"جريدة "الحياة" أعادتني الى لبنان وجعلتني خالدة، لم أسامحكم على ما حصل فحسب ورد خطأ في خبر نشرته "الحياة" في تموز / يوليو الماضي عبارة المطربة الراحلة لور دكاش، بل أنا شاكرة لأنكم أتحتم لي العودة الى وطني والتعرف الى الأهل والأصحاب الذين غبت عنهم طويلاً". بهذه الكلمات استهلت المطربة الكبيرة لور دكاش لقاءها مع "الحياة" في منزل العائلة الدكاشية أثناء زيارتها الأخيرة الى لبنان بعد غياب دام أربعين سنة. ولور دكاش مطربة من الرعيل الأول أدت ولحنت عشرات الأغاني وعاصرت المطربات والمطربين الكبار في العالم العربي أمثال محمد عبدالوهاب وسيد درويش وأم كلثوم وأسمهان ونور الهدى وسواهم. وحققت أغنيتها "آمنت بالله" شهرة كبيرة وراحت تتناقلها الأجيال عقوداً، اذ "أحبّ الأغنية كل من آمن بالله وعلى أي دين كان" كما قالت. وعن بداياتها أجابت: "ولدت في حي السراسقة من الأحياء الراقية في بيروت وسمع والدي غنائي فراقه صوتي وأحضر لي أستاذاً علمني الموسيقى والعزف على العود والتواشيح والأدوار، ورحت أغني وألحن وأنا في الثامنة من عمري، إضافة الى أدائي لأغاني أم كلثوم وفتحية أحمد وسواهما". وأضافت: "ولدت في لبنان نجمة واحتضنتني كل العائلات وحققت شهرة كبيرة وأنا في الثامنة، وجلت في لبنان وسورية وحلب وأنطاكيا واسكندرون. وسجلت عدداً من الأغاني من ألحاني وكان عمري عشر سنوات في شركة "بيضافون" التي كان محمد عبدالوهاب شريكاً فيها". وقالت: "في أوائل الثلاثينات جاءت أم كلثوم الى لبنان بدعوة من أحمد الجاك الذي طلب مني ومن صباح ان نستقبلها في المرفأ فاستقبلناها، ورافقتها أنا طيلة مدة زيارتها الى لبنان ورحت أقلدها فسموني أم كلثوم الصغيرة". اما شهرتها في مصر فتحدثت عنها بالقول: "ما أبرزني في مصر هو رثائي لسعد زغلول على قبره بعدما طلب والدي من أم المصريين زوجة زغلول ذلك فرضيت وغنيت قصيدة ألفها بطرس معوض، ودعتني "أم المصريين" الى حفلة شاي. ومن يومها بدأ انتشار لور دكاش في مصر". وأضافت: "ثم عدت الى لبنان وغنيت في كل الأماكن حتى العام 1945 فجاءني ساعٍ من السفارة المصرية يدعوني الى مقابلة السفير فذهبت وأبلغني أن الإذاعة المصرية تطلبني للغناء فيها فذهبت الى القاهرة. وفي الطريق غنيت في إذاعة الشرق الأدنى في يافا، وأديت أغانيات لبنانية لأخلّد عظماء لبنان ولكنهم طلبوا مني أن أؤدي اللون المصري". وعن إقامتها الطويلة في مصر، قالت: "بعدما مثلت فيلم "الموسيقار" العام 1945 عدت الى لبنان لكن ظروفاً عائلية اجبرتني على العودة الى مصر والمكوث فيها". مع مَن من الملحنين والشعراء تعاملتِ؟ - في لبنان مع نقولا المني وميشال خياط وسامي الصيداوي وسليم الحلو وفيلمون وهبي، ومن الشعراء بشارة الخوري ورشيد نخلة وميشال مبارك وأمين نخلة وغيرهم. وفي مصر مع الشعراء صلاح جودت ومصطفى عبدالرحمن وأحمد فتحي والملحن سيد درويش وأخذت لحناً من عبدالوهاب، ولحنت لنفسي الكثير. وكان عبدالوهاب يعاملني معاملة الند خصوصاً عندما سمعني أقدم وزناً جديداً وهو 17 من 8 فقال لي: أنتِ عبقرية! وأين سجلت أغانيك وما هو رصيدكِ؟ - سجلتها في الإذاعات المصرية والتونسية والشرق الأدنى واللبنانية ورصيدي منها نحو 150 أغنية. ماذا عن أغنيتك الشهيرة "آمنت بالله"؟ - ذهبت الى مصر العام 1939 لأسجل في شركة "بيضافون" عدداً من الأغاني فقال لي فريد غصن أن قصيدة منها ستغنيها أسمهان فاعترضت، فقال: خذي هذه القصيدة "آمنتِ بالله / نور جمالك آية من الله" ولحنيها لنسجلها. لحنت المذهب ارتجالاً فراقه وأخذ العود وراح يغني مقطعاً وأنا مقطعاً وسجلنا الأغنية وقال لي دعيني أسجلها باسمي فرضيت، وحصد فريد غصن ثروة مالية كبيرة وأنا حصدت ثروة فنية أبدية… وهل تكفي أغنية واحدة لنجاح الفنان؟ - صحيح أن "آمنت بالله" حققت شهرة واسعة ولكن عندما دعتني الإذاعة المصرية لم تطلب "آمنت بالله" ولم تقبل بالغناء اللبناني بل طلبت لور دكاش ملحنة "طلوع الفجر" التي رافقني في أدائها سامي الشوا على الكمان. الإذاعة المصرية نظرت الى هذه التحفة الفنية التي لحنتها وأنا في العاشرة ولم تنظر الى الشهرة. ولماذا كانت العزلة بعد ذلك؟ - منحتني الحكومة المصرية الجنسية على أثر زواجي الثاني، وصرت أقلل من عطائي حتى العام 1977. وراحت الإذاعة المصرية تتعامل مع المطربين الشباب وتركتنا. لكن الحكومة المصرية خصصت لي راتباً مدى الحياة. لماذا لم ترافقي الجيل اللاحق أو تتحولي الى مطربة شعبية؟ - لم أرد أن أكون مطربة شعبية، وكيف أتماشى مع الجيل الجديد وأنا لديّ مخزون موسيقي؟ أردت البقاء في قمة الفن الشرقي الصميم الذي لا تمحوه السنوات كما الجديد. لقد فضلت العيش في بساطة على أن أتخلى عن مبدأي أو أن أتخلف عن عقيدة موجودة في ذاتي. اعتزلت ولم أغيّره". ومع ذلك عدت العام 1977 الى الغناء والتلحين في "ندوة الأربعاء" عند المستشار جمال عبدالرحيم… وكنت نجمة الندوة. كيف تصنفين نفسكِ بين معاصريك؟ - أنا لا أصنف نفسي ولا أتعالى على أحد. وكيف ترين الى الجيل الجديد؟ - أنا لا أنتقد الجيل الجديد فلكل عصر آذانه وأغانيه. وعلى أية حال فالطقطوقة ليست جديدة انما هي من أيام سيد درويش الذي يعتبر مدرسة في الموسيقى والتلحين. ولكن على الجيل الجديد إذا أراد أن يغني للعظماء أن يحافظ على تراثه ويؤدي الأغنية بأمانة من دون تغيير أو تشويه. وأنا مستعدة لتقديم ما يريدون من أغنياتي حتى يسجلوها بأصواتهم لأنني أتمنى أن أخلّد وتخلّد أغنياتي بغناء المطربين الجدد لها.