لم يأت روبن كوك إلى الشرق الأوسط باسم بريطانيا والاتحاد الأوروبي فحسب، بل أن جولته أقرب ما تكون إلى زيارة مبعوث أوروبي - أميركي في وقت ليس في استطاعة الإدارة الأميركية الإقدام، لأسباب داخلية، على تحرك واسع يؤدي إلى تحريك المسار الفلسطيني - الإسرائيلي. ولأن وزير الخارجية البريطاني تحدث أيضاً باسم الأميركيين، يمكن تحديد الإطار العام للتسوية في المنطقة كما يراه العالم وليس كما يريده بنيامين نتانياهو. ولأن روبن كوك حدد هذا الإطار بشكل واضح، غضب "بيبي" واختصر اللقاء بينهما وألغى العشاء. وكأن المهم بالنسبة إلى وزير الخارجية البريطاني، من وجهة نظر رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن يعتبر نفسه سعيداً بمجرد أن يدعوه نتانياهو إلى العشاء، فيكون بذلك حقق الغرض من جولته في المنطقة... في الواقع، دلّت جولة كوك على أن العالم بات مقتنعاً بوجود دولة فلسطينية وبأن القدس عاصمة لدولتين وبأن كل ما يستطيع نتانياهو أن يفعله هو تأخير استحقاق السلام وتعريض استقرار المنطقة لهزات. ولعل أخطر ما في تصرف رئيس الحكومة الإسرائيلية إدراكه ان اتفاق أوسلو هو في أساس عملية السلام، ولذلك لا بد من نسفه. عملياً، ينفذ نتانياهو ما خطط له اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي ابان انعقاد مؤتمر مدريد. فقد كان هدف شامير وقتذاك التفاوض من أجل التفاوض إلى ما لا نهاية، خصوصاً مع الفلسطينيين وخلق واقع جديد على الأرض. والواضح ان غضب نتانياهو من الوزير كوك عائد إلى أن الوزير البريطاني، بزيارته جبل أبو غنيم ولقائه فلسطينيين قربه، اراد توجيه رسالة واضحة إلى الحكومة فحواها أن سياسة رئيسها باتت مكشوفة، وأن أول ما تتصدى له أوروبا الراغبة في تحريك عملية السلام هو سياسة الاستيطان. بات العالم كله، على رأسه الولاياتالمتحدة وأوروبا، يدرك أن السياسة الإسرائيلية الراهنة لا يمكن أن تقود إلى السلام، وأن العقبة الأولى هي سياسة الاستيطان. وأكثر من ذلك ان ما أصبح واضحاً هو ان "بيبي" يستهدف القضاء على كل ما تحقق منذ انعقاد مؤتمر مدريد، خصوصاً اتفاق أوسلو مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على الأردن الذي اتخذ قرار التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل في ضوء ما تحقق فلسطينياً. هل يمكن البناء على جولة كوك في اتجاه تغيير الموقف الإسرائيلي فلسطينياً؟ هذا هو السؤال الكبير المطروح في الشرق الأوسط، والباقي تفاصيل بما في ذلك الدعوات الإسرائيلية إلى تنفيذ القرار 425. ذلك ان هذه الدعوات كان يمكن ان تشكل احراجاً حقيقياً للبنان وسورية لو حصل تقدم في المسار الفلسطيني. وفي غياب مثل هذا التقدم، لا يمكن تصديق أي مبادرة إسرائيلية أو التجاوب معها... إلا إذا كان المطلوب من لبنان وسورية مشاركة نتانياهو في تجاوز الموضوع الفلسطيني الذي هو في جوهر عملية السلام وفي أساسها!