المانيا موحدة وحرة. جيوش الحلفاء، بعد الجيوش الروسية، غادرت برلين. في العام المقبل، ومع دخول بولندا حلف الأطلسي الناتو، ستجد البلاد نفسها، وللمرة الأولى في تاريخها الحديث، محاطة باصدقاء وحلفاء. البرلمان الالماني سوف يعود الى الرايخستاغ التاريخي. برلين تعود عاصمة للبلد. اذن، انتهت كليا دورة السنوات ال53 التي اعقبت سقوط هتلر ورايخه، وهاهي دورة جديدة تبدأ. مع هذا فألمانيا غيرهارد شرودر لم تهدأ وتستقر تماماً، أقله على الجبهة الثقافية، وجبهة الضمير المتصلة بها. فمؤخراً انخرط بعض كبار الكتّاب في مساجلة عنيفة حول مكانة الذاكرة والاحساس بالعار لدى الشبيبة الالمانية حيال ما ارتكبه الآباء والأجداد. قبلا كانت المانيا تميل الى تجاهل الموضوع، فلا تخوضه الا مضطرة. اليوم يبدو كأنها تختاره محكومةً برغبتها في التطبيع مع نفسها، وقطع الطريق على طرفين: الذين يريدون أن لا يعترفوا بخطأ ألماني تم ارتكابه، والذين يريدون المضي في استغلال المحرقة والمضي في اشعار الألمان، جيلاً بعد جيل، بذنب لا خلاص منه. السجال اندلع في تشرين الاول أكتوبر الماضي حين رفض الكاتب مارتن فُلسر، في خطبة له، نظرية الذنب الالماني الى الابد، مؤكداً ان العار الالماني "ينبغي عدم استغلاله لأغراض الحاضر". ردود الفعل كانت سريعة وحادة، لأن فلسر لا ينتمي الى دوائر اليمين بل الى الوسط الليبرالي الذي عُرف، ثقافياً وأخلاقياً، بشجاعة الاعتراف بما ارتكبته المانيا النازية. ورداً على منتقديه من يهود وغير يهود، كتبت مونيكا مارون في صحيفة "داي زايت" مبرّئةً الشبيبة الالمانية التي ينبغي عدم أخذها بجريرة ما فعله الآباء والأجداد. الخوف الذي انتاب بعض الدوائر الليبرالية واليسارية هو أن يستثمر اليمين، لا سيما اليمين الفاشي الجديد، هذا النقاش الصحي ليدفعه في اتجاهات أخرى. وما ضاعف المخاوف ان بعض الكتّاب الألمان ركزوا، في نقدهم، على دور السينما الأميركية فيلم لائحة شندلر، مثلاً في انشاء "صناعة المحرقة" المربحة. ونقدٌ "أوروبي" من هذا الصنف للثقافة الأميركية، معطوفاً على مراجعة الموقف "القومي" حيال المحرقة، يصطف في خانة الاحتمالات المقلقة.