خلافاً لما ذكر انه "يعاني اختلالاً عقلياً وفقدان ذاكرة"، بدا الرائد كيتل الحايك، أحد أبرز اللبنانيين ال 121 الذين افرجت عنهم السلطات السورية بداية الشهر الجاري، وهو يقف في قفص الاتهام في اول جلسة يمثل فيها امام المجلس العدلي في قضية اغتيال الرئىس رشيد كرامي، في صحة جيدة. وراح يبتسم لوالدته التي وقفت على مقعدها تلوّح له بيدها، او يتفرس في وجوه كل مَن في القاعة بطريقة استعلامية مركّزة. دخلت هيئة المحكمة برئاسة القاضي منير حنين والنيابة العامة ممثلة بالمدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم، وشكلت الخصومة في الدعوى المتهم بها قائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع وقائد قاعدة حالات الجوية العميد خليل مطر وثلاثة وجاهاً، أصبحوا أربعة مع حايك، والمتهم الرئيسي في القضية الفار من وجه العدالة رئيس جهاز الأمن في "القوات" غسان توما ومساعده غسان منسى وآخرون. ولما شرعت الرئاسة في استجواب الحايك الذي عرّف عن نفسه بأنه "رائد احتياطي في الجيش اللبناني" 45 عاماً طلب وكيله المحامي محمد المغربي معاينة لجنة طبية في اوتيل ديو او الجامعة الاميركية له، لأن موكله "خاض معارك عدة وأصيب خلالها بجروح بالغة وقضى اربع سنوات في سورية وهو مصاب بفقدان الذاكرة". كذلك طلب "مهلة للحصول على المستندات اللازمة لتقديم طلب المعونة القضائية والاطلاع على الملف واستنساخ الاوراق ودرسه بعد طلب المعونة وجلب الملف القضائي من سورية لضمه الى ملف المحكمة". ثم طلب فصل الدعوى عما نسب اليه. فأوعزت الرئاسة مباشرة تلاوة الاوراق "لأن الملف صوّر بالجزء المتعلق بالحايك" وسلّم الى والدته امس على ان يبتّ الطلبات لاحقاً. لكن المغربي أصرّ على تلاوة الاوراق جميعاً "لأن المادة في اصول المحاكمات الجزائية تتحدث عن الشأن الاتهامي"، إلاّ ان الرئاسة طلبت منه الجلوس وباشرت تلاوة افادتي صهر الحايك الرقيب في قوى الأمن الداخلي كميل الرامي الموقوف في القضية، وحسن علي احمد واعترافهما بأنهما كانا يعملان لمصلحته وانه كلفهما وضع متفجرة على ضريح الرئيس كرامي في طرابلس عشية الذكرى الاربعين له من دون ان تنفجر "بقصد تضليل التحقيق"، وفق ما ورد في محضر بناء على استنابة قضائية صادرة عن القاضي جورج غنطوس بعد التحقيق معهما واعترافهما بأن الحايك كان على علاقة جيدة مع غسان توما، وكان يجتمع معه في صورة دائمة وكذلك مع الدكتور جعجع. وهنا اعترض المحامي المغربي على هذه الافادات فردّ الرئيس حنين بأنه "متهم وليس مشاركاً". ثم تليت افادة عبدالحميد أحمد وفيها انه تطوع في الجيش في العام 1984 في الكتيبة المجوقلة وكان مسؤوله المباشر الحايك وكان برتبة ملازم أول، وان الاخير كلفه "بمراقبة القوات الشقيقة السورية والكشف على مكان ضريح كرامي وإرشاد حسن علي احمد عليه وتسليمه العبوة الناسفة". فكرر المغربي الاعتراض وطلب سماع كل الافادات مجدداً فأجابته الرئاسة: "لسنا في حال استجواب الآن اننا نتلو الافادات فقط". لكن المغربي أصرّ على موقفه، إذ لا يمكن بتّ المحاكمة" في حق موكله قبل ان يطلع على الملف والقيام بالدفوع الشكلية، خصوصاً ان محاكمته غياباً امام المجلس العدلي سقطت بعد مثوله وجاهاً طالباً ان تعاد المحاكمة منذ البداية. وهنا طلبت النيابة العامة ردّ اعتراض المغربي، معتبرة ان المحاكمة في حق موكله "لم تسقط لأنها لم تبدأ بعد، علماً ان اوراق الملف الخاصة بالمتهم الحايك ابلغت الى والدته". فردّ المغربي ان الاوراق لم يستلمها موكله. فانتفضت الرئاسة وخاطبته في حدة "ان والدته ابلغتني بعدما تسلمت الاوراق انك انت طلبت منها ابقاءها في البيت". فحاول المغربي تبرير موقفه بالقول ان ثمة لغطاً في الأمر. فطلبت منه الرئاسة الجلوس لكنه لم يفعل، وتابع كلامه، الأمر الذي حدا بالرئاسة الى استعمال المطرقة في حدة. فجمع المغربي اوراقه وخاطب الرئاسة بالقول: "انا سأنسحب من الجلسة". وطلب من مساعديه مرافقته، وغادروا الرواق. وهنا سألت الرئاسة المتهم "شو يا حايك"؟ فأجاب: "هذا امر بينكم سيدي الرئيس، ماذا في امكاني ان اعمل؟". وقالت الرئاسة: "هذه افادة صهرك كميل". فردّ: "انا اعرف حقوقي وكيف ادافع عنها". وسألته الرئاسة: "هل تريد محامياً آخر؟"، قال: "لا". وأصرّ على المغربي، "لأن ليس في امكاني ان اخرج عن وكلائي، ولكن اذا اردتم تعيين محام بديل فأنا ارافع عن نفسي". وهنا توجهت الرئاسة الى محامي الدفاع الحاضرين، وسألت من منهم يود التوكل عنه فرفض الجميع، فرفعت الجلسة نحو الرابعة وعشر دقائق "لبتّ هذا الامر الطارئ". وفي الخامسة إلا ربعاً استؤنفت الجلسة، وسأل الرئىس حنين الحايك: "هل تصرّ على وكالة المغربي؟"، أجاب: "نعم اصرّ على هذا الامر وإذا اردتم توكيل محامٍ آخر فأنا ارفض ذلك. انا في المحكمة السورية دافعت عن نفسي وحدي". ورداً على قول المحكمة ان "هناك اصولاً" قال الحايك: "اعتقد ان اقوالي هي التي تدافع عني وسيادتكم لن تظلموني"، فعلّقت الرئاسة: "الهدف من تكليف محام السماع فقط الى تلاوة الاوراق". وطلبت النيابة العامة من الحايك جواباً وافياً اذا بقي مصرّاً على التوكيل ام لا. إلاّ ان وكيل جعجع ادمون نعيم تمنى على المحكمة الطلب من المغربي الحضور: "فهو موجود في الخارج لسماع رأيه". فردّت الرئاسة: "لا. اذا احبّ الحضور اهلاً وسهلاً واذا لا يحب، مثل ما بدو". وتمنى محامي الادعاء الشخصي بسام عشير الداية "ألاّ يكون انسحاب المغربي سبباً لإعاقة المحاكمة"، داعياً الى "السير فيها واستجواب المتهم، إذ ان هناك اجتهاداً سابقاً من المجلس العدلي لمثل هذا الطارئ وقرر السير في المحاكمة". فطلبت النيابة العامة من المجلس ان تسير المحاكمة اذا اصرّ الحايك على التمسك بوكيله، واستجوابه حتى من دون حضور المغربي. كذلك طلبت تسطير كتاب الى نقابة المحامين لاعلامها بما نتج عن تصرف المغربي. وتمنى وكيل جعجع النقيب عصام كرم ألا تراجع نقابة المحامين في هذا الشأن "اذ لا تقصير من المحامي فكل ما في الامر ان الزميل المغربي انسحب وبطّل الرائد الحايك ممثلاً بحسب الاصول"، آملاً في اعطاء المحامي فرصة لدرس ملفه "ويأتيكم بالمرافعة". بعدها تلا الرئيس حنين قراراً وفيه: "بما ان المتهم الحايك يصرّ على استمرار المغربي التوكيل عنه ولا يرغب في توكيل محام آخر بديل، وبما ان انسحاب المغربي من الجلسة من دون مبرر قانوني لا ينفي استمرار وكالته، وبما ان انسحاب المحامي لا يجوز ان يعطل جلسات المجلس العدلي ويعرقل سير العدالة المتعلق بالانتظام العام، لذلك نقرر الاستمرار في تلاوة الاوراق". وهكذا كان. والتقت "الحياة" المحامي المغربي جالساً القرفصاء على درج في رواق المجلس واستوضحته ما حصل، فاعتبر "ان المحاكمة لم تبدأ بعد، ونحن نريد ان نتقدم بدفوعنا الشكلية. اما الاستمرار في تلاوة الاوراق من دون الاطلاع على الملف ودرسه فهذا يعني ان وجودي داخل الجلسة بمثابة شاهد زور. فأنا لست موظفاً في المحكمة". وهنا قطع كلامه بعدما انضمت والدة الحايك الينا، فطلب منها اعادة الاوراق الى المحكمة والقول: "انا لا صفة لي اطلاقاً لأن اتسلم الاوراق في ظل وجود محام عنه". واشار المغربي الى ان موكله حكم في سورية وأطلق بعفو رئاسي، "فلماذا محاكمته الان هنا ولماذا لم يأتوا بملفه من سورية للاطلاع عليه؟". ورفض العودة الى متابعة الجلسة "قبل تأمين حقوق الدفاع". وأصرّ على "طلب الملف من سورية". وقال "ان رئيس القلم طلب منه تأمين مليون ليرة للاتيان بالملف من سورية ودفع الرسوم والتكاليف". فردّ عليه انه طلب معونة قضائية لذلك، ليس في امكان موكله تأمين هذا المبلغ، فهو جاء من سورية "مخروب بيته بعد اربع سنوات سجناً وليس معه ان يأكل فمن اين يأتي بهذا المبلغ؟".