سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دعا "الجماعات الاسلامية" في الجزائر الى "التوبة في بيان واحد" ودافع عن غارودي : محمد سعيد البوطي : مئات "الاخوان" عادوا والمفاجآت بعد التقارب مع العراق
قال رئيس قسم العقائد والأديان في جامعة دمشق الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في حديث الى "الحياة" ان مشكلة "المجازفة" في اصدار فتوى "دون علم وتمحيص" تبرز أيضاً في موضوع الجزائر. وحمّل "الجماعات الاسلامية" مسؤولية المجازر التي حصلت أخيراً لأن هذه الجماعات "مدت غطاء كثيفاً يسر لفئات لااسلامية شتى ان تتسرب تحت هذا الغطاء وان تمارس هذه الجرائم والفظائع". لذلك فهو دعا "كل فئات" الجماعات الاسلامية الى اصدار "بيان واحد" يتضمن "البراءة" وعدم المسؤولية عما يجري كي "ينقشع الغطاء" الذي تمارس من تحته فئات اخرى "أعمالاً ارهابية". وبعدما نوه الشيخ البوطي بپ"الاشارات الايجابية" التي صدرت أخيراً عن الحكومة البريطانية، حذر من خلفياتها. وقال: "لا يحق لبريطانيا ولا لغيرها لا سيما تلك التي تعلن محاربتها الارهاب، ان تؤوي على أرضها من يمارسون الارهاب". وأشار الى "أزدواج وتناقض" آخرين في سياسة بعض الدول الأوروبية، تمثلا في محاكمة المفكر الفرنسي روجيه غارودي اذ ان محاكمته تبرز "بشكل شنيع الازدواجية" التي "يتورط فيها الغرب بأكمله تجاه العرب والمسلمين"، ذلك بعدما أشار الى دفاعهم عن الروائي البريطاني - الهندي سلمان رشدي تحت عنوان "حرية التعبير". وسئل الشيخ البوطي وهو أحد وجوه الحركة الاسلامية في العالم الاسلامي، عن نتائج الوساطة التي حصلت العام الماضي بين "الاخوان المسلمين" والحكومة السورية، فأجاب: "كنت أعتقد ولا أزال ان المسألة لا تحتاج الى أي وساطة أو محاولة"، ذلك ان عودة جماعة "الاخوان" الى سورية "لا تتطلب أكثر من ان يعبر هؤلاء الأخوة عن رغبتهم هذه في بيانات فردية بالنسبة للأفراد أو بيان جماعي بالنسبة للجماعة والقيادة". وبعدما أشار الى عودة "المئات" منهم توقع حصول "مفاجآت" تتعلق بدعم العراق لپ"الاخون" في ضوء التقارب السوري - العراقي. وهنا نص الحديث: هناك في مجتمعاتنا مشكلات كبرى وخطيرة كمشكلة العنف الذي يمارسه بعض الناس باسم الجهاد مثلاً في الجزائر وغيرها، الا ترى ان حلها يتوقف على مؤسسات علمية مؤلفة من كبار علماء المسلمين، بحيث يتصفون بالدقة العلمية والحيطة في التمحيص عند اصدار الفتاوى؟ - هذه المؤسسات أو المجامع موجودة بحمد الله عز وجل لكنها لا تغطي كامل الحاجة، كالمجمع الفقهي في جدة ومجمع البحوث في القاهرة. ولهذه المجامع مصداقيتها. ويمكن للمسلمين ان يطمئنوا اليها ولكن لا تتصور ان من الممكن ان يعتمد المسلمون جميعاً في قضاياهم الجزئية الكثيرة على هذه المجامع. لا الناس كلهم يستطيعون ان يعودوا اليها في حل مشكلاتهم الكثيرة ولا المجامع الفقهية تستطيع ان تلبي هذه الاحتياجات كلها. ان المسألة تحتاج الى عدد كبير من العلماء الذين يجعلون من مخافة الله المهيمنة على قلوبهم سبيلاً وحيداً بين أفواههم واسماع السائلين والمستفتين. القيت أخيراً محاضرتين احداهما في مركز اكسفورد، والأخرى في كلية SOAS في لندن، وكان لافتاً للنظر ان الحكومة البريطانية أبدت في هذه الفترة بعض الاشارات الايجابية تجاه المسلمين في شهر رمضان المبارك، ما تفسيرك لهذه الخطوات؟ - ينبغي ان نتقبل أي خطوة ايجابية من هذا القبيل تأتي من أي جهة من الناس وان يكون موقفنا من أصحاب هذه الخطوات موقفاً ايجابياً شاكراً، ولكن ينبغي ان لا ننسى ايضاً احتمال وجود عوامل سياسية أو مصلحية تكمن وراء هذه الخطوات. بريطانيا في الواقع خطت أكثر من خطوة على هذا الطريق. من ذلك انها يسرت افتتاح مدرستين اسلاميتين في لندن. وان كان الساعي الى ذلك هو المغني البريطاني السابق يوسف اسلام الذي ينهض اليوم بنشر الاسلام على أفضل نهج، وليت ان المسلمين الذين يتخاصمون في ما بينهم في تلك الربوع يتعلمون منه كيف يكون العمل لوجه الله والسعي لخدمة دينه وكيف يجب التركيز على المبادئ الجامعة طبق قانون سلم الأولويات. ومن ذلك ان بريطانيا أقامت حفلاً رسمياً لتهنئة المسلمين بعيد الفطر المبارك وان جاء الحفل متأخراً. وينبغي ان نستقبل هذه المواقف استقبالاً حسناً وان نتعامل معها بايجابية تامة، ولكن لا على طريقة من قد يخدع بهذه المظاهر، وانما على طريقة قول رسول الله: "لم يشكر الله من لم يشكر الناس". على اننا نؤثر دائماً حسن الظن، ونفترض ان فئة من الناس مهما شردت عن صراط الله عز وجل، فما أسرع ان يكرمها الله بلفتة سريعة الى الحق والرجوع اليه. هناك حكومات عربية مثل مصر والجزائر، تطالب لندن بابعاد بعض الاسلاميين الذين يتبنون العمل العسكري. ما رأيكم في ذلك؟ - من حيث المبدأ، وبغض النظر عن واقع التفاصيل والأشخاص فإن الحق في جانب الدول المطالبة، ووجهة نظرهم في هذا الطلب سليمة، غير ان تفصيل القول في ذلك يتوقف على معرفة هؤلاء الأشخاص الذين يطلب ابعادهم فربما كانوا محل اتهام جائر وربما كانت هناك ملابسات أخرى. هل تضم صوتك الى صوت هاتين الحكومتين اللتين تطالبان بريطانيا بابعاد أولئك الذين تورطوا في العمل العسكري وعدم حمايتها لهم؟ - من حيث المبدأ وبقطع النظر عن أولئك الأشخاص الذين لا أعرفهم، لا يحق لبريطانيا ولا لغيرها لا سيما تلك التي تعلن محاربتها الارهاب، ان تؤوي على أرضها من يمارسون الارهاب، ومن المؤسف ان هذا الازدواج المتناقض موجود. حصلت مجازر كثيرة كما تعلم في الجزائر في الفترة الأخيرة، وهناك من يلقي المسؤولية الكاملة على بعض المنظمات الاسلامية وهناك من يرى رأياً آخر، الى أي حد تعتقد ان الاسلاميين مسؤولون عن ذلك؟ - في اعتقادي ان مسؤولية الجماعات الاسلامية عن هذه المجازر التي تشير اليها، تنحصر في انها مدت غطاء كثيفاً يسر لفئات لااسلامية شتى ان تتسرب تحت هذا الغطاء وان تمارس هذه الجرائم والفظائع كل منها مدفوع بالدافع الذي يحركه ويتفق مع مذهبه وتطلعاته. اي ان هذه المجازر الوحشية انما بدأت بأعمال عسكرية قام بها الاسلاميون في الجزائر باسم الجهاد الاسلامي، ثم انها اتسعت وتنامت وكان طبيعياً ان تنتهزها فرصة ذهبية نادرة كل الفئات التي تضمر الشر وتسعى الى التخريب وتطرق أبواب الفتنة، من دون ان تمتد اليها أصابع الاتهام فضلاً عن ان تضبط بالجرم المشهود. اذن فإن الجماعات الاسلامية التي طاب لها قبل سنوات ان تمد هذا الغطاء، هي التي تتحمل مسؤولية هذه الذيول والنتائج الاجرامية الفظيعة التي ترتكب اليوم، والتي لا يشك عاقل في ان الاسلام والمسلمين بريئون منها. وهذا ما قد حذرت منه مراراً في محاضرات وكتابات. ما الذي تقترحه كعلاج للعودة عن هذا الخط؟ - لا سبيل الى ذلك الا ان تلتقي كل الفئات أو الجماعات التي تعمل في حقل الدعوة الاسلامية على مستوى العالم العربي كله، فتصدر بياناً واحداً تعلن فيه عن براءتها وبراءة الاسلام من هذه الفظائع الوحشية التي تقشعر لها الأبدان. عندئذ سينقشع هذا الغطاء، ويتمزق وتتعرى الجرائم التي تتحرك تحته وقد التصقت بأصحابها الذين لا شأن لهم بالاسلام ولسوف يختفون عندئذ ويغيبون عن الساحة كلها. في العودة الى ما حصل في لندن. مقابل ما يجري هناك، يجري في فرنسا شيء آخر. هناك يحاكم المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي، ما سبب محاكمته هل لأنه اسلم أم لأنه شكك في المحرقة اليهودية؟ - يحاكم غارودي بسبب كتابه "الخرافات المؤسسة للسياسة الاسرائيلية" والتهمة التي توجه اليه من خلال كتابه هذا هي اساءته الى السامية! لا ريب ان محاكمته هذه تبرز بشكل شنيع الازدواجية التي يتورط بها الغرب بأكمله، وقد برز للقاصي والداني كيف ان الغرب يكيل بمكيالين. عندما أخرج سلمان رشدي روايته "آيات شيطانية"، ورأى العالم كله في روايته تلك ركاماً من السباب والكلمات السوقية التي يترفع عنها حتى السوقة من الناس، موجهاً الى الاسلام ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، سرعان ما استقبل الغرب روايته بكل ما فيها من هذا الركام القذر بالاعجاب والقبول الحسن وأخذ يدافع عنها وعنه باسم الديموقراطية. ومع غارودي اذا بالغرب كله يستنكر هذه الحرية التي أحب ان يتمتع بها، ويضيق ذرعاً بالديموقراطية وينسى تقديسه لها. يصادر كتابه، ثم يزجه بسبب حريته هذه في محاكمة غريبة من نوعها. يحاكمه بتهمة انه قد مس قدسية السامية، عندما كشف عن حقائق واقعية تاريخية ينبغي ان لا تغيب عن بال أي مثقف. صحيح ان فرنسا هي التي تحاكم، ولكن يجب ان نعلم انها تعبر بذلك عن وجهة نظر الغرب كله بموقفه المذبذب العجيب! لا ريب ان على العالم العربي والاسلامي كله ان يعري من خلال بيان موحد موقف الغرب هذا وان يستنكر هذه الازدواجية الشنيعة التي تقوم سياسته العامة عليها. والأمثلة الصارخة عليها كثيرة. الا ترى الى أميركا التي تقيم الدنيا ولا تريد ان تقعدها على ضرورة البحث عن احتمال وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق، ثم ترفض ان تتوجه بكلمة استنكار أو سؤال الى اسرائيل حيث تخزن أسلحة الدمار بأنواعها وباعتراف وتحد منها؟ وها هي أميركا اليوم ترى تركيا وهي تجتاح للمرة العاشرة جارتها العراق وتتغلغل في عمق أراضيها، من دون ان تحرك ساكناً أو تهزها الغيرة على الخطر الذي يحدق من ذلك بالأمن في المنطقة ذاتها. أحب هنا ان الفت النظر الى ان كلامي هذا عن الغرب وروجيه غارودي، لا يعني ان غارودي ملك لا يخطئ. انني أعلم انه بعد ان اعتنق الاسلام واتجه الى دراسته والتعمق فيه كعقيدة وتشريع، كان لا بد ان يتورط في تصورات غير صحيحة عنه مثل أي انسان كان غريباً عن الاسلام ثم اعتنقه. أراد ان يفهمه ويهضمه في أقصر وقت ممكن. ولكن هذه الأخطاء التي افترضها، ولست الآن بصدد تعدادها، تقتضي ان ننبهه اليها بدافع من الغيرة والثقة بصدق اسلامه لا ان نتصيد هذه الأخطاء لنكبرها ونجعل منها دليلاً على انه لم يكن صادقاً في اسلامه. وان نجعل منها أسلحة لمعاداته والتشهير به كما يفعل ذلك بعض الناس. والغريب ان هؤلاء الناس لم يطب لهم تتبع عثراته الا بعد ان اتجه الى الصهيونية يكشف فضائحها. في العام الماضي جرت محاولات عدة للوساطة بين الحكومة السورية وبعض قيادات "الاخوان المسلمين" الى أين انتهت هذه الوساطة؟ - لا أعلم ان وساطة جرت بين المسؤولين السوريين و"الاخوان المسلمين" في العام الماضي. بلغتني إشاعة من هذا القبيل من دون ان اتبين أي حقيقة لها. أعتقد ان هناك أشخاصاً مثل الشيخ أمين يكن وآخرين حاولوا شيئاً من هذا القبيل؟ - الذي أعلمه انها مساع شخصية كانت بدوافع ذاتية. الى أي نتيجة انتهت تلك المساعي الشخصية؟ - لو ان تلك المساعي انتهت الى نتيجة ايجابية لرأينا ثمارها. ما هي أسباب ذلك؟ - كنت أعتقد ولا أزال ان المسألة لا تحتاج الى أي وساطة أو محاولة. الباب مفتوح لرجوع هؤلاء الناس مواطنين صالحين الى بلدهم ينهضون بواجباتهم الدينية وينالون كسائر الناس حقوقهم الوطنية والسياسية. ومن المعلوم ان هذا الباب فتح منذ ان أعلن الرئيس حافظ الأسد في 1986 ان لمن شاء من هؤلاء الأخوة ان يعودوا الى بلدهم مواطنين صالحين. والذين أعلمه ان الأمر لا يتطلب أكثر من ان يعبر هؤلاء الأخوة عن رغبتهم هذه في بيانات فردية بالنسبة للأفراد أو بيان جماعي بالنسبة للجماعة والقادة. يبدو ان قيادات "الاخوان" يريدون العودة كحزب سياسي؟ - مما لا شك فيه ان سورية اليوم تعد أوسع وأفضل ساحة لمن يريط ان ينهض بواجب الدعوة الى الله وتبليغ رسالة الاسلام ونشر المعارف والثقافة الاسلامية، وسيجد القائمون بهذه الأنشطة كل تيسير وترحيب، اما الذين لا يقتنعون بذلك ويأبون الا ان يمزجوا صفاء العمل الاسلامي بكدر الأنشطة السياسية والأطماع الحزبية وما قد تجره من ذيول، فذلك شيء آخر. ولست ممن يعنى بهذا المزج ولا ممن يهتم بالبحث عن السبل الموصلة اليه. هل عاد أشخاص غير المراقب العام السابق الشيخ عبدالفتاح أبو غدة؟ - انا لا أعلم من هم القياديون وكم عددهم. لكن أعلم ان كثيرين هم الذين عادوا الى وطنهم أعزة سعداء. هل هم عشرات؟ - بل ربما مئات. زار وزير الخارجية العراقي السيد محمد سعيد الصحاف دمشق أخيراً في اطار التقارب بين دمشق وبغداد، هل تعتقد ان هذا التقارب سيؤدي الى اقناع "الاخوان" بالعودة عن أخطائهم؟ - لا أستطيع التنبؤ بالنتائج. ولست من المغرمين بتخيلها وافتراضها. لكن أقول: ان أي مفاجأة قد تأتي في المستقبل تشكل دليلاً جديداً الى ما كنت أؤكده دائماً وفي كل مناسبة، وهو ان المسلمين الذين يريدون خدمة دين الله عز وجل بالدعوة اليه وتحبيبه الى قلوب الناس، ينبغي ان يتساموا به فوق العواطف السياسية وان يحذروا الوقوع في جاذبية أي من أفلاكها المتنوعة والمتشاكسة، ان الذي يمارس مهمة الدعوة الخالصة الى الله عزّ وجلّ متعالياً فوق التيارات السياسية، يفوز بتقدير الأطراف السياسية كلها، ومن ثم يتهيأ الكل لقبول نصحه والتأثر بكلامه. اما الذي يخوض غمار هذه التيارات فلا بد ان يجد نفسه في وقت ما مضطراً الى التحيز الى بعض منها، ومن ثم محاربة بعضها الآخر لا لدافع ديني لكن لأن المصير السياسي يستدعي ذلك