بلغت الوقاحة بالاسرائيليين انهم لم يعودوا يخفون هيمنتهم على مقدرات الولاياتالمتحدة وقدرتهم على لوي ذراع اي رئيس مهما كان حجمه اذا تجرأ وانتقد الموقف المتعنّت او طالب، ولو برفق ولطف، بخطوة ما تراها اسرائيل غير متماشية مع مخططاتها التوسعية ومطامعها اللامتناهية. بل وصلت وقاحة الاعتراف الى درجة لا أدري كيف يتحملها الاميركيون شعباً وقيادات، باتهام الرئيس بيل كلينتون بإحاطة نفسه بمجموعة من اليهود اليساريين ومطالبته باستبدالهم بيمينيين ليكوديين يسيرون في ركاب حكومة نتانياهو المتطرفة ولا يرفضون لها طلباً ولا يتجرأون على مطالبة الرئيس بعدم دعوة رئيس وزرائهم المتعجرف للغداء والامتناع عن مقابلته لإفهامه بأنه عاتب عليه و"حردان" منه لأنه لم يسايره قليلاً. وانما وصلت الوقاحة درجة متقدمة تمثلت بالاعتراف بلعب دور في اثارة المشاكل والفضائح في وجه كلينتون والمساهمة في الحملة الموجهة ضده والتفاخر بأن نتانياهو الذي ذهب الى واشنطن وسط مخاوف من ضغوط عليه من قبل كلينتون وادارته عاد "منتصراً" منتشياً بما حققه حين تحول من "مضغوط عليه" الى "ضاغط"، وبتزامن زيارته مع انشغال الرئيس الاميركي بفضائحه مما ضاعف من شعبيته عند الاسرائيليين حسب الاحصاءات التي نشرتها وسائل الاعلام الصهيونية. وبدا نتانياهو وعتاة المتطرفين الليكوديين مزهوين بما حققوه من نجاح في مواجهة استحقاقات تنفيذ اتفاقات اوسلو والضغوط الاميركية تمهيداً لنعيها ودقّ آخر مسمار في نعشها مستغلين التطورات الاميركية والاستعدادات لانتخابات الكونغرس اضافة الى سيف الفضائح المسلّط على رأس كلينتون. وتحفل الصحف العبرية بتحليلات ومقالات تتبجح بنجاة اسرائيل من "فخ السلام"، فعلى سبيل المثال يقول جدعون سامت هآرتس: "ان البيت الابيض يحسب حساب اللوبي الموالي لاسرائيل بشكل جيد جداً خصوصاً ان الولاياتالمتحدة على ابواب انتخابات برلمانية للكونغرس في نهاية هذه السنة، ويوجد لدى كلينتون ما يكفيه من المصائب حتى يبحث عن الخصام مع اسرائيل". ويستشهد الكاتب بمقال لكاتب اميركي موالٍ لإسرائيل في "نيويورك تايمز" وليام سباير يؤكد فيه "ان نتانياهو سيستمر في رئاسة الحكومة الاسرائيلية حتى نهاية ولايته، وربما بعدها كذلك". في حين يجزم كاتب آخر هو بن كاسييت معاريف بأن الرئيس كلينتون غير قادر على الضغط على إسرائيل لأنه يحتاج الى اموال اليهود ودورهم في الحملة الانتخابية المقبلة. ويقول: "ان اليمين اليهودي في اميركا يشعر بالرضى واليمين في اسرائيل مسرور بنتائج الزيارة حيث تبددت كل المخاوف والضغوط ولم يبقَ من غبار الزيارة سوى ابتسامة نتانياهو العريضة". ويتحدث الكاتب بصراحة متناهية عن الضغوط التي مورست على كلينتون من قبل اللوبي الصهيوني قبل زيارة نتانياهو لواشنطن. ويشير الى انه في الخامس عشر من كانون الثاني يناير أي قبل اربعة ايام من اللقاء وصل الى البيت الابيض وفد خاص جداً يترأسه عضو بلدية نيويورك اليهودي اليميني الاصولي نوح دير عضو الحزب الديموقراطي ومعه مجموعة من النشطاء المثيرين للاهتمام من امثال يوجين عليك الذي يساعد جداً في شؤون يهودا والسامرة الضفة الغربيةالمحتلة ويُعتبر من المؤيدين الأشداء للاستيطان، حيث أسمعوا كلينتون صوت الوجه الآخر للعملة !! ونقلوا اليه الانتقادات ورفض الضغوط المتوقعة وادّعوا بأنه "محاط بمجموعة من اليساريين اليهود"! ولا حاجة لمزيد من الايضاحات والتفاصيل فالباقي معروف ومعلن ولم يعد هناك شيء مخفي في اللعبة القذرة. ومن لم يقتنع بعد ليعد الى نبوءة بنيامين فرانكلين قبل مئتي عام التي أشرت اليها في مقال الاثنين: "أقوى دولة… وأضعف رئيس"!
خلجة ودع الصبر محب ودعك ذائع من سرّه ما استودعك يقرع السن على ان لم يكن زاد في تلك الخطى اذا شيّعك يا أخا البدر سناء وسنا حفظ الله زماناً أطلعك ان يطل بعدك ليلي، فلكم بتّ أشكو قصر الليل معك؟