خافيير فيلدوزا شاب ارجنتيني عاش حتى سن الواحدة والعشرين في انكلترا دون ان يساوره اي شك حول اصوله الغامضة. خافيير اكتشف مؤخراً بفضل شبكة انترنت وعبر مركز ارجنتيني عليها ان اسمه الحقيقي هو بنينو وان فيلدوزا ما هو سوى اسم الجنرال الذي عذّب اهله الحقيقيين وقتلهم قبل ان يخطف وليدهم ويتبناه. ثلاثة مراكز ارجنتينية على انترنت مخصصة للمخطوفين زمن الديكتاتورية ولعائلاتهم، وما لم تقم به العدالة في بوينس ايرس، التي بعد محاكمات سريعة أعفت عن جميع الضالعين في عمليات التعذيب والقتل الوحشي، تقوم به وسائل الاعلام الخارقة لكل معاني الرقابة. اكتشاف خافيير لمراكز التعذيب عبر "الانترنت" ولأسماء المخطوفين، او اكتشاف خافيير لحقيقته، قد يعيد فتح سجل جنرالات الارجنتين الذين ظنوا ان العفو والنسيان سيحميانهم الى الابد: احدهم، اميليو ماسيرا اعتقل في الاسبوع الماضي واتهم بخطف وتزوير هويات عدد من الاطفال زمن حقبة الديكتاتورية في السبعينات حتى بداية الثمانينات. ثلاثون الف شخص اختفوا او قتلوا في الارجنتين وثلاثمئة طفل سُرقوا من ذويهم وخضعوا للتبني بطريقة غير قانونية هل قضية بينوشيه ستؤدي ايضاً الى فتح الملفات الانسانية؟ سؤال لا بد من طرحه كلما ارادت "السياسة" اخراج بينوشيه من مأزقه…. بيد ان الاعلام الذي يشكل سلطة تفوق احياناً سلطة العدالة لا يبدو عازماً في زمن العولمة على لعب دور "الضمير" وقد يكون ذلك ربما افضل. لكن رفض الظهور كمرشد للعالم لا يعني تحويل وسائل الاعلام الى استعراض استهلاكي لهموم هذا العالم ومآسيه. الارجنتين ايضاً، هذه المرة على شاشة التلفزيون، والموضوع ذاته، هذه المرة استير تعثر على حفيدتها، مريانة، التي اختطفها احد المسؤولين العسكريين وقام بتربيتها وكأنها ابنته. الا ان مريانة لا تريد العودة الى جدتها ولا ترغب في مواجهة حقيقة هذا الشخص الذي تبناها وأحبته. هذه المرّة، عدسة التلفزيون تبدو عازمة على محاكمة المراهقة التي تريد في الاخير حرمان المشاهد من النهاية السعيدة: معاقبة المجرم ومكافأة الجدة. لا احد يعبأ بما يدور في داخل مريانة لأن المشاهد الكسول يصعب عليه ان ينتبه اليها. "حماقتها" تخلو من المغامرة التي يتوق اليها المشاهد، بيد ان "حماقات" اخرى شرعت محطات التلفزيون في السنوات الاخيرة تقدمها لروادها، والنتائج فاقت التوقعات. في تايلاندا: كان لتصوير وبث على محطتي تلفزيون لعملية انتحار شابة، ان شجّع العديد من أترابها على الانتحار، خاصة اذا كانت عدسات التلفزيون بالمرصاد واذا كان البث مباشراً. عندها لا يستطيع من ينوي انهاء حياته التراجع، اذ قد يكون قد جمع حوله وحول مأساته وسائل الاعلام السمعية - المرئية. حالات الانتحار تضاعفت في بانكوك ومعظم الذين أقدموا على الخطوة كن فتيات مراهقات أردن التشبّه بالشابة المنتحرة او ببطلات ال Soup Opera اللواتي يحاولن دائماً وضع حدّ لحياتهن، وبالتالي للظهور على الشاشة، امام ضعف السيناريو الذي لا يدري واضعوه كيف يمكن، الا بالموت، التخلص من شخصيات وردية. هذه التغطية الاعلامية لمأساة شخصية جعلت من الانتحار امام الكاميرا استعراضاً جماهيرياً، حتى انه امام احدى المحاولات، رفع الجمهور أياديه بعلامات النصر، بينما كانت الضحية تسقط من نافذتها الى الهاوية. اما في لوس انجليس، فلم تتأخر محطتا تلفزيون في وقف برامج للاطفال ورسوم متحركة خلال فترة بعد الظهر، لبث عملية انتحار شاهدها اطفال كانوا يتمتعون ببرامجهم الخاصة، بثاً مباشراً: رجل يحاول حرق ثيابه التي يرتديها ومن ثم يطلق رصاصة في رأسه فيُسيل دماء. صور مرّت بين ميكي ماوس ودونالد! والاستعراض قد يقفز احياناً من تصوير طقوس الموت الى مواضيع شديدة السخافة، خاصة اذا عنى الامر كبار هذا العالم. وهكذا اهتزّ عالم الاعلام الاميركي لمعرفة حقيقة اخرى في حياة كلينتون الخاصة ما الاسم الذي سيعطيه لكلبه الجديد؟ محطة ان بي سي ظنت ان معلوماتها صحيحة وقامت بإفشاء السر. هذا الاعلان تبعه فوراً تكذيب "مصادر مقرّبة" من كلينتون التي، دون ان تعطي الاسم الحقيقي، صرّحت بأن "لوك" غير صحيح. حرب اعلامية بين كبرى المحطات الاعلامية الاميركية لمعرفة اسم الكلب دارت طوال ساعة. فالحدث كان اعلان اللقب قبل خطاب الرئيس الذي كان من المزمع القاؤه بعد ساعتين. اما معانوا كلينتون فظلوا يتلاعبون مع الصحافيين حتى النهاية، الى ان "حزر" احدهم ان الكلب يُدعى "بادي". اخبار كهذه غدت يومية في الصحافة الاميركية التي غدت اليوم تسابقها شبكة انترنت في النشر السريع للحدث. والمشكلة ان الامر لا يقتصر على "لوك" او "بادي" بل حتى على المواضيع الحساسة. وسائل الاعلام الاميركية، في سعيها الجنوني الى الخبر، قامت مؤخراً بتعديل موازين التأكد من الخبر قبل نشره وبالتالي تجاهل اي حدث يستغرق التأكد من صحته وقتاً طويلاً. واذا كانت السلطة السياسية هي في الاخير، او على الاقل مبدئياً، سلطة يمنحها الناخب، فسلطة الصحافة هي ملك القارئ - المشاهد الذي يمكنه ايضاً، على غرار الناخب، المطالبة ب "تنحي" وسيلة اعلامية...