بدأ مجلس الأمن أمس مداولات في شأن "مذكرة التفاهم" الموقعة بين العراق والامين العام للامم المتحدة كوفي أنان، في الوقت الذي بات واضحاً ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا لن تسحبا قواتهما من منطقة الخليج وأنهما ستحتفظان بحق الرد العسكري المنفرد في حال انتهكت بغداد الاتفاق، وتسعيان الى اصدار قرار يحذرها من "عواقب وخيمة" بدل استخدام عبارة "انتهاك مادي"، بعدما أكدت مصادر فرنسية ان روسيا ترفض ادراجها في القرار المفترض، وان الرئيس جاك شيراك استطاع اقناع نظيره الاميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بعدم الاصرار عليها. تفاصيل اخرى ص4 و5 وعلمت "الحياة" في نيويورك ان سفيراً سويدياً سابقاً هو أبرز مرشح لمنصب "المفوض العام" الذي يجب ان يعينه الامين العام ليرأس الفريق الخاص لتفتيش "المواقع الرئاسية"، كما نصت عليه "مذكرة التفاهم"، وهو بين مواضيع اخرى طلبت الولاياتالمتحدةوبريطانيا ايضاحات في شأنها تمهيداً لإصدار قرار يتضمن هذه الايضاحات ويحذر بغداد من "العواقب الوخيمة" او "الانتهاك المادي". واعتبر كلينتون انه في حال تم تطبيق الاتفاق "بكامله فهذا سيعني أنه اخيراً، وللمرة الاولى في غضون سبع سنوات، سيكون العراق كله مفتوحاً امام مفتشي الاممالمتحدة، بما في ذلك المواقع العديدة التى كانت مستبعدة سابقاً" عن عمليات التفتيش. وفي لندن قال بلير ان "تطبيق الاتفاق بين بغداد وأنان سيخضع للتجربة قريباً. وهذا يعني ان عمليات تفتيش اللجنة الدولية الخاصة أونسكوم ستتم من دون عراقيل عراقية وتطال أي مكان وفي أي وقت". واضاف: "لن يحدث أي تغيير فوري في وضع التأهب للقوات الاميركية والبريطانية في الخليج الى ان يتضح هذا الامر". نيويورك وأبلغ انان مجلس الأمن رسمياً نص مذكرة التفاهم بين الأممالمتحدة والحكومة العراقية وتلقى استفسارات اميركية وبريطانية ومن الدول الاعضاء. وقالت مصادر مطلعة ان هدف الاستفسارات "ليس العرقلة" وإنما "ايجاد مجال لإيضاحات" يمكن ادخالها في مشروع القرار الذي بدأت الاستعدادات لتبنيه. وحسب مصادر مطلعة، فإن ابرز الاستفسارات يتعلق بمهمات وصلاحيات المفوّض العام الذي يعينه الأمين العام ليترأس الفريق الخاص الذي سيقوم بتفتيش المواقع الرئاسية. وعلمت "الحياة" ان ابرز المرشحين لهذا المنصب هو السفير السويدي يوهان مولاندر الذي رافقه في زيارته الى بغداد. ومن الاستفسارات الاخرى المهمة، اولاً، تعريف وإيضاح "المواقع الرئاسية" ان كانت تقتصر على القصور او تتضمن المرافق الاخرى لها. وثانياً، ايضاح الاجراءات الخاصة اللاحقة التي وردت في الاتفاقية. وثالثاً، الاطلاع على ما في ذهن الأمين العام من اجراءات في شأن الفقرة السابعة من الاتفاقية، التي جاء فيها ان "رفع العقوبات يمثل اهمية قصوى لشعب العراق وحكومته، والأمين العام يتعهد بأن يلفت الانتباه الكامل لأعضاء مجلس الأمن الى هذه المسألة". وبدأت الاستعدادات لمشروع قرار يرحب بالاتفاق ويتضمن فقرات لسد الثغرات وإيضاح النواحي الغامضة مع فقرة فاعلة تعتبر ان اي تراجع او نكوص في التعهدات يمثل "خرقاً مادياً" لقرار وقف النار 687. وحسب مصادر عربية، فان الوفد الاميركي لا يزال مصراً على اعتبار التراجع او النكوص في التعهدات "خرقاً ماديا" لقرار وقف النار علماً بأن الصيغة الاخرى المطروحة تنص على التحذير من "اشد العواقب"، او من "عواقب وخيمة"، تترتب على الاخلال بالتعهدات. وكانت الولاياتالمتحدةوروسيا تفاوضتا على هذا النص في اطار البحث في دعم زيارة الأمين العام الى بغداد. ووافقت روسيا على اعتبار التراجع خرقاً مادياً لوقف النار بعد موافقة الولاياتالمتحدة على مهمة الأمين العام في بغداد. واعلن الامين العام لدى دخوله مقر الاممالمتحدة وسط استقبال ضخم وعاطفي لموظفي المنظمة الدولية "اعتقد ان لدينا اتفاقية جيدة. اتفاقية سأدافع عنها اينما كان. واني متأكد ان الدول الاعضاء ستوافق عليها". واستهل انان كلامه بالاعتراف بمساهمة كثيرين غيره في انجاح مهمته وتوجه في البدء بالشكر الى الرئيس الاميركي بيل كلينتون ورئيس وزراء بريطانيا طوني بلير "لكونهما مثاليين في حفظ السلام الدولي"، وذلك لأن "افضل الطرق لاستخدام القوة العسكرية هو اظهارها من اجل عدم استخدامها، وباثبات الحزم وتوفير القوة العسكرية، اذا لزم الامر، فإنهما ساهما في ايجاد الحل". وتوجه انان بالشكر ايضاً الى الرئيس الروسي بوريس يلتسن والرئيس الفرنسي جاك شيراك والعاهل الاردني الملك حسين والرئيس المصري حسني مبارك "الذي بعث اكثر من عشر رسائل الى الرئيس صدام حسين". وشكر ايضاً "ملايين الناس في العالم الذين صلّوا" من اجل نجاح مهمته. وقال ان ما انجزه هو "مثال رائع على ما يجب ان تكون الاممالمتحدة". واضاف ان ما انجزه عائد الى مزيج من "الشجاعة والحكمة والمرونة". واحاط موظفو الاممالمتحدة الامين العام بحفاوة وزغاريد وتصفيق ودموع. واعتبرت الاوساط الديبلوماسية الانجاز والاحتفاء دفعاً مهماً لتعزيز مكانة المنظمة الدولية والامين العام ودورهما. وفيما وصف السفير الاميركي بيل ريتشاردسون الاتفاق بأنه "خطوة في الطريق الصحيح"، اكد رداً على "الحياة" ان الولاياتالمتحدة لا توافق على ان رفع الحظر النفطي على العراق مرتبط حصراً بتنفيذه كامل متطلبات اللجنة الخاصة المكلفة ازالة الاسلحة المحظورة اونسكوم، كما جاء في الاتفاق. وقال ان الشروط لرفع الحظر النفطي هي تلبية العراق "كل قرارات مجلس الامن". واعتبر ريتشاردسون ان المسائل الاساسية التي تتحكم بالموقف الاميركي الآن هي: "اولاً، توضيح الاتفاق، ثانياً، اختبار هذا الاتفاق والتحقق منه. وثالثاً، فرض تنفيذه". وقال: "نريد الأفعال وليس الأقوال"، و"نريد اختبار الأقوال قريباً". واعلن بعد استماعه الى الامين العام في جلسة مغلقة لمجلس الأمن انه في طريقه الى واشنطن للتشاور مع فريق الامن القومي في شأن ما حمله أنان. واشنطن واعتبر الرئيس بيل كلينتون امس انه اذا تم تنفيذ الاتفاق كلياً "فهذا يعني انه للمرة الأولى منذ سبع سنوات، سيفتح كل العراق لتفتيش الأممالمتحدة بما في ذلك مواقع عديدة كانت في الماضي محظورة". وأضاف كلينتون في خطاب له امام المؤتمر الوطني للنساء اليهوديات، ان ذلك يشكل "خطوة مهمة الى الأمام". وقال: "نشهد مرة اخرى كيف يمكن الديبلوماسية المدعومة بالتصميم والقوة ان تعطي نتائج ايجابية للانسانية". وأوضح ان المطلوب مراقبة الوضع عن كثب "لنرى ما اذا كان العراق لا يقول فحسب بل يفعل ولا يقدم التزامات فحسب بل يتقيد عملياً" بقرارات الأممالمتحدة. وأضاف كلينتون: "علينا البقاء ملتزمين منع صدام حسين من تهديد العالم بأسلحة الدمار الشامل". وتحركت ادارة الرئيس كلينتون نحو ازالة "الغموض" وعلامات الاستفهام "من مذكرة التفاهم بين انان والقيادة العراقية، وكان الرئيس الاميركي رحب بالمذكرة بشكل موقت وغير نهائي بانتظار الحصول على التوضيحات المطلوبة من انان مع الاحتفاظ بحق الرد العسكري المنفرد اذا لم ينفذ العراق ما التزمه. وبرز بوضوح ان الديبلوماسية الاميركية تسعى حالياً مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الى اصدار قرار جديد يؤكد مذكرة التفاهم ويدعو العراق الى تنفيذها وإلا فإنه سيواجه "نتائج خطيرة"، ما يعني باللغة الديبلوماسية استخدام القوة. وأكدت وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت في شهادة لها امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ان الواضح هو ان الرئيس العراقي صدام حسين قد تراجع عن مواقفه السابقة، وان المهم في الوقت الحاضر معرفة ما اذا كان سيتقيد بالتزاماته "علماً بأن هناك علامات استفهام وغموض في الاتفاق في ما يتعلق بأمور اجرائية تتعلق بالمواقع الرئاسية". وشرحت اولبرايت جوانب من علامات الاستفهام بقولها ان كوفي انان "وافق على السماح لعدد من الديبلوماسيين بمرافقة المفتشين الى مواقع القصور الرئاسية. وهذا الامر قد يكون مقبولاً اذا كان المفتشون احراراً في القيام بعمليات التفتيش بحرية وبدقة، علماً بأنه يجب ان تكون لجنة اونسكوم مسيطرة على عملياتها سواء بالنسبة الى مكان او توقيت" التفتيش. وشددت على القول ان الادارة "ستبقي قواتها في الخليج على اهبة الاستعداد بانتظار معرفة ما اذا كان صدام حسين سيلتزم تعهداته وستستمر في دعم الديبلوماسية بالقوة". واعتبر الوزير كوهين في شهادته امام اللجنة نفسها ان المطلوب هو عدم التركيز فقط على القصور الرئاسية "اذ علينا ان نفهم ما يقصدونه بالقصور الرئاسية، أهي مبان ام منشآت، هناك فارق بينهما". واضاف ان المطلوب هو عدم تجاهل "المواقع الحساسة التي منع العراق دخول المفتشين اليها". وقال ان واشنطن تصرّ على تفتيش منشآت الحرس الجمهوري وان المطلوب توضيح امور كثيرة اخرى قبل الموافقة النهائية على الاتفاق. فرنسا وروى مصدر فرنسي مطّلع ل "الحياة" الجهود الديبلوماسية المكثفة التي قام بها الرئيس شيراك خلال الثماني والاربعين ساعة الاخيرة فور علمه بالاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والعراق، وبعدما شرح له سفيره في الأممالمتحدة الان دوجاميه طويلاً مضمون الاتفاق، فأجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس الاميركي بيل كلينتون مساء أول من أمس، الذي قال له ان الاتفاق يناسبه بشكل عام ولكن هناك نقاط غامضة يريد بعض الايضاحات بشأنها. وذكر المصدر ان من بين هذه النقاط ألا تكون هناك اجراءات تفتيش جديدة ينبغي التفاوض في شأنها بما يخص المواقع الرئاسية، وأن نص الاتفاق مهم بعض الشيء وأن كلينتون يأمل في أن تستأنف المفاوضات بأسرع وقت استناداً الى الاجراءات المعتمدة من جانب اللجنة الخاصة لنزع التسلح العراقيوالأممالمتحدة وألا تكون هناك إجراءات جديدة لأعمال التفتيش. وتابع أن كلينتون يريد أيضاً الحصول على إيضاحات حول "المجموعة الخاصة" التي سيشكلها أنان، وهي بالأساس فكرة فرنسية، سيكون رئيسها تقنياً يعيّنه الأمين العام بالتشاور وليس بالتوافق مع رئيس اللجنة الخاصة ريتشارد بتلر ووكالة الطاقة النووية. وأضاف ان كلينتون يرغب في أن يتضمن القرار الذي سيصدره مجلس الامن حول الاتفاق التعبير الشهير "الانتهاك المادي" Material Breach الذي يفتح الطريق، من وجهة النظر الاميركية، لتلقائية الضربة العسكرية في حال عدم وفاء العراق بالالتزامات. ونقل المصدر عن شيراك قوله ان تلقائية الضربات العسكرية غير مقبولة وأن أي عمل ينبغي ان يسبقه نقاش في مجلس الامن، وأنه من وجهة النظر الفرنسية فإن الضربة العسكرية تتطلب نقاشاً وموافقة من مجلس الامن. وأوضح المصدر أنه رغم ان التفسير الفرنسي يعطي امكان العمل العسكري للولايات المتحدة في حال عدم التزام العراق القرارات الدولية، اما نظرية "الانتهاك المادي"، فتتيح القيام بعمل عسكري منفرد. وأكد المصدر ان شيراك اقنع كلينتون بضرورة عدم المجازفة بانقسام مجلس الامن مجدداً واضعاف الانتصار الذي حققه أنان بسبب عبارة "الانتهاك المادي" وأن المهم هو توجيه إشارة قوية الى صدام الذي يأمل الجانب الفرنسي بعدم ارتكابه أي حماقة. كذلك اتصل شيراك برئيس الوزراء البريطاني توني بلير فأبلغه على غرار ما فعله مع كلينتون بأن الاتفاق انتصار جماعي "نحن بواسطة الديبلوماسية وأنتم بواسطة العصا، والآن ينبغي ان يحول الاتفاق الى قرار ينفذ بسرعة"، وأن هذا هو رأي كلينتون "فأرجوك يا توني لا تزايد عليه بالنسبة الى قرار قد يثير انقساماً في مجلس الامن، وبالمقابل فإني أؤيد أن يتضمن القرار تحذيراً شديداً للرئيس العراقي بضرورة احترامه الاتفاق". وقال المصدر ان بلير أصرّ على معرفة ما اذا كان الروس سيقبلون بمبدأ "الانتهاك المادي"، فاتصل شيراك بالرئيس الروسي بوريس يلتسن صباح امس فأبلغه الاخير بأنه سيرفض. وأوضح المصدر ان هدف فرنسا هو تجنّب الدخول في جدل جديد يؤدي الى القول لأنان "إذهب مجدداً الى بغداد لإعادة التفاوض، لذلك تتمنى فرنسا ان يوافق مجلس الامن بسرعة على الاتفاق". وقال ان شيراك كان اتفق مع أنان على مجيئه الى باريس من دون مقابلة أي مسؤول قبل عرضه لنتائج ما تحقق في بغداد مع مجلس الأمن، لكن الرئيس الفرنسي عدل عن ذلك في آخر لحظة ودعا الأمين العام والأخضر الابراهيمي وهانز كوريل المستشار القانوني والناطق الرسمي للأمم المتحدة فريد ايكهارد والمعاون الخاص للأمين العام ليندون ميير الى عشاء حضره من الجانب الفرنسي وزير الخارجية هوبير فيدرين وأمين عام الخارجية برتران دوفورك ومستشارا الرئيس جان دافيد ليفيت وبرنار ايمييه. ولاحظ المصدر أن أنان عرض لشيراك بالتفصيل كيفية نجاحه في تحقيق الاتفاق، مشيراً الى أن الحجج الأساسية التي حملت صدام حسين على تغيير موقفه هي تلك التي زوده الرئيس الفرنسي بها قبل توجهه الى بغداد حول كيفية التعامل مع الرئيس العراقي. وقال ان شيراك هو الذي وضع أنان والابراهيمي في صورة المواقف المختلفة بعد سلسلة الاتصالات الهاتفية مع أعضاء مجلس الأمن الذين وافقوا على الاتفاق، وأن الأمين العام عبّر عن إمتنانه لذلك. وعلمت "الحياة" ان بريطانيا أصرّت على أنان أن يعود من بغداد الى لندن وليس الى باريس، إلا أن الرئيس الفرنسي نصح أنان بألا يلتقي احداً من المسؤولين قبل اجتماعه مع مجلس الامن.وأكد أنان أنه تعهّد للجانب العراقي انه اذا التزم بكل القرارات المفروضة عليه، فإنه سيحرض على رفع العقوبات. وختم المصدر انه خلال العشاء استمع شيراك الى عرض من الابراهيمي حول نشاطات اللجنة الخاصة في العراق وشاركه أنان في الرأي.