الهدف الاسرائيلي الواضح هو احراج لبنان في هذه المرحلة الدقيقة الى حد يبدو انه لا يريد ان ينتهي الاحتلال الاسرائيلي لأراضيه، كذلك يبدو الهدف احراج سورية أمام اللبنانيين باظهارها في مظهر من يفضل بقاء الجولان وجنوبلبنان محتلين على ان ينسحب الاسرائيليون من الأراضي اللبنانية وحدها. واذا نظر الى الكلام الاسرائيلي في العمق يتبين ان أخطر ما فيه هو محاولة طمأنة سورية عن طريق التأكيد لها ان وجودها في لبنان ليس مرتبطاً بالوجود الاسرائيلي، وان في استطاعتها ان تبقى في لبنان اذا انسحب الجيش الاسرائيلي… وان مشكلة الوجود السوري في لبنان صارت مشكلة لبنانية أولاً وأخيراً. لو جاء الكلام الاسرائيلي في مرحلة غير المرحلة الراهنة، لكان بدا منطقياً وقابلاً للتطبيق. الا ان الملفت انه جاء في وقت لا تستطيع سورية ان تفهم أي مبادرة اسرائيلية تجاه لبنان الا في اطار السعي الى اضعافها. وهي تدرك انه لم تعد لديها حالياً ورقة قوية تتمسك بها الا ورقة جنوبلبنان في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، بدءاً بالتقارب التركي - الاسرائيلي وانتهاء بالتهديد الذي تتعرض له وحدة العراق، وهو تهديد لوحدة الأراضي السورية في المدى البعيد، وانتهاء برفض حكومة بنيامين نتانياهو العودة الى طاولة المفاوضات انطلاقاً من النقطة التي وصل عندها السوريون والاسرائيليون في عهد حكومتي اسحق رابين وشمعون بيريز. عملياً، ورغم ان رد الفعل اللبناني على العروض الاسرائيلية يظهر وكأن لبنان لا يريد استعادة أراضيه المحتلة، الا ان الثمن الذي يمكن ان يدفعه لبنان في حال قبل العروض الاسرائيلية أكبر بكثير من الذي يدفعه حالياً عبر تأكيد التزام وحدة المسارين السوري واللبناني. ولو كانت اسرائيل صادقة فعلاً في نياتها لأدركت ان توقيت طرحها الجديد ليس مناسباً للبنان نظراً الى انها تدرك قبل غيرها انه يدفع حالياً ثمن الكثير من ممارساتها على أرضه. كذلك لو كانت صادقة لأظهرت رغبة في اعطاء دفع جديد لعملية السلام عبر تسريع المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بدل السعي يومياً الى تدمير عملية السلام وافراغ اتفاق أوسلو من أي مضمون له. ان الطريق الى السلام في المنطقة معروف وواضح ويبدأ باحترام حكومة اسرائيل الاتفاقات التي وقعتها. فمن يريد ان يغامر معها باتفاقات جديدة، فيما "بيبي" يؤكد يومياً انه يرفض ما وقعه سلفاه باسم حكومة اسرائيل؟ ان اللبنانيين الذين عرفوا أهوال الحروب الأهلية وحروب الآخرين على أرضهم يستطيعون الانتظار، حتى اذا كان ثمنه مكلفاً، لأنهم يدركون ان هذا الثمن أقل بكثير من ثمن الدخول في مغامرات مع طرف لا يحترم توقيعه!