الرئيس الأميركي ال37 ريتشارد نيكسون، كان من أذكى من خلق الله من عباده. كان خطيباً موهوباً. سريع البديهة، لماحاً. ويقول المؤرخون الثقات الذين درسوا حياته أنه على رغم ذكائه الشديد، فإنه كان شريراً شكاكاً يعزو كل تصرف إلى من يعتبرهم أعداءه، وكانوا بالآلاف بحسب ما كان يتخيله من الأميركيين بجميع فئاتهم. احتفظ باحتياطي هائل من الكراهية والحقد، وكان يشك أحياناً ويجزم في أحيان أخرى أن جميع من كانوا يختلفون معه سياسياً كانوا يقضون جل أوقاتهم في حياكة المؤامرات ضده. ومع أنه ولد لأبوين من طائفة مسيحية بروتستانتية يؤمنون بالسلام وينبذون الحروب والخلافات، ويحضون على محبة جميع الناس أياً كان دينهم أو مذهبهم، فإنه لم يكن يثق بأحد. والذي يهمنا هنا أنه كان يكره اليهود – وليس الصهاينة فقط – كرهاً شديداً. وبما أنه كان ثعلباً مراوغاً لم يمنعه كرهه الشديد لليهود وأساتذة الجامعات عموماً، من تعيين أستاذ العلوم السياسية في هارفارد، اليهودي الصهيوني الدكتور هنري كيسنجر مستشاره لشؤون الأمن الوطني، ثم أول وزير خارجية يهودي في تاريخ أميركا. وحين واجه نيكسون فضيحة «ووترغيت» راوغ مرة أخرى ليكون أول رئيس أميركي يزور إسرائيل في 16/6/1974، أي قبيل تقديم استقالته، بعد أن وعده نائبه جيرالد فورد ب «العفو» عنه بعد أن يؤدي فورد القسم كما حدث. ولماذا زار نيكسون إسرائيل لا أي بلد آخر تربطه بأميركا روابط وثيقة ثقافية وتاريخية، بل ونسب وقربى كبريطانيا، وهو الذي يكره اليهود كما كان يعرف الجميع؟ السبب أن محنته الحقيقية التي أراد الخروج منها أميركية داخلية، وكان يعتقد بحق أو باطل أن اليهود كانوا وراءها، فحاول ملاطفتهم بزيارة إسرائيل. وبعد ذلك زار الرئيس كارتر إسرائيل، واليمين اليهودي في أميركا وفي إسرائيل كان ولا يزال يكره كارتر، ولم يزر إسرائيل لا الرئيس فورد ولا الرئيس ريغان، وزارها كلينتون، وكما هو متوقع زارها الرئيس بوش الابن لا والده. أما الرئيس باراك أوباما فكانت أول زيارة خارجية له في فترة رئاسته الأولى لمصر وللسعودية، وتجاهل متعمداً إسرائيل، ومع ذلك صوّت لصالحه في فترة رئاسته الثانية نحو 70 في المئة من أبناء الجالية اليهودية، مع أن نتانياهو وحلفاءه الليكوديين الأميركيين من مسيحيين متصهينين ويهود كانوا يحضون جميع الأميركيين على التصويت لرومني، بل إن نتانياهو «أنّبَ» أوباما علناً أمام وسائل الإعلام، ثم بذل كل جهد ممكن لهزيمة أوباما وانتصار رومني. وفي يوم الخميس 21/3/2013 كان أوباما في إسرائيل ورام الله، وبعد ذلك ألقى خطاباً في صالة ضخمة احتل معظم مقاعدها طلاب جامعيون إسرائيليون، وعلى رغم وجود نتانياهو بجانب أوباما وأركان الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة في المقاعد الأمامية، فقد أسمعهم أوباما ما يكرهون سماعه، وقال لهم ما يتعذر عليه قوله في داخل الكونغرس الأميركي. وأوباما لم يقل شيئاً مستنكراً في أي مكان في العالم باستثناء مبنى الكونغرس، لكنه قال الذي لم يجرؤ سياسي أميركي إسماعه لجمهور من الإسرائيليين. وملخص ما قاله إن الفلسطينيين شعب لا بد له من إقامة دولته في أرضه، ولا جدران الأسوار ولا الاسلاك الشائكة ستحمي الإسرائيليين، وإذا تأخر إيجاد دولة فلسطينية فالاحتلال والتهجير ومواقع الحجز واعتداءات المستوطنين ستضع إسرائيل بين خيارين، إما أن تكون دولة يهودية مستبدة، أو ديموقراطية لا تستهتر بحقوق الإنسان، وتعيش بسلام مع جيرانها. ثم تساءل مستنكراً: كيف يمكن أن يتعايش معكم بسلام أولاد الفلسطينيين الذين نشأوا في وطن محتل؟ بإيجاز، لا بديل لدولتين متجاورتين آمنتين، ولا بد لإسرائيل من إنهاء الاحتلال. والذي يجعل ما قاله أوباما مهماً أن زوار إسرائيل من السياسيين الأميركيين من قبل، وعلى المستويات كافة، ما كانوا يتجرأون حتى على نطق كلمة «فلسطين» أو «فلسطيني»، مع أن أوباما يدرك بالطبع أن غالبية الجالسين من أعضاء حكومة نتانياهو وغالبية اليمين الليكودي الأميركي والإسرائيلي لا يعترفون بوجود أي شيء اسمه فلسطين. ويخطئ من يظن أن أي رئيس أميركي، حتى لو بُعِث واشنطن وآدامز وجيفرسون أو لنكولن من قبورهم، قادر على إجبار الحكومة الإسرائيلية على السعي الحثيث الصادق لإقامة سلام دائم. إن قوة الرئيس الأميركي ليست مطلقة، والكونغرس يقيّده ويعوّقه، ولذلك وجه أوباما حديثه الى المواطنين اليهود الإسرائيليين والمعتدلين من اليهود الأميركيين (وغالبيتهم معتدلون) للضغط على حكومة إسرائيل وحلفائها في واشنطن. * أكاديمي سعودي