Au Pays De Nos Crises Essai Sur Le Mal Marocain في وطن أزماتنا: بحث في الداء المغربي Afrique Orient, Casablanca 1997 200 Pages هل يجوز تعليق التاريخ الحدثي للماضي أو حتى للحاضر أو وضعه بين قوسين ومواجهته بنسيان حيوي وارادي؟ الا يعكس هذا الأمر وجود أعراض تحيل كلها على الانسداد والشرخ والتشوه والفساد؟ سؤالان كبيران يطرحان على كل من يسعى الى الانشغال بقضايا العالم العربي، أو بكل من يبتغي فهم ما يجري على صعيد مجتمعه الخاص. والاقتراب من هذين السؤالين يؤشر على شروط امكان تحفيز الفكر والكشف عن اضاءات جديدة. فالخاص، على رغم خصوصيته، اختلط بالعام، وما هو وطني اضطر الى التفاوض مع ما يتجاوزه بشكل يفرض على الفكر ضرورة النظر الى الزمن من زاوية مغايرة تماماً للاطر الفكرية التي تعوَّد عليها المرء في السابق. غير ان الانخراط في "الكوني" لا يعني تصفية الاختلافات أو الهروب الى الأمام أو العمل على طمس معالم الأزمة الخانقة التي تجثم على البلدان العربية، لا سيما في هذا الزمن العالمي الجارف الذي يريد "الفاعلون الاقتصاديون الجدد" اخضاع باقي العالم الى عبودية تجتر شعارات الفكر الوحيد والنموذج الوحيد. ازاء ما تتقدم به "العولمة" الينا يصعب النظر الى لقاء ممكن بين الضمائر والقيم خارج لغة المواجهة والمأساة. اعتباراً لهذا الأفق من النظر حاول بنسالم حميش التفكير في الزمن المغربي الراهن في كتابه "في وطن أزماتنا: بحث في الداء المغربي"، متناولاً فيه قضايا تهم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في وضعية انتقالية لا يعرف أحد متى ستكتمل دورتها، وموضوعات تمس ما يمكن نعته بپ"آفاق التجدد الاشتراكي"، كما توقف في الفصل الثالث من الكتاب عند "أزمة الثقافة"، منتقداً طروحات عبدالله العروي، ومبيناً مظاهر "الشرخ الثقافي" الذي يعبر عنه الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، ومساجلاً حول "المسألة الآمازيغية"… الخ. لفهم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية المغربية يرجع حميش الى التاريخ قصد استجلاء العوائق البنيوية التي تحول دون الخروج من حالة الانتقال الممتد، اذ يصعب الاحاطة بمكونات البورجوازية الوطنية من دون الوقوف عند العوائد والطرائق الاقتصادية التقليدية التي تميزت بضيق الأفق والميل الى الاستثمار في ما يعود عليها بالربح في المدى القصير، لا سيما في المجالات غير المنتجة، والقيام بعمليات السمسرة والوساطة ضمن ما يسمى بپ"التصدير والاستيراد"… الخ. ويلاحظ الباحث ان الأنظمة السياسية التي تستند الى فئات اجتماعية من هذا النوع يصعب عليها التكيف مع مقتضيات الحداثة ومع أساليب الحكم الديموقراطي، لأن هاجسها الأول يتثمل في ضمان شروط البقاء ومقاومة كل ما من شأنه خلخلة التوازن السائد. ولاجتراح حلول ملائمة لاختلالات النمو الاقتصادي تلجأ الدولة الى المساعدات وتعول على الاستثمارات الخارجية من دون توفير شروط موضوعية جاذبة للمبادرة الخاصة، الأمر الذي يولد حالات مرضية تعرقل كل نزوع اصلاحي على كل الصعد المؤسسية وأنماط التدخل في المكان، سواء في القرية أو المدينة. لم يعد أمام بلداننا خيارات كثيرة، فأما تعبئة المقومات الذاتية وفتح المجال للمبادرة الحرة، اقتصادياً وسياسياً، وإما الخضوع لمنطق الآخرين وتكريس بنيات التخلف والانحطاط. وليس في الأمر أي ارتهان لنظرة مانوية للوقائع أو التهويل من شأن الأزمات. فعلى الفئات التي أوصلت البلاد الى الوضعية الراهنة ان تفهم ان التغيير ضرورة تاريخية، في نظر الكاتب. لهذا تناضل الأحزاب الديموقراطية في المغرب من اجل انجاح عملية التنوب السياسي، فالتناوب، عندها "فكرة تمتلك قوة اليقين وشمولية المبدأ. انه أكثر من لفظة، لأنه فلسفة وحكمة. بل ان نقيض تعسف الفكر الأحادي الجانب والوحيد… ونقيض استنزاف السلطة وبفضل التهيؤ الجدلي المحايد يتغذى الجسم السياسي بدماء وبقوى متجددة دوماً". لا يتعلق الأمر بتعطش للسلطة بقدر ما يطالب حميش باقرار مرجعية اخلاقية وسياسية تؤسس لإنسية جديدة تجعل من البعد الانساني منطلقها وغايتها، قصد توفير شروط ملائمة لبروز مجتمع عصري، ديموقراطي، قوي ومنسجم ثقافياً، تتساكن فيه كل التيارات الفكرية والحساسيات السياسية، من دون استثناء، ومن ضمنها الحركة الاسلامية، اذ من دون ثقافة ديموقراطية فعلية لا يمكن اقامة مؤسسات تحمي الحقوق وتقيم العدالة ضد فوضى الحرب الأهلية، والنزاعات التدميرية، ولذلك لا مفر من صياغة نظرة سياسية وثقافية جديدة تستند الى ثلاثة ثوابت استراتيجية ومتكاملة: يتمثل الأول في التجذر في التراث العربي الاسلامي الحامل لقيم المساواة والتضامن والعدالة. ثانياً، امتلاك وظيفي وحيوي للحداثة ليس باعتبارها سوقاً للبضائع القابلة للاستهلاك، وانما كمصدر للقيم المضافة، النافعة والمنتجة. وكحقل للبحث والابداع. ثالثاً، بالانخراط النشط في الديموقراطية بوصفها نظاماً اجماعياً يمنح لمجتمع المواطنين الحق في تشغيل منطق التناوب والمشاركة في تدبير الحياة السياسية عن طريق الاقتراع والانتخاب ومراقبة السلطة. وحدها المؤسسة الديموقراطية قادرة على احتضان الاجتهاد النقدي، حتى ولو جاء من اتجاهات ذات نزوع اسلامي. الدعوة الى التزام هذه الثوابت معناها الدعوة الى اقامة مجتمع اشتراكي ديموقراطي ذات مضمون انساني. وسواء التقى حول هذا الموقف الاتجاه الليبيرالي الاجتماعي، أو الاشتراكي الديموقراطي أو الاسلامي المتنور، فإن الأمر، في نظر حميش، لا يعدو كونه مناسبة تاريخية لاطلاق الطاقات وفتح مجال الخلق والتنافس حتى تتمكن كل القوى السياسية والمدنية من التعبير عن أفكارها وتطلعاتها. واذا كان صاحب "البحث في الداء المغربي" يعطي أهمية خاصة للجوانب الاقتصادية والاجتماعية ودوراً محدداً للمؤسسات السياسية في كل اصلاح، فإنه يعبر، فضلاً عن ذلك، عن وعي حاد بخطورة المسألة الثقافية في المغرب، سواء في الفصل الذي خصصه لمناقشة اطروحات عبدالله العروي، حيث عبر عن تبرم كبير ازاء تاريخانية هذا المفكر، أو في الفصلين اللذين حررهما لابراز معالم الشرخ الثقافي الذي أحدثته الفرانكفونية في الجسم الثقافي المغربي، وتعبيرات خطاب العودة الى "نقاء" الأصل كما يقول بعض ناشطي الحركة الأمازيغية. كتاب بنسالم حميش مساهمة في فهم ما يجري حالياً من أحداث اقتصادية واجتماعية وثقافية، وهو وان ركز على الحالة المغربية فإن نمط سؤاله قد ينسحب على أقطار عربية عدة، خصوصاً المغاربية منها، اذ لا يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها ولا في نقد ما يبدو له في حاجة الى اعادة بناء.