قال وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان إن بلاده تشهد حالياً انفتاحاً في علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع مصر واثيوبيا وأوروبا، وتقدماً في العلاقات مع دول آسيا. وقال في حديث ل "الحياة" في الدوحة التي غادرها أمس بعدما شارك في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية إنه سيزور مصر الاثنين المقبل، ويجتمع مع نظيره المصري السيد عمرو موسى. وأضاف انه تم "انجاز العديد من الملفات" بين مصر والسودان، مؤكداً "شبه اتفاق" بين الجانبين على أن تعالج قضية حلايب "في إطار تكاملي". وأكد وجود مبادرتين مصرية وليبية تستهدف أن المصالحة بين الحكومة السودانية والمعارضة. وشدد على حرص الحكومة السودانية على "مشاركة جميع أبناء السودان بمختلف ألوان الطيف السياسي" في إعداد مسودة الدستور. وقال إن الفرصة ما زالت متاحة أمام المعارضة. وأعلن "ليس لدينا أي اعتراض في أن تأتي المعارضة إلى الداخل وتشارك كمعارضة، أو كمشاركة في الحكم، ثم تنتظر الانتخابات المقبلة"، لتخوضها. وأكد "ان مسودة الدستور بعد أن تجاز من الشعب ستصدر في إطار قانون وستتاح للأحزاب ان تؤسس عملها". وهنا نص الحديث: هل قدم السودان أفكاراً معينة عن مشكلاته الداخلية أثناء مشاركتك في اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في الدوحة، وكيف كان رد الفعل؟ - السودان سيشارك في هذا المؤتمر بفعالية سواء من خلال الجلسة الافتتاحية، متحدثاً باسم المجموعة العربية، أو كلمة السودان التي القيناها في المؤتمر وتعرضنا فيها لقضايا السودان وقضايا العالم الإسلامي وأبرزنا فيها رؤيتنا الواضحة. وأكدنا أننا ندعم تفعيل المنظمة منظمة المؤتمر الإسلامي وإعادة النظر في هيكلتها وتقديم الدعم اللازم من خلالها. ووجدت قضايا السودان تفهماً من الدول المشاركة، وانعكس هذا التفهم في التوصيات والقرارات التي صدرت في البيان الختامي، ومن بينها توصيات وقرارات ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للسودان وتهديد وحدته وهويته. كما قرر المؤتمر دعم السودان في إطار تصديه لعدد كبير من اللاجئين من دول الجوار وتنادي المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم له. وهناك توصية أخرى ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للسودان وتنادي الدول المجاورة إلى أن تحل مشاكلها مع السودان عن طريق الحوار. وفي تقديرنا ان هذه التوصيات اتت من تفهم كامل للموقف السوداني. ونحن نقدر جداً تفهم اعضاء المنظمة لما يجري في السودان، خصوصاً ان أوضاعه الآن تشهد انفراجاً في كل المجالات، خصوصاً الاقتصادية. وأكد صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره أخيراً أن الاقتصاد السوداني بدأ يستعيد عافيته، وأنه يسير الآن في الاتجاه الصحيح. ومن هنا جمّد الصندوق القرار الذي كان مطروحاً أمامه والداعي إلى الانسحاب الاجباري للسودان منه. وأكد الصندوق في تقريره ان كل الدول الأعضاء في الصندوق تؤيد التقرير الذي أصدره المدير العام ويشير بأن الاقتصاد في عمومياته إلى تقدم في كل المجالات، وأنه حقق درجة من النمو تبلغ خمسة في المئة. كما ان هناك استقراراً في سعر صرف العملة السودانية، وانخفاضاً ملحوظاً للتضخم، وزيادة في الانتاج، مما انعكس ايجاباً على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد. السودان يشهد أيضاً انفتاحاً سياسياً في علاقاته الخارجية. وتمثل هذا في علاقاته عموماً مع دول الجوار، خصوصاً مصر واثيوبيا، ومع أوروبا، خصوصاً بعدما زار الخرطوم أخيراً وزراء أوربيون، ومع زيارة آخرين في الفترة المقبلة. موضوع الساعة في السودان الآن هو موضوع التعددية الحزبية فهل خطوات الحكومة السودانية في هذا الاتجاه هي نتيجة مراجعة لممارساتها خلال السنوات الماضية؟ والى ماذا تعزو هذا التوجه الجديد؟ - أولاً أي ثورة في مسيرتها لا بد من ان تراجع مسيرة العمل في مجالاته المختلفة سواء في المجال الاقتصادي او السياسي او علاقاتها الخارجية. وان تكون هناك مراجعة، لا غرابة في الأمر. ولكن الذي أؤكده لك ان هذا التطور والانفراج في الساحة السودانية جزء من برنامج مستمر بدأته حكومة ثورة الانقاذ الوطني منذ وصولها الى السلطة. وبمجرد ان انتهت من اجراءات التأمين للنظام شرعت مباشرة بمؤتمرات الحوار في شأن كل قضايا السودان. وكان بين هذه القضايا الحوار على نظام الحكم والاقتصاد والسلام في الجنوب. لكنكم ستجيزون الدستور بمعزل عن القوى السياسية التي تعارض النظام الآن. وهناك مخاطر تهدد تنفيذ هذا الدستور في ظل غياب وفاق وطني؟ - أؤكد لك ان كثيراً من هذه الاجراءات الدستورية واجراءات الانفتاح يعود تأخيرها الى أننا كنا دائماً ننتظر هذه المعارضة الشمالية او الجنوبية حتى تأتي وتنضم الى المسيرة. ولعلك تذكر انه حتى بالنسبة الى حركة التمرد نحن اجّلنا اتفاق الخرطوم للسلام بعدما وقعنا الميثاق على امل ان يأتي جون قرنق وينضم الى الاتفاق قبل توقيعه. وانتظرنا عاماً كاملاً وحاورناه ولم يأت. فقمنا بتوقيع اتفاق الخرطوم للسلام. وبعد ذلك اجّلنا تأسيس الهياكل والوزارات ومجلس التنسيق اكثر من ستة اشهر في انتظار ان يقتنع قرنق ويدخل معنا في تنفيذ هذا الاتفاق، او ان يبدي اي ملاحظات لتعديلها. وعندما لم يحدث شيء قمنا بانفاذ تأسيس مجلس التنسيق وحكومات الولايات الجنوبية. نحن احرص ما نكون في ان تشارك المعارضة في الداخل والخارج في وثيقة الدستور، لكن القارئ للتطورات التي تجري في السودان يتأكد تماماً ان الحكومة حريصة جداً على مشاركة جميع ابناء السودان، بكل ألوان طيفهم السياسي. الا انها حريصة في الوقت نفسه على الا تتوقف هذه المسيرة. فمثلاً حين صدر قرار العام الماضي لتشكيل اللجنة القومية للدستور راعينا في قيادتها وتركيبتها استقطاب المعارضة في الخارج والداخل، حتى تستطيع ان تشارك في مسودة الدستور. وتم تشكيل هذه اللجنة برئاسة رئيس القضاء السابق القاضي خلف الله الرشيد، وهو معروف بعلاقاته سواء بالمعارضة او الحكومة. وتم تشكيل اللجنة الفنية برئاسة القاضي دفع الله الرضي نائب رئيس القضاء السابق، والمعروف ايضاً بعلاقاته، اذ كان محامياً يدافع عن الاتجاهات السياسية المختلفة وله علاقات معها. ولذلك حرصت الحكومة ان تضع هؤلاء على رأس اللجنة القومية للدستور حتى تتيح الفرصة لكل من يريد ان يشارك. طبعاً في الداخل شاركت الوان الطيف السياسي المختلفة، شاركت مجموعة من الاتحاديين، ومجموعات من حزب الامة، وشاركت مجموعات من اليساريين وشاركت مجموعات من الاخوان المسلمين. كما شاركت في اللجنة القومية للدستور التي صاغت المسودة الوان الطيف السياسي في الداخل، وبعضهم كان في عضوية اللجنة. نحن ايضاً أتحنا حرية واسعة لرئيس اللجنة القومية ورئيس اللجنة الفنية، اذ كان يمكنه السفر الى الخارج للقاء المعارضة واستيعاب رأيها. فاذا ارادت ان تشارك يمكن ان تشارك، واذا ارادت ان تبدي رأيها حتى يتم استيعابه يمكن ذلك. ونستطيع ان نقول ان هناك فئات كبيرة من عناصر المعارضة شاركت. ونستطيع ان نقول انها ارسلت بعض توصياتها وقراراتها بطريقة غير مباشرة لكن الشيء المعلن هو انها لم تشارك. بعد ذلك اقدمنا على الخطوة التالية وهي عرض مسودة الدستور على المجلس الوطني البرلمان الذي يناقش بحرية هذه المسودة. وما زالت هناك ايضاً فرصة اخرى امام المعارضة، لأن المسودة بعد ان تخرج من المجلس الوطني البرلمان ستعرض في استفتاء على الشعب السوداني الذي له كل الحق في أن يغيّر او يبدّل فيها او يجيزها او يرفضها.. وليس لدينا اي اعتراض في ان تأتي المعارضة الى الداخل وتشارك كمعارضة او كمشاركة في الحكم ثم تنتظر الانتخابات المقبلة لتنزل تخوض الانتخابات. المعارضة تقول انه اذا كان هناك حرص حقيقي على مشاركتها وعلى التعددية فلماذا لا تصدر قرارات حكومية تعترف بالأحزاب ولماذا لا تلغي الحكومة أيضاً المراسيم التي تحول دون تشكيل الأحزاب؟ - نحن أردنا ان تصدر هذه القرارات من الشعب السوداني. ونحن الآن تقدمنا من الشعب السوداني بهذه المسودة التي مرت عرضت برئاسة الجمهورية التي وافقت عليها. والمسودة تتضمن حرية تأسيس الأحزاب والتعددية السياسية، نحن أردنا ان نستفتي الشعب السوداني. والموافقة عليها ضمانة بأن تكون هناك تعددية سياسية. اذاً المعارضة تعرف خطط الحكومة وتوجهاتها وهي انها تريد ان تقترح على الشعب السوداني ان يؤمن على التعددية السياسية، وهذا ما نتوقع ان تخرج به وثيقة الدستور بعد عرضها على الاستفتاء. ولكن السؤال هو ما هي أهداف المعارضة؟ اذا كانت المعارضة تظن انها تريد ان تقتلع النظام، كما تقول، أو ان تمحو النظام وان تأتي لتحل محله فهذه مرفوضة بالنسبة الى النظام. وما دامت هذه الشعارات المرفوعة على الأقل علناً من المعارضة، سيستمر النظام في مسيرته في المشاركة السياسية وكل من يأتي سيرحب به النظام. واذا كانت المعارضة تريد ان تأتي بعد ان تقر عملية التعددية السياسية فهي ماضية الآن والمسيرة مستمرة. وأعتقد ان مسودة الدستور ستعرض وبعد ان تجاز من الشعب ستصدر في اطار قانون وستتاح للأحزاب ان تؤسس عملها. هل هناك سقف زمني محدد لاجازة مسودة الدستور؟ - المفترض ان تنتهي مسودة الدستور تتم اجازتها من المجلس الوطني في نيسان ابريل المقبل وقبل 30 حزيران يونيو. وهو الاحتفال بعيد الثورة التاسع ذكرى الانقلاب فستكون مسودة الدستور عرضت على الاستفتاء وتمت اجازتها من الشعب وتوضع في صيغتها النهائية للاحتفال بها في العيد التاسع لثورة الانقاذ الوطني. يتردد ان هناك وساطة مصرية وأخرى ليبية بين الحكومة السودانية والمعارضة فما صحة ذلك؟ - نحن على علم من قبل الاشقاء في مصر بأن لدى مصر محاولة للوساطة. وهذه المحاولة تصب في اطار سعي مصر الى استقرار السودان وتأمين وحدته وأمنه. وهذه المبادرة تشمل المعارضة الشمالية والجنوبية. وهناك اتصال بيننا وبين الأشقاء في مصر. وما الجديد في تطورات العلاقة الثنائية بين مصر والسودان وهل ستزور مصر قريباً؟ وهل سيقوم الرئيس البشير بزيارة للقاهرة أيضاً؟ - زيارة الرئيس البشير لمصر كانت مرتبطة فقط بأن ننتهي من الملفات المختلفة، ثم نعمل بعد ذلك على ترتيب زيارة الرئيس للقاهرة. ولذلك عكفنا في الفترة الماضية على الملفات التي تشغل بال القيادة في البلدين. واستناداً الى ما تم، استطيع ان أقول انه في مجال الملفات الثنائية تم انجاز العديد حيث تم استئناف الملاحة النهرية التي كانت متعطلة، والآن البواخر تمضي وتأتي بين أسوان وحلفا. وفي اطار التعاون التجاري زار وزير التجارة السوداني مصر حيث تم تجديد البروتوكول التجاري ثم بعد ذلك زار وفد اقتصادي مصري كبير السودان في اطار "معرض الخرطوم الدولي". وفي اطار اللجنة المشتركة لمياه النيل عقدت هذه اللجنة اجتماعاً في الخرطوم برئاسة وزير الري المصري وكان هناك تطابق في وجهات نظر الوزيرين وتم تجديد اجتماعات هذه اللجنة. وفي الاطار الامني زار الخرطوم وفد امني مصري وتمت لقاءات مع الاجهزة الامنية. ثم بعد ذلك حصلت زيارات ايضاً بين القاهرةوالخرطوم. ونحن راضون عن التنسيق الذي بدأ في هذا المجال لعلاج المشكلات الامنية، وبقي ملفان اساسيان هما ملف قضية حلايب وملف المنشآت المصرية في السودان. واعتقد بأننا على شبه اتفاق بأن قضية حلايب ستعالج في اطار تكاملي بين البلدين. ولعلك سمعت بالقرار الذي اصدره رئيس الجمهورية السوداني قبل يومين باعادة النظر في القرار الذي صدر في وقت سابق في شأن المنشآت المصرية في السودان. واعتقد بأنه بهذا فإن الملفات قد تحركت كلها. وسأقوم بزيارة مصر الاثنين المقبل وسألتقي الاخ وزير الخارجية السيد عمرو موسى وسنناقش ايضاً هذه الملفات، واذا ما وجدنا ان الوقت مناسب سنقترح ايضاً ان يتم لقاء القمة بين الرئيسين مبارك والبشير وسنمضي قدماً في تهيئة الاجواء لذلك. في شأن العلاقات مع اميركا هل هناك جديد؟ وهل هناك حوار بين البلدين حالياً؟ وهل هناك مبادرة سودانية لتحسين العلاقات مع واشنطن؟ - نحن في وزارة الخارجية اعددنا خطة لتنشيط الحوار بيننا وبين الولاياتالمتحدة وعقد لقاءات تتناول القضايا التي كانت محل اهتمام البلدين وهي التي تسببت في تعثر العلاقات او توترها. وهنا يجب ان اضيف ان العلاقات الديبلوماسية بين الخرطوم وواشنطن غير مقطوعة. وهذه الحوارات يمكن ان تتم عبر القنوات الديبلوماسية واذا تأكدنا بأنها تتطور سنقترح ان تتم في اطارات عليا ولقاءات بين المسؤولين. الاتصالات بين الخرطوم وواشنطن لم تنقطع. وأثناء وجودك في الدوحة للمشاركة في المؤتمر الوزاري الاسلامي عقدت اجتماعاً مع ممثل الامين العام للامم المتحدة في المؤتمر السيد الاخضر الابراهيمي فهل هناك سعي حكومي سوداني الى تحسين العلاقات مع المنظمة الدولية؟ - نعم اجتمعت مع الاخ الاخضر الابراهيمي، وهو قبل ان يكون مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة هو مواطن عربي خبير في السياسة العربية والدولية باعتبار انه كان وزيراً للخارجية، وزار السودان مندوباً من الامين العام للامم المتحدة في فترة شهدت مشكلات بين الاممالمتحدةوالخرطوم حينما كانت هناك توصية لفرض حصار اقتصادي وأجرى اتصالات واطلع على الاوضاع. وما زال لدينا بعض القضايا معلقة مع المنظمة الدولية. وحرصنا اثناء اجتماعنا ان نضعه في صورة القضايا وان نطلب منه ان ينقل ذلك الى الامين العام للامم المتحدة. وهل طرحتم افكاراً معينة؟ - نعم طرحنا افكاراً عن كل القضايا ونتوقع ان تكون اساساً للحوار في المستقبل.