كلنا يعرف ان بنيامين نتانياهو يكذب. أسألوا عن كذبه الرئيس حسني مبارك أو الملك حسين أو الرئيس ياسر عرفات. في الأيام الأخيرة تفوق نتانياهو على نفسه كذباً، فهو كذب من طرفي فمه في وقت واحد… كذب في موضوع السلام وكذب في موضوع الانسحاب من لبنان. وكذب نتانياهو من نوع خاص، فهو عنصري فوقي يحتقر سامعيه، وهكذا سمعنا نتانياهو في بدء جولته الأوروبية في اسبانيا يصرح بأن الأوروبيين لا يعرفون الشرق الأوسط، مع ما لهم من علاقة تاريخية به واتصال يومي. فاذا كان الأوروبيون لا يعرفون الشرق الأوسط، فهل يعرفه لوبي ليكود في واشنطن، أو الجمهوريون من خدام التوراة في الولايات المتحدة؟ ووصل رئيس وزراء اسرائيل الى أوسلو، حيث ولدت اتفاقات السلام، وقال ان وجوده في أوسلو يثبت انه يريد السلام. كيف هذا؟ لا أحد يعرف، ولكن "يديعوت اخرونوت" قدمت جواباً كافياً فمراسلها شيمون شيفر قال ان نتانياهو وضع وهو في الطائرة خطة من أربع مراحل لتحقيق سلام نهائي مع الفلسطينيين. الا ان المراسل أضاف في الخبر نفسه "ان مساعدي نتانياهو كانوا يتهاذرون في نهاية الأسبوع ويقولون ان الهدف من زيارة أوسلو هو اعادة الاتفاقات الى المكان الذي طلعت منه، أي لترتيب دفن رسمي للاتفاقات". وكذب نتانياهو في جولته الأوروبية حتى أخرج الأميركيين من جلودهم، ودعا مرافقون لوزيرة الخارجية الأميركية السيدة مادلين أولبرايت نتانياهو صراحة ان يكف عن تضييع الوقت، وتنفيذ المرحلة الثانية من الانسحابات. ورد مساعدون لرئيس الوزراء الاسرائىلي انه يريد تنفيذ الاتفاقات ولكنه يصر، حسب قول "معاريف" على "معاملة بالمثل من الفلسطينيين"، ما قد يعني في قاموس كذب نتانياهو ان ينسحبوا من غزة مقابل أي انسحاب اسرائيلي قادم من الضفة. ولكن نتانياهو ليس مستوطناً من بروكلن، بكل ما يحمل المستوطن من خرافات دينية وأحقاد، اذا لم يكذب من طرفي فمه في وقت واحد، فهو كان يكذب من طرف على الفلسطينيين ويكذب من الطرف الآخر على اللبنانيين. وأعود بالقراء الى 26 من الشهر الماضي فقد نشرت "معاريف" نقلاً عن ضباط اسرائيليين في قيادة الشمال ان تغيير الجيش الاسرائيلي أساليب القتال في الشريط الحدودي أسفر عن نجاحات له ضد المقاومة اللبنانية، ولم تمض أيام حتى قتل ثلاثة جنود اسرائيليين في هجوم للمقاومة، ثم قتل جندي في الموقع نفسه، وتعرض الاسرائيليون وجيش لبنانالجنوبي لهجمات متتالية، فعادت الحكومة الاسرائيلية الى الحديث عن الانسحاب من جنوبلبنان. وأمامي الآن مقتطفات ذات علاقة من الصحف الاسرائيلية لا أستطيع حصرها، الا انها موجودة للقارئ الراغب، بدأت بالقول ان الجانب اللبناني أبدى اهتماماً، وان ثمة اتصالات سرية في عواصم غربية، يقصد بها باريس، مع ممثلين للرئيس اللبناني، ثم أكملت زاعمة ان الحماسة اللبنانية للتفاوض على انسحاب اسرائيلي فترت بعد تدخل السوريين واصرارهم على عدم فصل المسارين اللبناني والسوري، وعادت أمس، حسب "يديعوت اخرونوت" لتقول "خلافاً للتصريحات العامة التي تظهر معارضة لبنان الحازمة لترتيب منفصل مع اسرائيل، فإن مصادر رفيعة في الحكومة اللبنانية نقلت استعداد الحكومة هذه للتفاوض… على انسحاب اسرائيلي من جنوبلبنان بموجب القرار الدولي رقم 425". الواقع ان هذا كان الموقف اللبناني من يومه الأول، والجانب اللبناني دعا فعلاً الى الانسحاب بموجب القرار 425، وهو نص على انسحاب غير مشروط، الا ان لبنان الذي لم يحارب اسرائيل يوماً، وبالتالي لم يخسر حرباً معها، يرتبط مع اسرائيل باتفاقات الهدنة لسنة 1949، وهذه تنص على ضمان أمن الحدود. أهم من كل هذا ان الاسرائيليين احتلوا الشريط الحدودي لضمان أمنهم، وأطلقوا عليه اسم "الشريط الأمني"، الا ان من الواضح ان هذا الشريط لم يضمن لهم أمنهم يوماً، لذلك فالانسحاب منه يفيدهم، لأنهم مع وجودهم فيه متهمون عالمياً بأنهم يحتلون أراضي في بلد مستقل ذي سيادة، ولكن لو انسحبوا ووقعت عمليات ضد شمال اسرائيل، فهم يستطيعون الرد بالعنف الذي يختارون، من دون ان تتصدى لهم الأسرة الدولية لأنهم سيكونون في موقع الدفاع عن أنفسهم. وبكلام آخر، فالشريط "الأمني" لم يوفر الأمن باعتراف اسرائيل، فلماذا لا تنسحب، وتصبح في وضع المعتدى عليه مع كل عملية مسلحة، بدل ان تواجه هذه العمليات وهي تحتل أرض بلد آخر فتبدو معتدية كل مرة؟ طبعاً الحكومة الاسرائيلية لا تحاول علاج مشكلتها بالمنطق، بل بالكذب على الجانب اللبناني، ثم بالطلب من الفرنسيين التوسط من دون ان يقدموا لهم شيئاً محدداً تدور الوساطة عليه. لذلك نقلت "معاريف" أمس عن مصادر في وزارة الخارجية الفرنسية قولها ان اسرائيل "لم تقدم بعد أي اقتراح عملي". ونتانياهو لا يقترح شيئاً عملياً، على اللبنانيين أو الفلسطينيين، وانما يكذب من طرفي فمه في آن. لذلك سمعت في جلسات خاصة آراء مشابهة من ثلاثة قادة عرب معنيين بمفاوضات السلام، فواحد قال لي انه اجتمع مع نتانياهو أربع مرات وكذب عليه نتانياهو أربع مرات، وواحد قال لي ان نتانياهو "حيوان"، وواحد قال لي ان نتانياهو يكذب كما يتنفس. وهو كذب هذه المرة حتى ضاق الأميركيون انفسهم والفرنسيون ذرعاً بكذبه.