تترقب مصر بحذر بالغ تطورات الأزمة الحالية بين العراقوالأممالمتحدة بسبب انعكاسات الأزمة على العمالة المصرية المهاجرة، ويعمل حوالى 2،2 مليون مصري في الدول العربية، خصوصاً في الدول الخليجية ويؤمنون نحو 7 بلايين دولار للاقتصاد المصري. وانجزت وزارات الخارجية والداخلية والنقل والمواصلات والشؤون الاجتماعية والقوى العاملة تصوراً لأية احتمالات في حال توجيه ضربة عسكرية إلى العراق. وقال مصدر في وزارة القوى العاملة ل "الحياة": "نتوقع الاستغناء عن بعض العمالة الهامشية في حال تأثر دول عربية مستقبلة للعمالة بتداعيات ضرب العراق"، وأشار إلى أن هناك إجراءات ستتخذ بعد الضرب مباشرة. وشدد على أهمية حماية العمالة المصرية في المنطقة. ويعمل في السعودية 930 ألف مصري، وفي الأردن 230 ألفاً، وفي الكويت 212 ألفاً، وفي العراق 190 ألفاً، وفي الإمارات 98 ألفاً، وفي سلطنة عمان 12 ألف عامل، علماً أن العراق كان عام 19978 أكثر الدول استقطاباً للعمالة المصرية بنسبة 80 في المئة. وتتمثل الإجراءات المصرية في الآتي: 1- حصر دقيق للعمالة، خصوصاً في العراق ودول الخليج عن طريق الاستعانة بمكاتب العمالة في الخارج والسفارات والمكتب المركزي للتعبئة والاحصاء. 2- دمج العمالة العائدة في سوق العمل المحلية حسب تخصص كل عامل ومهنته وعمل برامج تحويل سريعة لإعادة تأهيل اصحاب المؤهلات التي لا تتفق مع حاجات السوق حالياً. 3- التعاون مع المؤسسات الدولية في إطار مشروع الهجرة المرتدة لتقديم قروض مناسبة للعمالة العائدة لإقامة مشاريع صغيرة سعياً لتقليل الاضرار اللاحقة بالعمالة بعد عودتها. 4- الاتصال بلجنة التعويضات في الأممالمتحدة للوقوف على ما سيتم صرفه من مستحقات المتضررين من حرب الخليج عام 1991 عددهم 2،1 مليون، تحسباً من توقف صرف تلك المستحقات، علما أن مصر أكبر الدول المتضررة بعد الكويت. في الوقت نفسه ستتأكد وزارة الداخلية من صحة الوضع القانوني للعمالة وما إذا كانت صدرت بحقهم احكام في الدول التي كانوا فيها. وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية صرف معونات للعائدين عن طريق التنسيق مع هيئات دولية و"بنك ناصر" لاعانتهم. وقال مراقبون إن تلك خلفت حقائق عدة أبرزها أن العمالة المصرية في الخارج باتت أكثر تأثراً بأي حدث، خصوصاً أن الدول المستقبلة لها تسعى لاحلال عمالتها الوطنية، عوضاً عن المصرية نظراً لتأثر اقتصادات تلك الدول بسبب حرب الخليج الأولى بين العراق وايران، التي انتهت عام 1988، وحرب الخليج الثانية التي نتجت عن غزو العراقالكويت عام 1991، علما أن دول الخليج تحملت نحو مئة بليون دولار بسبب الغزو. وتأتي تلك الظروف المتداعية لتلقي الضوء على أوضاع العمالة المصرية في الدول العربية التي لا تزال تتأثر بالمتغيرات السياسية في المنطقة على رغم مخالفة ذلك للمواثيق والاتفاقات الدولية والعربية التي تحظر إبعاد الوافدين من الدول المرسلة للعمالة أو أسرهم بسبب أزمة سياسية. ولا تقتصر مشاكل العمالة المصرية على الناتجة عن شروط وظروف التعاقد، لكن هناك مشاكل عامة تختلف بين الدول التي تشترط الحصول على تأشيرة دخول للعمل مثل دول الخليج والتي لا تشترط ذلك، وتعد الظروف الاقتصادية التي عانت منها البلاد سبباً وراء تدفق العمالة الى الخارج بحثا عن فرص أفضل للمعيشة مما أدى إلى خلل في ظروف العرض والطلب نظراً إلى ارتفاع معدلات العرض على الطلب، ومن ثم تدني شروط وظروف التعاقد وبالتالي مستويات الأجور وظهور العمالة الهامشية في الدول المستقبلة، خصوصاً الاردنوالكويت وهي أكثر أنواع العمالة تعرضاً للمشاكل والترحيل وبالتالي أكثرها تضرراً في حال حدوث أي طارئ. مشاكل ومعوقات وتعود مشاكل العمالة المصرية في الخارج عموماً إلى عدم وجود تنسيق كاف ومنظم بين الاجهزة المعنية بتفسير العمالة وضعف الامكانات البشرية والمادية لمكاتب التمثيل العمالي في بعض الدول المستقبلة لحل مشاكل العمالة فيها، ونظم ولوائح العمل في دول الخليج وما تفرضه من قيود سيادية مثل نظام الكفيل، اضافة إلى نقص الكفاءة والخبرة لبعض العمالة المسافرة وعدم مواكبتها محدثات العصر وهناك كذلك ضعف في امكانات الاجهزة المختصة بتسوية المنازعات العمالية في بعض الدول العربية المستقبلة للمصريين وكثرة العمالة الاجنبية الوافدة مما يؤدي الى عدم الحسم والسرعة في التسوية وضياع حقوق العمال أو تأخيرها. وتؤكد الشواهد أن عدم وجود نظام موحد للرعاية الاجتماعية للمصريين في الخارج يؤدي الى عدم الاستقرار النفسي على رغم وجود صناديق خاصة، إضافة الى الازدواجية في التأمينات الاجتماعية وارتفاع كلفة اداء الرسوم القنصلية وعدم وجود سياسة ثابتة لمنح الاجازات الخاصة من دون مرتب للعمل في الخارج. مشاكل العمالة وتتمثل معظم مشاكل العمالة المصرية في الدول التي لا تشترط تأشيرة دخول مثل ليبيا والاردنوالعراق عددهم 730 ألفاً في وجود فائض كبير في السوق يفوق الحاجة مما يؤدي الى انخفاض الأجور والظهور بشكل غير لائق وارتفاع نسبة الجرائم نظراً لوجود العمال غير الشرعي بحثاً عن فرصة عمل مما يعرضهم للطرد الجماعي أو الترحيل في الظروف العادية وتلك العمالة هي الأكثر تضرراً في حال وجود أي طارئ سلبي في المنطقة. وتشمل مشاكل العمالة المصرية في الدول العربية الاخرى يتجاوز عددهم المليون التأخر في صرف المرتبات لأشهر عدة والمماطلة في تسوية المستحقات بعد الاستقالة وطول اجراءات التقاضي وتغيير شروط التعاقد خلافاً لما اتفق عليه بعد الوصول الى البلد المعني وانخفاض الاجور عموماً، نظراً للظروف الاقتصادية بعد تداعيات حرب الخليج الثانية مع احتمال استمرار هذا الوضع بشكل أكبر في حال أي حدث طارئ. اضافة الى سلبيات تطبيق نظام الكفالة او نقلها من حجز جواز السفر وابلاغ الشرطة عن هروب العامل وسياسة بعض الدول الاعتماد على العمالة الوطنية تدرجا وتسرب بعض العمال بعد انتهاء فترة تعاقدهم الموسمي كما يحدث في موسم الحج، وكذلك ما يتعرض له العمال من انتقاص حقوقهم والامتيازات الخاصة بالعقد من مكافآت وخدمات صحية وتعليمية. كما أن هناك منافسة قوية من العمالة الآسيوية للمصرية، خصوصاً أن الأولى تقبل العمل في اي مهنة وبأجور متدنية. ويبدو أن عدم التزام بعض الدول الخليجية تنفيذ قرارات مؤتمرات وزراء العمل العرب والاتفاقات العربية الخاصة باعطاء الأولوية للعمالة العربية والاستغناء عن الأجنبية أدى إلى تراجع فرص العمل للمصريين في بعض الدول العربية. 7 بلايين دولار وعلى رغم المشاكل التي تواجهها العمالة المصرية في الدول العربية إلا انها تمثل بمدخراتها وتحويلاتها المادية والعينية دخلاً كبيراً للاقتصاد المصري يتجاوز 7 بلايين دولار وتقلل من نسبة البطالة التي تصل إلى 10 في المئة، مما يعني أن العودة المفاجئة للعمالة المصرية في دول المواجهة في حال وجود أي طارئ ستؤدي الى مشاكل اقتصادية واجتماعية تسعى الوزارات المعنية إلى تداركها حاليا قبل وقوعها والتعامل معها بأقل خسائر ممكنة. تعويضات المتضررين وإذا كانت حرب الخليج الثانية خلفت وراءها مشكلة كبيرة لا تزال قائمة حتى الآن وهي تعويضات المصريين المتضررين من تلك الحرب البالغة نحو 3.1 بليون دولار للذين غادروا العراق أو الكويت في الفترة من آب أغسطس 1990 حتى آذار مارس 1991، يحتمل أن تضطر مصر الى المطالبة بتعويضات جديدة للعمالة العائدة من الدول المجاورة للعراق بسبب نشوب الحرب مع اختلاف الموقف الدولي. وكانت مصر شهدت العام الماضي انفراجة جديدة لتعويضات مواطنيها إذ صرفت في آيار مايو الماضي ما يوازي 9.57 مليون دولار استفاد منها نحو 23 ألف متضرر من اصحاب الدفعة الاولى للاستمارة أ الخاصة بالمغادرة الاضطرارية من العراق أو الكويت كما صرفت منذ نهاية العام الماضي 136 مليون دولار بحوالى 5.54 ألف متضرر يمثلون الدفعة الثانية للاستمارة نفسها، إضافة إلى صرف 3.1 مليون دولار قبل عام ونصف العام تعويضات 324 مصريا ماتوا أو اصيبوا خلال الحرب وتُصرف حالياً تعويضات الدفعة الاولى للاستمارة ج الخاصة بالتعويض عن الاضرار في الممتلكات حتى مئة ألف دولار وعددهالمستفيدين يصل إلى 5.18 الف مصري باجمالي تعويضات تعادل 5.45 مليون دولار. ولا يزال لمصر أكثر من 790 مليون دولار هي باقي تعويضات المصريين من مختلف الاستثمارات، ويتوقع أن يؤدي تفاقم المشكلة مع العراق إلى تعطيل تنفيذ "تفاهم النفط مقابل الغذاء" الذي بمقتضاه يتم تحويل 30 في المئة من مبيعات النفط العراقي لسداد التعويضات ويعني هذا احتمال تأخر وصول دفعات جديدة منها التعويضات الى المصريين بعد ان كان متوقعاً أن تتلقى مصر الشهر المقبل دفعة ثالثة للاستمارة أ وثانية للاستمارة ج. وتسعى مصر إلى البحث عن وسيلة جديدة لتحصيل مستحقات عمالها الذين تضرروا في قطر للترحيل المفاجئ قبل شهر ولا تزال وزارة القوى العاملة توالي حصر هؤلاء وقيمة مستحقاتهم من أجور ومكافآت وتعويضات نهاية الخدمة اضافة الى تعويضات الاصابة في العمل. أسواق عمل جديدة ونظراً لما يحدث نجد أن المتغيرات الاقتصادية في المنطقة وتأثر بعض دول الخليج بتلك المتغيرات من قضايا سياسية أدى الى البحث بجدية عن اسواق عمل جديدة للمصريين سواء للهجرة الموقتة للعمل أو الدائمة وعادت تلك الفكرة تطرح نفسها بشدة لتوسيع نطاق الوجود المصري في افريقيا وأوروبا على رغم بعض المشاكل الخاصة باللغة والبيئة وعدم الاستقرار، خصوصاً في افريقيا. وبدأ الاهتمام بالقارة على اعتبارها تمثل عمقاً اقتصادياً وأمنياً لمصر وافتقادها أي عمالة متخصصة فنياً تتوافر في مصر مثل خبراء الزراعة والري وباحثين ومدرسين واطباء ومهندسين وتشجيع رجال الاعمال لاقامة مشاريع مشتركة في بعض دول القارة. وهناك صعوبات لفتح هذه السوق أمام العمالة المصرية قريباً من بينها عدم توافر فرص الاستقرار والأمن الداخليين في أغلب تلك الدول، اضافة الى معدلات البطالة المرتفعة، كما ان الاستثمار البشري لا يحقق المأمول لتوفير فرص عمل، اضافة الى شيوع هروب رأس المال على رغم توافر الموارد الطبيعية الحديثة لتحقيق ذلك، كما ان هناك فجوة في مستويات الأجور بين مصر وغالبية الدول الافريقية التي تعتبر مصدراً للأيدي العاملة غير ان الأمل قائم في العلاقات المتعددة التنوع التي يمكن ان تتعامل مع المتغيرات الاقتصادية السياسية والاجتماعية وتوسيع دور الصندوق المصري للمعونة الفنية لافريقيا الذي يوفر الخبراء سنوياً للقارة. وبموازاة ذلك بدأ الاتجاه إلى أسواق العمل في أوروبا لتشجيع الطلب على العمالة الموسمية وتوسيع دور القوى العاملة في مجالات التعاون المشترك والتركيز على الخبرات المتخصصة والعمالة الماهرة، وكذلك التوجه الى استراليا والبرازيل لتشجيع الهجرة الدائمة، لكن تبقى مشكلة العمالة العادية قائمة وتمثل الجانب الأكبر من العمالة الموجودة في سوق العمل المصرية مما يتطلب الاهتمام بالبرامج التدريبية واكتساب المهارات اللازمة لمتطلبات اسواق العمل الخارجية.