قال مفوض الشؤون المتوسطية في المفوضية الاوروبية مانويل مارين ان خطة الشراكة تعثرت في الاعوام الثلاثة الاولى بسبب تصلّب البلدان الاوروبية في مفاوضات الاتفاقات الثنائية، خصوصاً مع مصر، من جهة، وتعطل مسيرة السلام في الشرق الاوسط الذي قاد الى جمود الوضع الاقليمي، من جهة اخرى. وشدد في خطاب ألقاه أمام مؤتمر الاحزاب الاشتراكية الاوروبية في الذكرى الثلاثين لاعلان وثيقة برشلونة على وجوب تنفيذ اتفاق "واي ريفير" لان انسداد الافق مع اقتراب موعد انتهاء مفاوضات الوضع النهائي في ايار مايو 1999 سيضع خطة الشراكة في موقع حرج. ورأى مارين في حديث خاص الى "الحياة" ان المعونات التي رصدها الاتحاد الاوروبي لدول الجنوب 4.6 بليون ايكو للفترة 1995 - 199 تمثل عنصر دعم للاصلاحات الاقتصادية وان تجديد المبلغ نفسه، اذا تقرر، للسنوات الخمس المقبلة سيكون انجازاً كبيراً بسبب الضائقة المالية التي يجتازها الاتحاد، والنقاشات الصعبة التي تخوضها البلدان الاعضاء من اجل خفض الانفاق وتحديد سقف الموازنة المشتركة للفترة 2000 - 2006. وفي ما يأتي نص الحديث: تبدو متشائماً حيال ما تحقق على طريق الشراكة بعد ثلاثة اعوام من انطلاقها في مؤتمر برشلونة؟ - ما قصدته في كلمتي امام الاحزاب الاشتراكية الاوروبية هو لفت الانتباه الى الازمة الخطيرة التي دخلتها خطة الشراكة في الفترة الماضية جراء جمود عملية السلام. واعتقد اليوم ان الظروف الجديدة التي تولدت بعد توقيع اتفاق واي واستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي توفر فرصة لتفعيل برامج الشراكة، والتقدم نحو الاجتماع الوزاري الثالث الذي سيعقد في 14 و15 نيسان ابريل في شتوتغارت المانيا. ويمكننا اليوم تشخيص الاخطاء التي تم ارتكابها والصعوبات التي تواجهها برامج الشراكة، واعني هنا العراقيل الناجمة عن الهياكل البيروقراطية الاوروبية والحاجة الى تجاوزها. ويكتسب مؤتمر شتوتغارت حساسية بالغة بالنسبة لخطة الشراكة او عملية السلام، لأنه سيعقد قبل اسبوعين فقط من استحقاق الرابع من ايار 1999، موعد انتهاء مفاوضات الوضع النهائي بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. ألا ترى ان المعونات المالية التي رصدها الاتحاد للمساعدة في تصحيح اقتصادات دول الضفة الجنوبية تبدو اليوم محدودة مقارنة مع حاجات البلدان التي وقعت الاتفاقات الثنائية مثل تونس او المغرب؟ - يجب النظر الى خطة المعونات المالية بمثابة عنصر المساعدة والتشجيع من جانب الاتحاد الاوروبي. ويجري تنفيذ الخطة بشكل مرن وفق برامج الاصلاح وتقدم الدول المعنية نحو اقتصاد السوق. ولو افترضنا ان حجم المساعدات الاوروبية بلغ عشرة اضعافه اليوم فانه ربما اثار الشكوك حول نيات الاتحاد ويفتح ابواب الجدل امام تدخله السياسي في تسيير اقتصادات دول الضفة الجنوبية. واذا افترضنا ثانية انعدام خطة الشراكة وما تقتضيه من التزامات الاصلاح الاقتصادي فهل تتصور ان بلداً مثل تونس او المغرب سيتحفظ عن ادخال الاصلاحات الضرورية التي تفرضها التغيرات العالمية. لذلك، دعني اوضح مرة اخرى ان برنامج المساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد لفائدة الشركاء في جنوب شرق الحوض المتوسطي تمثل عنصر دعم وتشجيع، ولا اتوقع زيادتها في ظل الظروف المالية التي يجتازها الاتحاد، والحفاظ على مستواها الحالي سيكون انجازاً كبيراً في ظل النقاشات الداخلية الصعبة التي يخوضها الاتحاد لتحديد الموازنة المشتركة للفترة 2000 - 2006. يبدو ان المفاوضات الثنائية التي تجريها المفوضية مع كل من مصر ولبنان وسورية والجزائر تراوح مكانها منذ اكثر من عامين؟ - في ما يتعلق بالمفاوضات مع مصر فمن الصعب فهم موقف البلدان الاوروبية. وبذلت اقصى جهدي لتحسين توصية التفاوض، واعتقد ان الفارق الذي يفصلنا عن موقف الجانب المصري ضعيف للغاية في شأن تجارة المنتجات الزراعية . لذلك لا افهم اسباب تصلّب مواقف البلدان الاعضاء حيال كمية محدودة من الصادرات الزراعية المصرية. الا يعكس هذا الجمود تراجع حماسة الاوروبيين لخطة الشراكة؟ - لا. هذا التصلّب لا يتجسد في المفاوضات مع مصر فحسب بل نجد التشدد نفسه في المفاوضات مع البلدان الشرقية. وافسر هذا الجمود بانعدام الرؤية السياسية لدى الاتحاد الاوروبي منذ فترة. ويجب ان نواصل التحذير من عواقب الضبابية والقول اننا وضعنا سياسات طموحة وضرورية تخدم مصالحنا الاوروبية لان نمو دول الجنوب سيحصن حدودنا ضد حفظ تيارات الهجرة، وتعطيل الاتفاق مع مصر جراء بعض عشرات الاطنان من الحوامض والارز امر غير مقبول، في نظري. ما هو وضع مفاوضات الشراكة مع كل من لبنان وسورية؟ - في ما يتعلق بالمفاوضات مع لبنان ففي امكاننا انهاؤها في وقت قصير. لكن التأخر ناجم عن الجانب اللبناني، ربما لاسباب سياسية. اما المفاوضات مع سورية فانها انطلقت بشكل رسمي، وتقدمها سيكون بطيئاً بسبب خصوصيات الاقتصاد السوري. ولماذا تتأخر مفاوضات الشراكة مع الجزائر؟ - بذلنا جهوداً كبيرة حيال الجزائر من اجل انطلاق المفاوضات الرسمية لكننا لاحظنا ان السلطات الجزائرية قررت التقدم ببطء. وعاودت التأكيد على حاجتنا الى الاسراع في وتيرة مفاوضات الشراكة خلال الاجتماع الاخير بين الترويكا الاوروبية ووزير الخارجية الجزائري في فيينا، لكنني لاحظت بأن الظرف السياسي غير ملائم بالنسبة اليهم الجزائريين وهذا رأيهم ونحن نحترمه. مردود هذه الشراكة سيبقى منقوصاً في ظل غياب التعاون الاقليمي بين دول الجنوب؟ - اقترحنا في الاجتماع الاخير لوزراء الصناعة الاوروبيين توسيع آليات السوق الاوروبية الواحدة، في المستقبل، نحو دول الجنوب وذلك في نطاقي التمهيد لقيام المنطقة الاوروبية - المتوسطية للتبادل التجاري الحر. وعلى صعيد التعاون بين دول الجنوب، تجدر الاشارة الى المفاوضات الجارية بين بعض البلدان العربية حول ابرام اتفاقات للتبادل التجاري الحر. وتم توقيع بعضها مثلاً بين تونس ومصر. كما قدمت اقتراحات في نطاق سياسة دعم مسيرة السلام، تهدف انشاء نظام اقليمي لقواعد المنشأ، واعتقد ان تراكم قواعد شهادات المنشأ بين دول المنطقة يعزز تنافسية منتجاتها وقدراتها التصديرية ويساهم على الصعيد الافقي، في قيام منطقة التبادل التجاري الحر. ويقتضي تحرير تجارة المنتجات الصناعية على الصعيد الاقليمي توحيد الضوابط الفنية بين اسرائيل وجيرانها. ومن دون التعاون الافقي فان مردود الشراكة سيبقى محدوداً. كما لا يزال الوضع يشكو من نقص كبير حتى في المجالات الحيوية مثل الطاقة. اذ ان صادرات دول الضفة الجنوبية للحوض المتوسطي من منتجات النفط والغاز تغطي 27 في المئة من واردات الاتحاد الا ان مشكلة التعاون الاقليمي في هذا القطاع ستبقى قائمة من دون حل مشكلة استبعاد ليبيا من خطة الشراكة. يتكرر اللوم في اتجاه الاتحاد الاوروبي ولكن ألا تعتقد ان هناك تقصيراً من العرب في وضع تعاون اقليمي في ما بينهم؟ - أتحفظ عن القاء الدروس وانت تعرف اسباب تعطل التعاون الاقليمي في منطقة المغرب العربي او في المشرق. هناك مشاكل سياسية حساسة تتطلب المزيد من الصبر وأرفض من ناحيتي الخوض فيها في وسائل الاعلام، لكن الصراحة جارية في حواري مع الوزراء العرب. ما هي الافكار الرئيسية التي يجب ان تتركز حولها اعمال المؤتمر الثالث لدول الشراكة الاوروبية - المتوسطية في الربيع المقبل في شتوتغارت لوضع انطلاقة جديدة للخطة الاقليمية؟ - في الشق الثاني من الشراكة، ينبغي انهاء المفاوضات الثنائية مع مصر قبل موعد اجتماع شتوتغارت لانها تمثل بلداً رئيسياً في منطقة المشرق. وفي ما يتعلق بالاتفاق بين المفوضية ولبنان فان الفارق التفاوضي ضيّق للغاية واذا لم نتوصل الى نهاية الشوط في الربيع المقبل، فمردّ ذلك لأسباب سياسية تهمّ الجانب اللبناني. وهناك تفاهم مع سورية حول تقدم المفاوضات التي انطلقت بشكل رسمي ولكن وتيرتها ستبقى مرتبطة بقدر ما يتحقق من اصلاحات اقتصادية في هذا البلد. وعلى الصعيد السياسي، ننتظر اتضاح الموقف في شأن قضية "لوكربي"، واعتقد ان حل المشكلة القائمة سيكون امراً ايجابياً اذا حصل قبل موعد انعقاد مؤتمر شتوتغارت. اما العنصر الثالث والاكثر حساسية فيرتبط بتطور مسيرة السلام لأن مؤتمر شتوتغارت سينعقد قبل اسبوعين من موعد انتهاء مفاوضات الوضع النهائي. وفي حال انسدّ أفق السلام، مرة اخرى، فإنني أخشى ان تكون خطة الشراكة في موقع حرج للغاية