واشنطن، باريس، لندن، موسكو، دافوس - "الحياة"، رويترز، أ ف ب - حذر الرئيس بيل كلينتون من أن الوقت "ينفد في سرعة" أمام حل ديبلوماسي مع العراق، وهددت وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت بضربة جوية "كبيرة" لبغداد، أيدها فيها نظيرها البريطاني روبن كوك. وفيما تحدثت أنباء عن "تقدم طفيف" في مهمة الموفد الروسي إلى بغداد فيكتور بوسوفاليوك، واستمرار تفضيل باريس الحل الديبلوماسي، على رغم عزمها على تصعيد لهجتها في وجه العراق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى اعطاء مزيد من الوقت لحل الأزمة ديبلوماسياً، مؤكداً ان العالم "لا يقترب من ساعة الصفر" لشن عملية على أهداف في العراق، الذي كرر عرضه للسماح بفرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل دخول المواقع الرئاسية. كلينتون وشيراك وقال الناطق باسم البيت الأبيض مايك ماكوري ان كلينتون بحث ونظيره الفرنسي جاك شيراك في الأزمة مع العراق خلال مكالمة هاتفية مساء أول من أمس استغرقت نصف ساعة. وأوضح ان الرئيس الأميركي أبلغ شيراك "ان الوقت أخذ في النفاد بشكل سريع أمام الحلول الديبلوماسية"، مشيراً إلى ان الجانبين "راجعا في شكل واضح الخطوات الاضافية التي قد تكون ضرورية في معالجتنا للموقف ... ونأمل بتحقيق تقدم. لكن إذا لم يغير صدام حسين موقفه، وأنا لا اعتمد على هذا التغيير، فسنهاجم". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصادر ديبلوماسية في باريس أن فرنسا قررت تصعيد لهجتها أمام التصلب العراقي مع استمرارها في تفضيل الحل الديبلوماسي. وقالت الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية كاترين كولونا إن شيراك يستعد ل "تحذير" العراق من "العواقب الخطرة للغاية التي قد يخلفها استمراره في موقفه الحالي". وأفادت المصادر ان هذا التحذير، الذي لم يحدد شكله بعد، يعكس استياء باريس المتزايد من بغداد. وقد يأخذ هذا التحذير شكل رسالة تنقل عبر القنوات الديبلوماسية أو ارسال موفد إلى بغداد. وألمح الناطق باسم البيت الأبيض إلى أن فرنسا التي اعترضت طويلاً بصفة قاطعة على استخدام القوة ضد العراق قد تقاربت مع وجهة النظر الأميركية والدليل على ذلك التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين مساء الخميس الماضي في ختام لقائه في باريس وزيرة الخارجية الأميركية، إذ قال إن "كل الخيارات ما زالت مفتوحة". وعلق ماكوري ان هذه "تصريحات مهمة ومن الواضح ان الحكومة الفرنسية تقول الآن ان الخيارات الاضافية ليست مستبعدة". وتعبير "الخيارات الاضافية" تلميح إلى العمل العسكري. ومما يذكر ان أولبرايت اجتمعت مع وزير الخارجية الروسي يفغيني بريماكوف في مدريد أول من أمس. كما أجرى كلينتون اتصالات هاتفية في الاسبوع الجاري مع المستشار الألماني هلموت كول ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الوزراء الكندي جان كريتيان. بلير وشدد رئيس الوزراء البريطاني أمس على ان الحلفاء الغربيين لن يسمحوا للرئيس العراقي بتحدي الأممالمتحدة أكثر من ذلك ولن يحجموا من استخدام القوة إذا اقتضت الحاجة. وأبلغ بلير اجتماعاً لحزب العمال الحاكم ان "الديبلوماسية لم تعد تحمل فرصاً للنجاح على الاطلاق ما لم يدرك صدام أنه إذا لم يستمع لصوت العقل فإن لدينا القوة لحمله على ذلك". وأضاف ان بريطانيا وحلفاءها سيواصلون البحث في كل السبل الممكنة لايجاد حل ديبلوماسي للأزمة "ولكن لا يمكننا السماح لالاعيب صدام ومحاولاته إحداث انقسام داخل مجلس الأمن بالاستمرار لفترة أطول. وإذا توصلنا إلى أن الخيار الوحيد المتبقي لتنفيذ إرادة مجلس الأمن هو العمل العسكري، فلن نحجم عن ذلك. إنه أمر حيوي بالنسبة إلينا ان نمنع هذا الديكتاتور الشرير من التمسك بما تبقى لديه من أسلحة الدمار الشامل أو الحصول على المزيد منها. نحن نعرف من واقع الخبرة أنه لن يحجم عن استخدامها". أولبرايت وكول وعقد وزير الخارجية البريطاني ونظيرته الأميركية اجتماعاً أمس في لندن بحثا خلاله في الأزمة مع العراق. وفيما هددت أولبرايت بأن أي عملية عسكرية "ستتم بطريقة كبيرة"، أكد كوك ان "لا خلاف بيننا" على هذا الشأن. وحذرت أولبرايت في مؤتمر صحافي مشترك مع كوك في ختام محادثاتهما التي استغرقت ساعتين في مبنى الخارجية البريطانية من أن الوقت يقترب من الحاجة إلى اتخاذ قرارات جوهرية، مشيرة إلى ان المعيار الأساسي هو استئناف العراق لتعاونه الكامل مع مفتشي اللجنة الدولية لنزع أسلحة الدمار الشامل من دون أي شروط أو عقبات. وقال كوك وأولبرايت إنه لم يتم استبعاد أي خيار لحل الأزمة، بما في ذلك الخيار العسكري، وذكر ان بريطانيا وأميركا يقفان معاً بقوة في تقويمهما للخطورة الشديدة للموقف مع العراق. وأوضح الوزيران أنهما لا يزالان يفضلان الحل الديبلوماسي للأزمة، رغم ان هذا الخيار قد تضاءل بشكل متزايد. وقالت اولبرايت، رداً على سؤال انه لم يتخذ بعد القرار باللجوء الى استخدام القوة العسكرية ضد العراق، لكنها شددت على المطالبة بأن "يوجه المجتمع الدولي رسالة قوية حتى يتفهم العراق اننا جميعاً متفقون على ضرورة تعاونه مع مفتشي الاممالمتحدة لاسلحة الدمار الشامل". اما كوك، فقال رداً على سؤال آخر انه ليس هناك أي منطقة في العالم يمكن ان تستفيد من تخليص العراق من اسلحة الدمار الشامل اكثر من العالم العربي لأن جيران الرئيس صدام حسين هم الذين سيكونون مهددين اولاً من اسلحته الكيماوية والبيولوجية، خصوصاً لأنه استخدمها في الماضي ضد شعبه. واتفق الجانبان ايضاً خلال اللقاء على تقديم قرار جديد الى مجلس الامن لتوسيع نطاق برنامج "النفط مقابل الغذاء". وأكد كوك في هذا الاطار ان المشكلة ليست مع الشعب العراقي، لكن مع نظامه، مشيراً الى ان الرئيس العراقي هو الذي تسبب بمعاناة شعبه. في مقابل ذلك، حض الرئيس الروسي بوريس يلتسن الاسرة الدولية على مواصلة "السعي الحثيث لايجاد حل سلمي" للأزمة مع العراق. وأفاد ناطق روسي ان يلتسن يبحث في الازمة مع وزير خارجيته، وطلب من موفده الى العراق بوسوفاليوك العودة الى بغداد التي زارها الاسبوع الماضي لمواصلة المفاوضات. وفي هذا الصدد نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصادر ديبلوماسية في نيقوسيا ان بوسوفاليوك سيعود اليوم الى بغداد بعدما توصل الى "تقدم طفيف" خلال مهمته الاولى في شأن التفتيش في المواقع الرئاسية وانه ينتظر رداً على اقتراحاته. وقال احد هؤلاء الديبلوماسيين ان بوسوفاليوك "حصل من العراق على الموافقة على ان يناقش مع رئيس اللجنة الدولية لنزع اسلحة الدمار الشامل ريتشارد بتلر تفتيش المواقع الرئاسية خلال زيارته المقبلة للعراق المقررة في الثاني من آذار مارس المقبل". وأضاف "ان العراق يقرن حتى الآن استئناف المحادثات الخاصة بالمواقع الرئاسية بنتائج اجتماعات لجان التقويم الفنية التي ستنتهي في آخر نيسان ابريل المقبل لأن بغداد تأمل في ان تسفر هذه الاجتماعات عن اغلاق ملف نزع الاسلحة". وأوضح ديبلوماسي آخر ان هذا الاقتراح العراقي الذي يسمح على ما يبدو لبغداد بفرض جدول زمني على مجلس الامن "لا يمكن قبوله سواء من موسكو أو من باريس". وأضاف ان المبعوث الروسي حصل على ان يتخلى العراق عن هذا التجميد ويوافق على ان يناقش مع بتلر مسألة المواقع الرئاسية في الثاني من آذار مارس. وأوضح الديبلوماسي انه "بالنسبة للجوهر فان العراق لم يغير مع ذلك موقفه في شأن الترتيبات الخاصة التي تشمل تفتيش المواقع الرئاسية". وأكد احد الديبلوماسيين ان "العراق وافق على ان يشارك بتلر في عمليات التفتيش هذه لكن بصفته ممثلاً لاستراليا وليس كمسؤول للجنة الدولية". وأوضح الديبلوماسي ان بوسوفاليوك اقترح عمليات تفتيش "بقفازات بيضاء" بواسطة خبراء في اللجنة وديبلوماسيين "تحفظ كرامة العراق وسيادته". الموقف العراقي وفي هذا الاطار جدد وزير الخارجية العراقي السيد محمد سعيد الصحاف امس عرض بغداد السماح لمندوبين عن الاممالمتحدة بدخول المواقع الرئاسية معتبرا ان المبادرة الروسية لا تزال مفتاح التسوية. وقال الصحاف في حديث لشبكة التلفزيون البريطانية "دبليو.تي.ان": "اعتقد ان الاقتراح العراقي هو الطريق للخروج من الازمة حتى ينقذ الاميركيون ماء الوجه". واوضح "سبق وقلنا اننا مستعدون لاستقبال خمسة ممثلين عن كل دولة عضو في مجلس الامن اي ما مجموعه 75 شخصا اكانوا خبراء او مثقفين او دبلوماسيين تختارهم حكوماتهم، يضاف الى هؤلاء ممثلان عن كل دولة من الدول ال 21 الاعضاء في اللجنة الدولية المكلفة نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية يونسكوم اي 42 شخصاً يمكنهم زيارة المواقع الرئاسية طالما لزم الامر حتى لو طال ذلك شهراً كاملاً". وكانت بغداد عرضت هذا الاقتراح في نهاية تشرين الثاني نوفمبر ورفضته الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدة. واعتبر الصحاف ان "الجهود الدبلوماسية الاوروبية، خصوصاً من الروسية، هي السبيل للتوصل الى حل. ونتمنى ان تعي الولاياتالمتحدة هذا الامر". واتهم اولبرايت التي تقوم حاليا بجولة في اوروبا والشرق الاوسط ب "ممارسة ضغوط" على الدول الاخرى الاعضاء في مجلس الامن حتى تتخلى عن الخيار الديبلوماسي لتسوية الازمة بين العراقوالاممالمتحدة حول المواقع "الرئاسية" ورأى ان والبرايت تريد "احباط الدول الاعضاء الاخرى في مجلس الامن الدولي وان تجعلها تشعر ان من غير المجدي مواصلة الجهود الدبلوماسية للحؤول دون وقوع هجوم اميركي". أنان في موازاة ذلك دعا الامين العام للامم المتحدة في مؤتمر صحافي عقده في دافوس على هامش منتدى التعاون الاقتصادي السنوي، الى اعطاء مزيد من الوقت للجهود الديبلوماسية. وقال: "يجري العديد من المشاورات في عواصم مختلفة. واوضح ان كل الاطراف المعنية، بمن فيهم الاميركيون انها تفضل الحل الديبلوماسي… دعونا نعطي المزيد من الوقت لهذا الامر ونرى ماذا سيحدث". واضاف: "في هذه المرحلة لا يمكنني القول بأننا وصلنا الى اللحظة الاخيرة… انني اناشد الحكومة العراقية التعاون مع مفتشي الاممالمتحدة حتى لا نضطر الى القوة كملاذ اخير". وامتنع أنان عن الاجابة بشكل مباشر على سؤال عن وجود مبررات قانونية للولايات المتحدة او تفويض من مجلس الامن لضرب العراق بشكل منفرد من دون مساندة دولية. وقال: "تجري مشاورات مكثفة تشمل اعضاء في مجلس الامن. من المفضل ان يكون مجلس الامن مشاركاً في ذلك. وكان انان عقد اجتماعاً مع المندوب الاميركي لدى الاممالمتحدة بيل ريتشاردسون صرح في اعقابه انه والمندوب الاميركي متفقان على "ان الخيار الافضل هو الخيار الديبلوماسي والسياسي. آمل بأن يلتزم العراقون وان لا نلجأ الى القوة كخيار اخير". وحذر ريتشاردسون، من جانبه قبل الاجتماع ان اللجوء الى القوة لا مفر منه لكنه ليس وشيكاً. وفي نيويورك صرح المندوب الصيني لدى الاممالمتحدة ان بلاده تعارض اي عملية عسكرية وحتى استخدام التهديد ضد العراق. وقال السفير كين هواسن للصحافيين ان "الصين تعارض استخدام او التهديد باستخدام القوة"، داعياً "جميع الاطراف الى ضبط النفس والى حلّ خلافاتهم بالحوار وبالسبل السلمية لتجنب تدهور للنزاع يهدد السلام والاستقرار الاقليميين". واضاف ان على العراق "تطبيق القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الامن بشكل كامل وجدي". لكنه قال: "في الوقت نفسه يجب احترام قلق العراق على سيادته وكرامته وأمنه". في انقرة قال رئيس الوزراء التركي مسعود يلماز ان بلاده لن يكون لها دور فعال في اي عمل عسكري ضد العراق كما ان لها تحفظات على المشاركة السلبية ايضاً. في جنيف أوصى مجلس الكنائس العالمي بمعارضة توجيه أي ضربة عسكرية للعراق، وذلك في بيان اصدره من مقره في جنيف. واستند البيان الى تقرير وضعه سبعة من أعضاء المجلس زاروا العراق بين 18 و25 كانون الثاني يناير الماضي. ويعرض هذا التقرير ما يعانيه المسيحيون في العراق ويعتبر أن اي ضربة عسكرية "لن يكون منها الا زيادة آلام الشعب المغلوب على أمره".