بعد خمسة أشهر من الصراع من أجل البقاء، قرر رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي موساد داني ياتوم الاستقالة من منصبه وإنهاء 35 عاماً من الخدمة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بسبب فشل جديد مني به جهازه في الخارج شكل في ما يبدو القشة الأخيرة التي "قصمت ظهر البعير". وقالت مصادر إسرائيلية إن رجل "موساد" الأول الذي حملته لجنة تحقيق حكومية مسؤولية فشل عملية محاولة اغتيال أحد مسؤولي "حركة المقاومة الإسلامية" حماس في الأردن في أيلول سبتمبر الماضي، لم يفكر بالتخلي عن منصبه، بل هدد باللجوء إلى القضاء الإسرائيلي في حال توصية اللجنة بإقالته. وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأوسع انتشاراً في إسرائيل، ان جهاز الاستخبارات من مني بفشل جديد لم توضح طبيعته، مشيرة إلى أنه السبب المباشر وراء استقالة ياتوم الذي ينتظر أن يعيين خلف له قريباً. وبث التلفزيون الاسرائيلي مساء ان العملية الفاشلة قام بها "موساد" الأسبوع الماضي في احدى الدول الاوروبية. وسئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس عن وجود اخفاق آخر ل "موساد"، فقال للصحافيين أمس في أروقة الكنيست: "لا اعتزم التعليق على كل أنواع العناوين في الصحف"، متجنباً بذلك اعطاء إجابة واضحة. وأشاد نتانياهو بخدمات ياتوم وأعمال "موساد" على مر السنين وما وصفه ب "الأعمال الجبارة التي قام بها والتي يجب ألا يعرفها الجمهور". وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيعين "قريباً جداً" رئيساً جديداً ل "موساد"، لكنه رفض اعطاء اسم الشخص الذي ينوي تعيينه. وأضاف نتانياهو ان "دورنا هو كفالة عمل جيد وفعال لموساد" الذي قال إنه "منظمة أساسية لحياتنا الوطنية". وأشارت المصادر ذاتها إلى أن ياتوم أراد تحاشي موجة جديدة من الانتقادات والاتهامات والمطالبة بالاستقالة مرة أخرى عندما يتم الكشف عن هذا الفشل الذي زاد من حال الارتباك التي يعيشها "موساد" منذ تولي ياتوم رئاسته قبل نحو عامين. أما العامل الثاني الذي حمل ياتوم على الاستقالة، لكنه لم يكن حاسماً، فهو فشل "موساد" في اغتيال مسؤول المكتب السياسي ل "حماس" في عمّان السيد خالد مشعل، وقد كشف تقرير لجنة التحقيق في القضية عن مسؤولية ياتوم المباشرة عن فشل العملية. ورأت إسرائيل في استقالة ياتوم مدخلاً جديداً لإعادة علاقات التنسيق والتعاون الأمني بين الأردن وإسرائيل بعدما شابها التوتر في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة. ومما يذكر ان شعوراً بالغضب عم أوساط الحكومة والمواطنين في الأردن بعد محاولة الاغتيال الفاشلة. ورحب الأردن أمس على لسان نائب رئيس الوزراء وزير الاعلام عبدالله النسور باستقالة ياتوم قائلاً إنه كان ينبغي أن يستقيل أو يطرد "فور انكشاف أمره والجريمة التي ارتكبها مع بلد جار وقع مع بلاده معاهدة سلام" عام 1994. وذكرت المصادر الاسرائيلية امس ان رئيس المخابرات الاردنية الفريق سميح البطيخي "أقسم" ان يوقف كل قنوات التنسيق المخابراتي مع الدولة العبرية طالما بقي ياتوم في منصبه. وقال قريبون من ياتوم انه اراد ان يجنّب المؤسسة الامنية الاسرائيلية دفع ثمن بقائه في منصبه خصوصاً بعد فشله في اقناع اعضاء لجنة التحقيق الحكومية بأن فشل عملية اغتيال مشعل ما هو الا خطأ بسيط مقارنة بأخطاء أخرى سجلت على الجهاز ولم تستدعِ اقالة احد من المسؤولين. وذكر هؤلاء في هذا السياق قضية زرع اشرطة تسجيل في السفارة الايرانية في قبرص والكتاب الذي نشره في كندا مسؤول الاستخبارات الاسرائيلي السابق استروفسكي، وسقوط طائرة الهليكوبتر العسكرية التي كانت متجهة للقيام بهجوم على مواقع لبنانية وكذلك مقتل عناصر فرقة غولاني والكمين الذي نصبه حزب الله اللبناني لافراد البحرية الاسرائيلية وكل هذه الاخطاء لم تحمل اياً من المسؤولين على الاستقالة. وتوضح المصادر الاسرائيلية ان العامل الثالث والاخير الذي ساهم في اتخاذه القرار على مضض هو شعور ياتوم منذ توليه رئاسة "موساد" بأنه "جسم غريب" داخل هذه المؤسسة نتيجة للطريقة التي تعامل بها مع كبار الضباط الذين عاملوه بالمثل، ورفض ياتوم خلال سنتين ترقية العديد من هؤلاء الضباط الذين طالبوه شخصياً بذلك، ما اثار شعوراً ب "المرارة" داخل "موساد" حسب اعتراف ياتوم نفسه. وعلى رأس قائمة المرشحين لخلافة ياتوم تردد اسم ايلان بيران الذين وصفته مصادر اسرائيلية بأنه "ضابط نظيف" ويحظى بموافقة نتانياهو وثقته المطلقة وبدعم المؤسسة الامنية الاسرائيلية، ولكن تؤخذ عليه قلّة خبرته في مجال الاستخبارات، ويليه النائب السابق لرئيس "موساد" افرايم هليفي وهو السفير الاسرائيلي الحالي في بروكسيل. ورشحت المحافل الاسرائيلية رئيس "موساد" السابق شابتاي شافيت للمنصب الجديد بسبب خبرته غير انه لا يحظى بشعبية كبيرة في بعض الاجهزة الامنية الاسرائيلية.