لحسن الحظ ان كوفي أنان نجح ؟ في تجنيب العراق ضربة موجعة، ضربة ما كانت موجة الجنون الأميركي مصحوبة بالحسابات السياسية الصغرى لتتردد في الاقدام عليها. ولما كان من العبث مطالبة صدام بأن يغير شيئاً من عاداته، جازت مطالبة "حلفائه" العرب، وهم كثيرون، بأن ينتبهوا ويحذروا، فلا يوفرون له الدف ولو أنه يرقص من غير دف. وأول الحذر تجنب البهورة والكلام على الانتصار فيما القوات الأميركية والبريطانية على مرمى حجر من قصور صدام المستباحة. والحال أن لغة البهورة جزء من التوتر والتوتير التي لا تبدي الولاياتالمتحدة دائماً حصافة الترفع عنها والرد عليها بمثلها. وفي قلب هذه اللغة يكمن اصرار صدام على أنه "منتصر" دائم. ففيما اعترف السوفيات بهزيمتهم في الحرب الباردة، لم تعترف بغداد التي مضت تستأنف الحرب المذكورة على نطاق اقليمي. ورغم تأديبه في الكويت، ظل حاكم العراق يتصرف على أنه منتصر في "أم المعارك". ولا يؤتى بجديد إذ يقال انه غير مسموح للعراق المهزوم أن يتصرف كمنتصر يشارك المنتصر الأميركي انتصاره. هذه المسألة ليست تفصيلاً عارضاً ولو أثارت عند الكثيرين قرفاً مفهوماً. فأحد أسباب التصعيد الأميركي الأخير، والضربة التي كانت محتملة، ماثل في أن واشنطن لا تريد لأحد أن يشاركها انتصارها الكبير في الحرب الباردة. انها مستاءة من تجرؤ الشركاء الأوروبيين في الفترة الأخيرة، فكيف يتسع صدرها لتجرؤ الخصوم المهزومين؟ وحساب كهذا سيغدو أشد إلحاحاً في ظل الابتزاز الجمهوري الحالي لكلينتون بأنه قدم انتصاراً لصدام. انه كلام يستحسن أن لا نسمعه، وخصوصاً أن لا نصدقه. وقصارى القول إن صدام يملك البله والكارثة، وقد يمحضه بعضنا شرف الصمود والبطولة اللذين لا يحسب لهما حساب في المآسي، الماضي منها والآتي. أما أميركا فتملك القوة والانتصار اللذين قد لا نحبهما إلا أننا معنيون بالتعامل معهما. ومدخل هذا التعامل ان لا نوفر الدفّ لسيد بغداد كي يمعن في رقصاته الدموية. ونحن نوفر له هذا الدف ليس فقط حين نشارك في الاصطهاج ب "انتصاراته"، بل أيضاً حين ننفخ في بوق "نظريته" للتصعيد. فعندما يتحدث بعضنا عن "الكيل بمكيالين"، ذاك التعبير المستمد من مخيلة مطبخية، فإن ما يرسخ واحد من اثنين: اما عدم الدقة أو السذاجة. وفي الحالتين نعطي صدام ما يطلبه من "حق" كي يمضي في تعنته وغروره. عدم الدقة: لأن اسرائيل كانت حليفة أميركا يوم كان العراق عدو أميركا. إذن كيف يتوقع من الأخيرة أن تعامل بغداد مثلما تعامل تل أبيب؟ والسذاجة: لأن الاستغراب من "الكيل بمكيالين" يفترض ضمناً أن أميركا حَكَم عادل يقف فوق النزاعات. هذا ليس صحيحاً ولم تزعمه أميركا نفسها كما نزعمه عنها ثم نستغربه ونتفاجأ به. أما راهناً فسلاح صدام، من دون أن يستدعي ذلك الرد الأميركي المدمر، خطر على المصالح الغربية الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما لا ينطبق بحال من الأحوال على الدولة العبرية! إذن، قليلاً من السياسة وقليلاً من العقل وقليلاً من المقارنة مع الأمس القريب. بهذا الدخول الهادئ والعاقل الى معركة العقوبات، يمكن التعويل على امكان رفعها أكثر بكثير مما بالبهورة والهوبرة.