرة بقوة في غالبية لوحات مفتاح، وهو من مواليد عام 1957 بالدارالبيضاء، وخريج مدرسة الفنون الجميلة في الدارالبيضاء ومرسيليا. عاش في إيطاليا أكثر من سبع سنوات، وتأثر بعمل بوري البرتو وأنطونيو تابيس، إضافة إلى لوسيو فونتانا، ونظم معارض عدة في المغرب وخارجه منذ عام 1977 في اليابان وتايلاند والفيليبين وكينيا والهند. يقول عن أعماله الناقد محمد راشدي إنها «تتميز بتلقائيتها وعرفانيتها، تمتزج فيها آثار من طبقات عدة، كتابة سلسلة وحياة تحتفي من خلال طبقات الألوان باللذة الجسدية للخط التموجي وسط الاكتظاظ الجسماني لرواسب المادة، وهي أيضاً كتابة الخدش والألم والمعاناة، كتابة القلق الوجودي وشغف العيش». ويعدد راشدي سمات معرض مفتاح فيقول: «نرى في اللوحات طيارات ورقية، فتيات صغيرات يلعبن لعبة الإكس، أولاد يدحرجون عجلات سيارات، أحصنة خشبية وقطارات بخارية... وكلها توحي بعالم الطفولة، غير أن كل هذه الأشكال المرجعية تتحول بسرعة إلى تنويعات على علامات خطية صرفة، وفوارق طفيفة لمواد ملونة، يتعلق الأمر أولاً بأجزاء صباغة تلعب تقسيماتها بحرية تتسبب في الدوران وفي السهولة الأصيلة التي يخترع بها الطفل كلمات ولغة قبل أي إنسان راشد». ويستنتج راشدي «أن جداريات مفتاح هي بمثابة صيغ يتحول فيها كل شيء، في شكل مستمر، من الظهور إلى الاختفاء، تتراكم وتتفاعل فيها أنسجة الذاكرة، ولا تلوح إلا لتتوارى، يمثل فضاء الصباغة والجدار وكذا فضاء الشارع، بالنسبة إلى مفتاح، فضاء للفناء، ليس بالمعنى الديني وإنما بالمعنى الذي يمكنه خيالياً التقاط خيط قصته الصغيرة كي يقوم بتدوينها بفعالية، في هذا العالم المادي، ليسائل شكليات تشابكه وتفاعله مع عقد ثقافية أخرى، وأخيراً يساهم في نسج قماشة التاريخ الإنساني، من طريق الاحتفاء بالطفولة، بعذرية رؤيتها، وبالفعل الذي تدشنه». ويحلل راشدي مخيلة مفتاح، فيرى إن «هذه الطفولة لا تنحصر في الفنان، فمن خلال بحثه عن الطفولة يصوب مفتاح سهمه نحو الذاكرة، وبالتحديد نحو تشابك الذاكرتين الفردية والجماعية، أي الرابط الحميمي بين الفردي والكوني». ويضيف: «لطالما فتن العديد من الفنانين بعالم الطفولة، خصوصاً إبداعه، وسواء تعلق الأمر ببيكاسو أم بميرو، بشاغال أم بكلي اوكالدر، سعى مفتاح بطريقته الخاصة إلى إيقاظ هذا الجزء الطفولي الإنساني، أهي خدعة مقنعة أم فطرة حقيقية بريئة؟ لا يهم، بل الأهم هو ذلك الافتتان الذي يستسلم له الفنان إزاء جاذبية الطفولة، بكل تلقائيتها، وخضوعها وقوتها الابتكارية». ويخلص راشدي إلى أن «ما يقوله هؤلاء الفنانون، ومعهم مفتاح، هو أن اللغة الأصيلة لا يمكنها أن تبرز حقيقة إلا من خلال عملية اكتشاف العالم، إذ أنه من خلال اكتشاف العالم، تمسي حواس الطفل، التي لم تتطور تماماً بعد، أدوات فرز للتكييف الثقافي، متيقظة في شكل كبير، ما يذكي قوة إبداع الطفل ويدفعه إلى إنتاج إبداع شعري فريد». إلا أن مفتاح، علاوة عن التعبير العفوي، «يكشف شغفه بالفعل الطفولي، والذاكرة الإنسانية في فجر وجودها»، في رأي راشدي، «وبالفعل، كل من يتأمل ولو قليلاً في رسوماته، سيتجلى له تقاربها مع طفولة الإنسانية، وعلى غرار فناني ما قبل التاريخ، الذين كانوا يعرفون كيف يتحاورون مع مسام الجدران الجامدة وتعرجاتها إلى أن كشفوا فيها الأشكال الأولية للغتنا الفنية، فإن مفتاح يسحق مواد لوحاته ومواد جدران المدينة ليستخرج منها كتاباته التشكيلية الخاصة».