أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد أن التوجه العراقي الجديد الى دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً السعودية والكويت من شأنه أن يُعجل بتحقيق المصالحة وإنهاء حال الخصام العربي، لكنه دعا العراق الى اتخاذ مزيد من الإجراءات لبناء الثقة. وكشف أن ما أعلنه نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز في شأن الانفتاح على السعودية والكويت، جاء استجابة لرسالة بعث بها الى المسؤول العراقي دعاه الى استغلال الفرصة الحالية لتحقيق مصالحة عراقية - خليجية. وروى عبدالمجيد في حواره مع "الحياة" تفاصيل زيارته للعراق، واتصاله بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وكيفية استجابة الرئيس العراقي لطلبه الإفراج عن المعتقلين العرب في السجون العراقية. ونفى في شدة وجود تحفظات عربية عن مهمته في بغداد، معرباً عن استعداده للقيام بجولة عربية للإعداد لقمة في حال تكليفه بذلك. واعتبر أن الرابح في الاتفاق الذي وقعه أنان في بغداد هو السلام والاستقرار في المنطقة. وفي ما يأتي نص الحوار: هل لكم أن تطلعونا على ما دار خلال زيارتكم لبغداد؟ - زيارتي لبغداد قمت بها بتكليف من الرئيس حسني مبارك باعتباره رئيساً للقمة، بعد تشاوره مع رؤساء الدول العربية، وكانت المهمة تهدف الى ابلاغ العراق نبض الأمة العربية واحساسها وشعورها تجاه المخاطر التي يمر بها العراق والمنطقة. والرحلة بدأت يوم 4 شباط فبراير واستمرت حتى يوم السادس منه. والتقيت الرئيس العراقي صدام حسين غداة وصولي فيما التقيت عدداً من المسؤولين العراقيين والمبعوثين الروسي والفرنسي اللذين كانا موجودين في بغداد وتم البحث في مجموعة من الاقتراحات لحل المشكلة الخلافية الرئيسية على تفتيش المواقع الرئاسية العراقية الثمانية ومدتها. ومن بين الأفكار التي تم تداولها فكرة فرنسية تقضي بتشكيل جهة أخرى للعمل الى جانب اللجنة الدولية المكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية "أونسكوم" تكون لها الحرية والاستقلال في عملها بعيداً عن مهمة المفتشين. واستهدف الطرح الفرنسي الحفاظ على وحدة الموقف في مجلس الأمن. ولمست خلال لقاءاتي المسؤولين العراقيين استعداداً للتفاهم وإيجاد حل، وليس التشدد والرفض. وكان هناك تقدير للمخاطر القائمة وحرص على سيادة العراق وكرامته. ولاحظت بارتياح أن الجزء الخاص بسيادة العراق تم تضمينه في الاتفاق الذي وقعه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ونائب رئيس الوزراء العراقي السيد طارق عزيز استناداً الى قرارات مجلس الأمن الدولي التي تحدثت عن احترام سيادة العراقوالكويت. الزيارة في ذاتها كانت تعبيراً عن وجهة نظر القمة العربية ورسالة الى العالم مفادها أن الدول العربية تتمسك بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ورفض العمل العسكري وتأكيد ضرورة تسوية الخلاف بالوسائل السلمية وهو ما تضمنه الاتفاق الذي وقعه أنان في بغداد. تحدثت عن اتصالات مع الأمين العام للأمم المتحدة. فهل يمكنكم كشف تفاصيل ما دار خلالها؟ - تربطني بأنان علاقة صداقة منذ فترة عملي في الأممالمتحدة مندوباً دائما لمصر قبيل أن أتولى وزارة الخارجية. وتلقيت اتصالاً من الأمين العام للأمم المتحدة فور عودتي من بغداد واقترحت عليه السفر الى العراق. لكن أنان كان متخوفاً من أن تكلل مهمته بالفشل على غرار التجربة التي خاضها الامين العام السابق للمنظمة الدولية خافيير بيريز دو كويلار لكني قلت له إن الظروف اختلفت. ونجح أنان في مهمته الى بغداد والطريقة التي أدار بها المفاوضات كانت محل تقدير والدليل على ذلك كان الاتفاق التي تم التوصل إليه وحظي بتأييد المجتمع الدولي. لكن أنان عندما تحدث إليكم لم يكن يخاطب صديقاً قديماً بل الأمين العام للجامعة العربية.. فهل كان يهدف الى شيء معين؟ - لا اختلف على ذلك، فالاتصال الذي جرى بين الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة جاء متجاوزاً الرسميات لسبب علاقة الصداقة. وهدف الى معرفة الموقف العربي من الأزمة العراقية. وأكدت له رفض الدول العربية للعمل العسكري وعرضت نتائج زيارتي لبغداد. هل كانت زيارتكم لبغداد بداية للحل السياسي للأزمة العراقية في بلورة موقف عربي موحد؟ - مبادرة رئيس القمة العربية كانت بهدف إبلاغ المسؤولين العراقيين رسالة واضحة، تطالبهم تفويت الفرصة على ضرب العراق واحترام قرارات مجلس الأمن الدولي. وماذا عن التحفظات العربية عن سفركم الى بغداد؟ - لم يحدث ذلك والجميع من دون استثناء أيدوا مهمتي الى بغداد بما في ذلك الكويت. كيف تم الإفراج عن السجناء العرب؟ - بدأت حديثي مع الرئيس العراقي بمبادرة شخصية مني وتناولت موضوع الأسرى الكويتيين باعتبارها أحد المواضيع التي قامت الجامعة بدور فيها منذ 1993 حيث أوفدت مبعوثين الى العراق هما السفيران الرشيد إدريس وعبدالله آدم في مسعى الى حل هذا الموضوع الإنساني وإزالة إحدى العقبات التي تقف أمام تنقية الأجواء بين الكويتوالعراق وبهدف دعم عملية المصالحة العربية وفقاً للمبادرة التي تقدمت بها في آذار مارس 1993. لكن الرئيس العراقي قال: "السجناء"، وأمر بالإفراج عن كل السجناء العرب وهي خطوة نثمنها، ونقدرها. إذا كان العراق وافق على طريقة عمل المفتشين الدوليين فلماذا لا يتم طرح مشروع من الجامعة يقضي بتشكيل وفد يقوم بزيارة السجون العراقية لإغلاق هذا الملف؟ - الجانب العراقي لن يمانع في استقبال مثل هذا الوفد وهذه الفكرة غير مقبولة من الجانب الكويتي الذي يطالب العراق تقديم المعلومات اللازمة بخصوص الأسرى والمفقودين الذين تم تسليم ملفاتهم الى العراق عبر الصليب الأحمر الدولي. هل ترى إمكان أن يكلفكم رئيس القمة بمهمة ثانية الى بغداد للعمل على اصلاح الخلل العربي؟ - أي تكليف جديد هو قرار تملكه القمة العربية، ولدينا استعداد كامل للتحرك للعمل على تنقية الأجواء العربية التي تحتاج الى وقت لتهدئة النفوس وإزالة المرارة الشديدة ونخطئ كثيراً إذا تصورنا أن الاحتلال العراقي للكويت لم يترك تداعيات ... لكن الوضع الحالي أفضل مما كان عليه ... ويجب علينا أن نسعى الى تنقية الأجواء العربية. هل هناك تغيير واضح في الموقف العراقي؟ وما هي أهم ملامحه؟ - ما ذكره نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز عن رغبة العراق في الانفتاح على السعودية والكويت تعد بداية للبحث في المسائل الخلافية. ما ذكره عزيز يجب التوقف عنده واستغلاله كأساس للتحرك. والتحرك العراقي جاء في اعقاب رسالة بعثت بها الى عزيز منذ أيام طالبته بتحرك عراقي واستغلال الظروف المؤاتية لتناول المشكلات الخلافية مع الدول العربية التي تضررت من الاحتلال العراقي في 1990 والبحث عن علاج لهذه المشكلات مثل الأسرى والتعويضات وغيرها. ما هو مضمون رسالتكم الى طارق عزيز؟ - ركزت فيها على نقطتين اساسيتين هما اتخاذ إجراءات لبناء الثقة والدخول في المواضيع الحساسة التي تحتاج الى بحث. هل وارد أن تقوموا بجولة عربية في الوقت الراهن؟ - إذا كان هناك ما يستدعي فسأقوم بهذه الجولة ... ونحن مقبلون على اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية في 23 آذار مارس الجاري وسيتم البحث في كل المواضيع التي تهم المنطقة العربية. في ضوء تقويمكم لاتفاق بغداد من هو الرابح ومن الخاسر من هذا الاتفاق؟ - الرابح هو عملية السلام والاستقرار في المنطقة. وأصف هذا الاتفاق بأنه متوازن، وليس هناك غالب ولا مغلوب. الاتفاق في ذاته لم يكن عملية سهلة في ضوء المواقف المختلفة حيث كانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في جانب والأممالمتحدة في جانب آخر، والدول العربية كلها في جانب العراق. وما يمكن الحديث عنه هو الدروس المستفادة من هذه الأزمة التي يمكن البناء عليها. ومن بين هذه الدروس أن الطرفين، سواء أميركا وبريطانيا أو العراق ارتكبا أخطاء أدت الى الأزمة الأخيرة وأدى حل الأزمة الى الشعور بارتياح، أما الدرس الثاني فهو ما عبر عنه الرأي العام العربي والدولي والتحرك الذي قام به والمعارضة الشديدة لضرب العراق حتى في الولاياتالمتحدة نفسها. هل يمكن استثمار الرأي العام الدولي والعربي الذي ساند العراق في الضغط على إسرائيل لاخضاعها للتفتيش على اسلحة الدمار الشامل؟ - واشنطن تمارس سياسة الكيل بمكيالين والمواطن العربي يشعر بهذه السياسة. واللافت أن الانتقادات لهذه السياسة خرجت عن نطاق الغرف المغلقة الى العلن، وهناك رغبة من الرأي العام الدولي لوقف الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير وأن إسرائيل ليست دولة فوق القانون. أما النقطة الثانية فهي مسيرة السلام في الشرق الأوسط التي وصلت الى وضع خطير لا يمكن السكوت عنه وأن استمرارها على هذا النحو لن يؤدي الى استقرار المنطقة وهناك حاجة الى بذل مزيد من الجهد الدولي والعربي لإعادة الاستقرار الى المنطقة. وأشعر بثقة واعتزاز بالرد العربي على الأزمة العراقية، وهو أفضل رد على كل من شكك في قدرات الأمة العربية. والأزمات التي مرت علينا خير شاهد على ذلك. أزمة العراق كانت اختباراً حقيقياً للأمة العربية. فعلى الرغم من الانتقادات العربية للعراق بعد العدوان في 1990 لكن المسألة عندما طالت كياناً وشعباً وأمة مهددة التف العالم العربي والغربي لنصرة الشعب العراقي. رسائل ما هي الرسالة التي يمكن توجيهها الى العراق؟ - أقول لهم إن ما ذكره طارق عزيز عن الانفتاح على السعودية والكويت يتطلب المزيد. والعراق مطلوب منه اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه بعد احتلالكم للكويت في 1990 وتتحملون مسؤولية التحرك وإثبات حسن النيات للعالم العربي والمجتمع الدولي ورسالتي هذه لا تتضمن إساءة أو إهانة. ورسالة الكويت؟ - أقول لهم يجب أن تنظروا الى المستقبل وألا نعيش على الماضي وليس معنى حديثي عفا الله عما سلف، لكن علينا النظر الى المستقبل وحان الوقت لإصلاح الاضرار التي سببها العدوان سواء من الناحية الانسانية أو العدالة وعلينا أن نفكر في المصالحة على أساس المصارحة. وإلى الإدارة الأميركية؟ - نطالبكم بفتح حوار أميركي - عربي وأن تتفهم الإدارة الأميركية الرأي العام العربي. ولعل الخطاب الذي وجهه الرئيس بيل كلينتون الى العالم العربي كان مؤشراً لإدراك الإدارة الأميركية ودائرة صنع القرار بأهمية الرأي العام العربي. الحوار المطلوب يجب أن يكون على أعلى المستويات بعد النجاح الذي حققه اللقاء الفكري الذي عقد في الجامعة بترتيب مع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي منذ أكثر من عام وشارك فيه السيناتور وليام كوهين وزير الدفاع الحالي. ويجب أن يتناول المصالح الاميركية والعربية وليس هناك تعارض بين مصالح الجانبين ما دامت الإدارة الأميركية تحترم الحقوق العربية. ومؤتمر مدريد للسلام شاهد على ذلك فقد جاء بمبادرة أميركية وحضرته الدول العربية وتم خلاله التوصل الى اتفاق على أسس العملية السلمية وبضمانات اميركية وعلى رأسها مبدأ الأرض في مقابل السلام. أقول للأميركيين إن العرب متفتحو الذهن والقلب. ندعوكم الى حوار جاد يخدم المصالح المشتركة ويحقق العدالة. ما تقديركم للمدى الزمني لتحقيق المصالحة العربية؟ - كلما تم التسريع من كل الاطراف خصوصا العراق فإن ذلك من شأنه أن يؤدي الى المصالحة، واتجاه العراق الانفتاح على السعودية والكويت خطوة مهمة. إنها تحدث للمرة الأولى منذ الغزو وتأتي على لسان نائب رئيس الوزراء العراقي، لكن هناك ضرورة أن تتبعها خطوات أخرى. هل ترى بعد زيارتكم للعراق أن عودته باتت وشيكة؟ - طبعاً. هل يمكن أن يشارك العراق في قمة عربية مقبلة؟ - مسألة ممكنة لكن المطلوب من العراق اتخاذ خطوات نحو تنقية الاجواء ولم الشمل. فالعراق هو جزء من الأمة العربية، ولا يمكن ان ننكر ذلك والموقف العربي معه على مستوى القيادات والشعوب دليل آخر على أن العراق جزء عضوي في الجسد العربي، لا يمكن بأي حال انفصاله. وماذا عن ترتيب لقاء بين وزيري الخارجية العراقيوالكويتي تحت مظلة الجامعة وبرعايتها؟ - ليس هذا هو التوقيت المناسب لعقد اجتماع ثنائي. لكنهما يشاركان في اجتماعات وزراء الخارجية العرب ولا يمكن عقد مثل هذا الاجتماع لأن الجرح الكويتي لم يندمل. وهم الكويتيون الذين تعرضوا لأضرار ودفعوا ثمن الغزو. والكويت ستحتاج الى جهد أكبر للمصالحة مع العراق. كيف ترى مستقبل الجامعة؟ - الجامعة العربية ستبقى وقادرة على مواجهة التحديات. وهناك انتقادات شديدة لكنها لا تؤثر على خطواتنا. والجامعة واجهت أزمات لكنها استطاعت تجاوزها والشرق أوسطية التي كان تهدف الى القضاء على الجامعة توارت وظلت الجامعة بهويتها وثقافتها. لكن الأمين العام لا يملك عصا سحرية لتحريك الأمور، والأمر منوط بالملوك والرؤساء والأمراء العرب. ويكفي أن اقول إن السلطات التي خولها ميثاق الجامعة لأمينها العام أقل بكثير من الممنوحة للأمين العام للامم المتحدة. ألا ترى أن فاتورة الوجود العسكري في الخليج يمكن أن تكون عاملاً مشجعاً للمصالحة مع العراق؟ - التكاليف خطيرة لكنها أهون من التعرض للغزو ومصيبة أهون من الأخرى والاثنتان تشكلان كارثة على الأمة العربية.