ليست الصدفة وحدها هي التي جمعت موقفين متشابهين الى حد التطابق في السياسات الخارجية للادارة الاميركية الحالية تجاه العالم العربي، الأول تجاه فلسطين والثاني تجاه العراق. ففي الوقت الذي رفضت فيه ممارسة اية ضغوط حقيقية على الطرف الاسرائيلي لالزامه تنفيذ جزء من بنود الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية متذرعة بأن دورها يقتصر على الوساطة بين الطرفين وليس اتخاذ القرارات عنهما، فإنها بدأت بالتجهيز لحملة عسكرية ضد العراق بحجة عدم التزامه قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالتفتيش على الاسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية. ففي الحالتين تقدم الادارة الاميركية خدمة كبيرة لاسرائيل وتستجيب لمطالب اللوبي اليهودي المتطرف في الكونغرس على حساب مطالب الطرفين الآخرين، الفلسطينيينوالعراق. وهذه المطالب متشابهة الى حد كبير، اذ انها مطالب سيادية: الأولى لم تحصل بعد، والثانية منتهكة ومستباحة من فرق التفتيش الدولية بشكل غير مسبوق. كما ان الطرفين الفلسطينيوالعراقي قدما تنازلات جوهرية ومهمة في سبيل تخفيف الحصار المفروض عليهما، لكنهما يواجهان في مقابل ذلك تجاهل وتعنت الطرفين الاسرائيلي والاميركي. وفي الحالتين ايضاً تنفرد الادارة الاميركية بالتعامل مع الازمة من خلال تهميش دور مجلس الأمن وأوروبا وروسيا محاولة ان ترسخ هيمنتها على العالم كقطب اوحد، وجعل الدول المنافسة في حال تبعية او عدم السماح لها بممارسة دور فاعل خارج اطار الدور الاميركي. ومن التناقضات الغريبة ان الادارة الاميركية تسعى الى شن حرب على العراق بحجة عدم انصياعه الكامل لقرارات دولية، في الوقت الذي تنحاز فيه للطرف الاسرائيلي الذي يرفض تطبيق القرارات الدولية جهاراً نهاراً، الامر الذي يفضح الازدواجية في التعامل مع العرب والدولة العبرية، ويعزز الاعتقاد السائد في العالم العربي ان الادارة الاميركية غالباً ما تقف ضد مصالح الطرف العربي، خصوصاً اذا تعارضت مع مصالح الطرف الاسرائيلي! ولا شك ان الموقف الاميركي على الرغم من تناقضاته الصارخة في التعامل مع القرارات الدولية ومصلحته التي تصب في خانة الدولة العبرية، يأخذ بعين الاعتبار امنه القومي ومصالحه الاقليمية في المنطقة والتي يرى ان استمرار التفوق الاسرائيلي الاستراتيجي على الدول العربية يحققها. اضف الى ذلك ان الاعلام الذي يتغذى من سياسة هذه الدولة العظمى يحاول التركيز على اخطاء جسيمة تقع فيها الاطراف العربية، لتبرير الموقف الاميركي، ففي الحالة العراقية كان الخطأ هو الاعتداء على دولة عربية شقيقة وإعطاء المبرر لضرب العراق ومنعه من استمرار التسلح بالتكنولوجيا العسكرية التي قد تشكل تهديداً مستقبلياً لمصالح اميركا في المنطقة. وفي الحالة الفلسطينية، كان الخطأ موافقة السلطة الفلسطينية على اتفاق اوسلو في أسوأ المراحل بالنسبة الى الأمة العربية التي لم تلعق جراح الهزيمة بعد حرب الخليج الثانية، جاعلة المبادرة بيد الطرف الاسرائيلي، وواضعة الأمن الاسرائيلي فوق كل اعتبار ومفسحة المجال لاستكمال الهيمنة الاميركية على المنطقة من خلال انهاء العداوة بين العرب واسرائيل وجعل حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة قابلة للتفاوض والتحاور مع تأجيلها الى ما يسمى بپ"الحل النهائي". ولأن النتائج المدمرة التي افضت اليها حرب الخليج الثانية لم تتغير، فإن الموقف الاميركي السلبي مرشح للاستمرار تجاه القضايا العربية طالما لم يشعر ان مصالحه الحقيقية لا تقتصر على تحالفه مع الطرف الاسرائيلي، وطالما لم يقتنع ان مصالحه مع العالم العربي ستتعرض للاهتزاز والتراجع اذا لم يقلل من غلواء انحيازه للطرف الاسرائيلي. وما حصل من مقاطعة الدول العربية الوازنة والمؤثرة السعودية - مصر - سورية لقمة الدوحة، ومشاركتها في قمة طهران، وما تبع ذلك من عدم قيام الادارة الاميركية بتوجيه ضربة عسكرية للعراق بسبب معارضة هذه الدول، جنباً الى جنب نجاح الديبلوماسية الروسية في تفكيك عناصر الازمة، يؤكد على ان التأثير في الدور الاميركي لجهة إيلاء الانتباه للمصالح العربية وممارسة ضغوط فاعلة على الدولة العبرية هو امر ممكن، لكنه يحتاج الى الارادة والفعل المؤثر ومراكمة المواقف الصلبة حتى لو كانت دون مستوى الطموح والآمال.