«الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    اختتام اعمال الدورة 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في البحرين    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية لخليجي27    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استشهاد خمسة صحفيين في غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    الصادرات غير النفطية للمملكة ترتفع بنسبة 12.7 % في أكتوبر    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "الأيادي السود" للنائب نجاح واكيم الأكثر مبيعاً في لبنان . هبوط بالكتابة الى سوية شفوية ووظيفة الفضح خدمة سياسات مشابهة
نشر في الحياة يوم 31 - 12 - 1998

} 50 ألف نسخة في 18 طبعة من كتاب "الأيادي السود" للنائب اللبناني نجاح واكيم. وأخبار الكتاب وما احتواه من حكايات عن الفساد الإداري والسياسي في لبنان، تناقلتها ألسن اللبنانيين منذ صدوره حتى أن مراقباً لفته أن يشهد كتاباً في لبنان هذا الكمّ من الإقبال والتداول. فاللبنانيون غير مشهود لهم بالقراءة، وهي وسيلتهم الثالثة أو الرابعة إلى المعرفة. كتاب واكيم يشبه إلى حدٍ بعيد ما يعيشه اللبنانيون يومياً، حتى أن أخباراً كثيرة، وفضائح تحوّلت بفعل تواتر سماعها وعيشها أموراً عادية. وهنا يكتسب الكتاب بعضاً من أهميته التي تتمثل في تذكيرهم بأن ما أصبح عادياً، ومتساهلاً فيه، هو في الأصل فضيحة وتعدٍ صارخ على القانون والدستور اللبناني.
البعض رأى في الكتاب تجميعاً لخطب واكيم وتصريحاته في المجلس النيابي وفي مؤتمراته الصحافية والبعض الآخر عاب عليه خلوّه من الوثائق والإثباتات التي تؤكد اتهاماته لرجال السلطة في لبنان بالفساد والإفساد.
لكن هذا لا ينفي أن في الكتاب مئات التهم، والمعلومات التي إذا ما صحّت، أو إذا ما صح بعضها، وهو أمر مرجح خصوصاً أن حجم الردود على الكتاب ما زال قليلاً، فإن الكتاب سيتحول وثيقة يمكن عبرها مطالبة كل من وردت أسماؤهم في سياق الفضائح والتهم ومساءلتهم.
ثم أن الكتاب جاء في وقت ينتقل لبنان من عهد إلى عهد، ويبدو أن ملفاته الكتاب ستكون مادة تجاذب ومحاسبة من العهد الجديد للعهد السابق، وهذا ما تشي به خطوات العهد الجديد، كإعادة النظر في ثوابت العهد السابق من مثل موضوع الإعلام الذي عادت الحكومة الجديدة وفي أول جلسة لها لتبحث فيه.
ولكن يبقى أن السؤال هو هل ينتقل الكتاب من ضفة التجاذب السياسي إلى ضفة أخرى هي القضاء؟ فاختزال إمكانات دولة وتسخير قانونها واستباحة إقتصادها على مدى سنوات، لمصلحة شخص أو أشخاص إذا ما صح هذا الأمر أمور لا يمكن الوقوف عندها في كتاب قد يؤدي إلى خسارة هؤلاء سمعتهم وحسب. أما من يتهمهم الكتاب، وهم سياسيون لبنانيون، فهم مطالبون أيضاً وأمام الرأي العام أو ما تبقى منه في لبنان، في نقل الكتاب إلى ضفة القضاء أيضاً لأن حجم التهم لا تكفي لدحضه تصريحات صحافية.
قد يكون الاجدر بالنائب نجاح واكيم، وهو صاحب كتاب "الايادي السود"، نقل اسئلته وحقائقه عن الفساد الاداري والسياسي في لبنان الى ضفة اخرى، خصوصاً ان الكتاب يحيل تجربة الجمهورية اللبنانية الثانية الى جمهورية فسادٍ ورشوة وفضائح.
ففي عرضه السياسي للأحداث والوقائع التي مهدت لقيام "جمهورية الفساد" هذه، وبطلها بحسب رواية واكيم رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، يمهد لقيام هذه الجمهورية بوقائع ومؤامرات واحداث عدة قد يصعب على غير نائب بيروت فهم ترابطها واندراجها في سياق واحد.
من الواضح اولاً ان واكيم يرشق منزلاً من زجاج، وان ملفات الفساد والفضائح مادة دسمة خصوصاً انها اندرجت في توجهات شبه علنية، وفي سياسات لم يخجل اركان ترويكا الحكم السابق في لبنان من دويها. فتقاسم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة حصل على الملأ بين هؤلاء الاركان، وكانت الذروة ربما في منع محطة تلفزيونية يملكها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ترخيصاً قبل مباشرتها البث، في حين حجب الترخيص عن محطات كانت تعمل منذ سنوات. وكذلك في موضوع شركات الهاتف الخليوي التي احتكرت الفضاء اللبناني شركتان منها، يملك واحدة منهما نجل وزير الدفاع اللبناني السابق محسن دلول، المتزوج من ابنة زوجة الحريري، في حين يقال ان الشركة الثانية يملكها ابناء مسؤولين لبنانيين وغير لبنانيين. ويقول واكيم في كتابه "انسحب ري من المنافسة على التزام الخليوي بعد صفقة تمّت مع الحريري" وهو امر ايضاً يعرفه المتابع للاحداث في لبنان، ويعرف آلية تلويح بري الدائم بضرورة زيادة الرسوم والضرائب على شركات الخليوي وآلية سحب هذا التلويح. هذا غيض من فيض طبعاً. لكن نقاش الكتاب يبدأ من السياق الذي وضعه واكيم لهذا الفساد والذي أحاله على هزائم أصابت الدعوة العروبية في لبنان منذ بداية السبعينات.
يعرّف واكيم السياسة في مقدمة كتابه بانها أحجية واسرار ومؤامرات متناسلة، والسياسة ايضاً في مواضع اخرى من الكتاب اخبار صالونات وروايات محبوكة. اما تفسيره للاحداث وربطها فخاضعان لتأويلات "عروبية" أثبتت الاحداث عمقها. ففي تعداده للتحولات التي شهدتها المنطقة العربية منذ العام 1970 يقول واكيم: "طرد قيادة الثورة الفلسطينية من الاردن في ايلول 1970 مع ما يعنيه هذا الطرد من اقتلاع لهذه القيادة من الوسط الفلسطيني وتحريرها من جماهيرها... ووجدت هذه القيادة في لبنان ارضية تمثلت بتعاطف الشعبين اللبناني والفلسطيني معها لاستكمال نضالها المسلح الذي تواصل". وطبعاً يشي هذا الكلام بان صاحبه لم يجرِ اي مراجعة فعلية لتجربة منظمة التحرير في لبنان ودورها في اشعال فتيل الحرب فيه. وهو ما زال مقيم على اقتناعه بضرورة تحوّل لبنان قاعدة للعمل الفلسطيني، وسيكمل هذا المنطق ليسيطر على مساحة المقدمة السياسية كلها، وهي تتجاوز ال60 صفحة. ففي كل مرة تطل المشاريع الاسرائىلية - الاميركية على لبنان والمنطقة، ثم تجهض محاولاتها. فاخراج منظمة التحرير من الاردن بمساعدة اميركية - اسرائىلية، أجهض بان حلت المنظمة في ارض لبنان وفي مجتمعه، ثم جاء اتفاق كمب ديفيد ليواجه ب "الميثاق القومي" السوري - العراقي، الى ان انتهى الامر بالاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، ووصول الجيش الاسرائىلي الى بيروت وانتخاب رئيس الجمهورية بشير الجميل ثم أمين الجميل. وهنا يعرض واكيم آلية اجهاض نتائج الاجتياح الاسرائىلي للبنان من جانب سورية والاتحاد السوفياتي، وقوى المعارضة اللبنانية، عبر حرب الجبل وانتفاضة 6 شباط 1984، والحرب التي شنت على مواقع القوات المتعددة الجنسيات في لبنان، وكان من نتائج هذه الحروب والانتفاضات ان انسحبت اسرائيل الى منطقة الشريط الحدودي المحتل، وانهزم الجيش اللبناني و"القوات اللبنانية" في الجبل والضاحية، وطبعاً انسحبت القوات الاميركية والفرنسية من لبنان. وخلال عرضه للاحداث لا يبخل واكيم باشارات لادوار اداها في سياق الحرب على "المشروع الاميركي" في المنطقة والتي انتهت الى هزيمة هذا المشروع. ولكن ما لم يكمله واكيم ان هذه الحرب والانتصارات أكملت طريقها، فانتهت ولاية الرئيس امين الجميل، وسلّم قائد الجيش ميشال عون قصر بعبدا، وكانت حروب "التحرير" و"الالغاء" و"انهاء التمرّد" وجاء اتفاق الطائف لينتصر العنوان الثالث وينهي "التمرّد" بمشاركة الجيش السوري، وسلاح طيرانه وتتابع القوى "الوطنية" و"العروبية" مسيرتها عبر حكومات متلاحقة أشرف الجار السوري على تأليفها، ثم جاء رفيق الحريري بعد انتخابات نيابية عكست في شكل دقيق معنى التغيير الذي احدثته انتصارات القوى التي تضم واكيم.
لم يستمد واكيم أسلوبه من اي تقليد كتابي، فهو عرض وقائع ونزعها من دلالاتها، لا بل ان معلومات كثيرة عرضها في الكتاب ولم تكن لها اي وظيفة في تحديده ملامح شخصية بطله "رفيق الحريري" فيقول مثلاً "هو شاب من صيدا... لم يبلغ من التعليم مرتبة تؤهله للكثير، غادر الى العمل في المملكة العربية السعودية، في تلك الصحراء القاسية، وعمل بأجر لا يكاد يكفيه الا لما يبقيه على رمق الحياة.. تعاطف مع حركة القوميين العرب، وبقي في مرتبة متواضعة...". وهذا العرض لم يوظفه واكيم في حياكة شخصية من يتحدث عنه، اذا اعتبرنا ان الكتابة اعادة تأليف للرواية أو للشخصية. فلا يبقى منه والحال هذه سوى معانيه المباشرة، ولا يفهم من ورود عبارة "تواضع مرتبة الحريري في حركة القوميين العرب" الا ازدراء واكيم لهذا التواضع هو الذي فتحت المواقع القيادية لاحزاب موازية لحركة القوميين العرب أمامه، وأوصله جمهورها الى البرلمان عام 1972. ويفهم منه تنزيه القوميين العرب عن بلورة شخصية الحريري.
وانقطاع اسلوب واكيم عن تقاليد الكتابة، له مظاهر اخرى. ولا يبدو ان للكتابة التحقيقية سوابق عربية يمكن التعويل عليها للمقارنة. ففي عرضه ملف شركة "سوليدير" يقصر واكيم عرضه الفضائح التي يلزمها من دون شك الكثير من التحقيق والتحقق، في سياقٍ مؤامراتي لا تجري الوقائع فيه الا في الكواليس، ولا يمكن غير واكيم بمصادره "المجهولة" لدى معظم اللبنانيين ان يعرضها. ثم ان المعلومات التي يعرضها ليست مادة لاستنتاجات عامة ولتقديم مضمون جديد لمعنى البلد كما يتصوره الحريري. انها فضائح وحسب، حتى انه استبعد في عرضه ملف "سوليدير" عناصر لا تقل فضائحية عن تلك التي عرضها، بل تفوقها، لكن عرض هذه العناصر قد يسيء الى سياق الكتاب، فلم يكترث مثلاً الى تراجع قاعدة المساهمين من مئة وعشرين ألفاً الى ثلاثين ألفاً، ولم يحدد الطبيعة الاجتماعية والسياسية للمتضررين من المشروع.
فكيف لواكيم العروبي ان يعترف بان الانقاض التي قامت عليها "سوليدير" هي انقاض الدولة اللبنانية الاولى، وتجربتها التي يرفضها هو أصلاً، والتي ينضح كتابه بمعانٍ ودلالات تؤكد تأييده موتها هي ومجتمعها. فاليهود بحسبه، وهم من اصل النسيج الاجتماعي الذي كانت تتشكل منه منطقة الوسط التجاري حيث تعمل "سوليدير"، هم مدخل الشركة على الحركة الصهيونية. وهو لا يعترض على قانون السماح للأجانب بتملك أسهم في الشركة الا من باب يقينه بان ذلك سيتيح لليهود لا للاسرائىليين "تملك أسهم والمتاجرة بها، خصوصاً ان العديد من جوازات السفر الاجنبية لا تكشف ما اذا كان حاملها يهودياً"، علماً ان واكيم من الداعين الى الغاء خانة الطائفة والدين عن جوازات السفر وبطاقات الهوية اللبنانية، ولكن يبدو ان دعواه هذه جاءت قبل انتباهه الى هذه المعضلة.
لم يبذل واكيم جهداً يذكر للمقارنة بين المالكين السابقين للوسط التجاري والمالكين المستقبليين، وهو أمر ممكن خصوصاً ان الشركة تعلن أي عملية بيع تجريها، وعلماً ان المقارنة امر ضروري وجوهري للاعتراض على انشاء الشركة وعلى انتقال ملكيتها من جمهور يؤلف نسيجاً اجتماعياً مختلفاً ومفارقاً لما تطمح اليه الشركة. وفي هذا السياق أغفل واكيم اسماء سياسيين لبنانيين وغير لبنانيين مستفيدين مباشرة من مشروع "سوليدير". واكتفى بعرض الواقعة من دون عرض الاسماء، فيقول "ان الحريري طلب من سياسيين ان يشتروا اسهماً بسعر مئة دولار اميركي للسهم الواحد، على ان يبيعوها عندما يرفع السعر". وفي عدم بذله جهداً للمقارنة بين المالكين السابقين واللاحقين، واغفاله اسماء سياسيين دخلوا على خط "سوليدير"، تكمن فكرة اعتراض واكيم على الشركة، وهي فكرة تقوم على التسليم بتغيير المضمون السياسي والاجتماعي لبيروت، والتسليم بانتصار فئة من اللبنانيين على اخرى، في مقابل رفضٍ بتتويج الحريري على رأس هذين الانتصار والتغيير. ومن قرائن قبول واكيم ادوار قوى سياسية اخرى كانت طرفاً أساسياً وشريكة في تقاسم مغانم الوسط التجاري اغفاله فضيحة اخلاءات مهجري وادي ابو جميل في الوسط التجاري، والتي تجلّت بصرف مبالغ خيالية من جانب "سوليدير" للمهجرين المدعومين من حركة "امل" و"حزب الله" والحزب السوري القومي، لاخلاء المنازل التي يحتلونها في هذه المنطقة. فهذه الواقعة ليست مدعاة تساؤل لدى كاتب "الأيادي السود"، لان القول بان اطراف الحرب في لبنان، خصوصاً المنتصرين منهم، هم شركاء "سوليدير" في عملية تغيير معنى المدينة وشكل نسيجها الاجتماعي، قول قد يصيب واكيم نفسه الذي بدأ حياته السياسية على مشارف هذه الحرب وكانت مواقعه في معارجها مشابهة وموازية لمواقع أبطالها.
في الكتاب جهد توثيقي يسمح لقارىء لا يثيره البعد البوليسي والمؤامراتي للكتاب، يتقصى حقائق قد يكون ضمها في كتاب واحد سابقة وفرصة، خصوصاً ان من الواضح ان لواكيم "سطوة" وإمكانات لا يملكها غيره في مجال "تجميع المعلومات" والحصول على "الملفات". وربط البعض بين إمكانات واكيم هذه وتوقيت نشر الكتاب قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع، وقبل مجموعة اجراءات سياسية واعلامية واثناءها وبعدها، طاولت رئيس الحكومة في حينه رفيق الحريري وتوّجت باقصائه. لكن هذا لا ينفي ان الملفات "السود" التي نشرها هي ملفات سود وان اختلفنا على مصدر سوادها ومدى كثافته.
وفي الكتاب آلاف التهم والمعلومات التي تطاول سياسيين من مختلف الاحجام، قد يعلم هؤلاء أو لا يعلمون انها اذا بقيت من دون ايضاحات وردود منهم فسيتحول الكتاب وثيقة، خصوصاً ان الردود على الكتاب ما زالت الى اليوم قليلة جداً، كرد القاضي بشير دادنجي الذي اتهمه واكيم بانه انحاز الى الحريري اثناء تخمينه عقارات في منطقة عمل مؤسسة "أليسار" لإعادة تأهيل ساحل المتن الجنوبي، فرفع دادنجي بلاغاً الى النيابة العامة طلب منها احالة الكتاب على التحقيق. كذلك ردّ النائب السابق محمد قباني الذي قال واكيم في كتابه انه يرتبط بعلاقات مالية بالحريري وان الحريري اشترى من انسباء قباني، آل بوجي، عقاراً في رأس بيروت، فأكد قباني ان العقار المذكور لا يزال ملكاً لانسبائه، وانه على استعداد لرفع السرية المصرفية عن حساباته وحسابات عائلته لتبيان الحقائق. ولفت قباني في رده الى انه ترشح في الانتخابات النيابية الاخيرة على لائحة رئيس الحكومة الحالي سليم الحص في حين كانت لائحة الحريري مفتوحة له لو رغب في ذلك وهو دفع ثمن عدم رغبته في التحالف مع الحريري نيابته ثمناً.
وثمة رأيان يفسران عدم اقدام الحريري وكل من تعرض الكتاب لهم على رفع دعوى قضائية للتحقيق في اقوال واكيم. الأول يؤكد ان فتح ملف الكتاب قضائياً قد يطاول واكيم طبعاً لكنه سيؤدي الى فتح ملفات سيغرق فيها الكثيرون من الذين تعرّض لهم، خصوصاً ان في الكتاب حقائق لا تقبل الدحض. اما الرأي الثاني فيقول ان الحريري يميل الى عدم السجال في هذا الموضوع، ولا يرغب في ان يتحوّل نقل الكتاب الى القضاء مناسبة لاعادة اثارة مواضيعه في كل جلسة تحقيق ومحاكمة.
وعلى رغم اتهام الكاتب بعدم نشر وثائق كافية لتأكيد اتهاماته للمسؤولين، فان الكثير من الاخبار الموثقة التي تضمنها الكتاب بقيت من دون ردود، كجردة بالاسماء والارقام لمجموعة عقارات تمّ اخلاؤها في مناطق مختلفة من بيروت، تملكها عائلات بيروتية خصصت لها بلايين الليرات من الصندوق المركزي للمهجرين، كتعويضات اضافية لمالكيها، قبل الانتخابات البلدية الاخيرة بأيام. وفي الكتاب ايضاً جردة بالشركات العقارية التي يقول واكيم ان ملكيتها تعود الى الحريري وعددها 43 شركة، سمّى واكيم اعضاء مجالس ادارتها ومدى قربهم وقرابتهم من الحريري، وحكاية الهاتف الخليوي والارباح التي تحققها هذه الشركات التي احتكرت العمل في هذا القطاع. وفيه ايضاً أقوال منسوبة الى مسؤولين في الادارات العامة لم ينفها هؤلاء على رغم مرور أكثر من شهرين على صدور الكتاب، كأن ينقل عن لسان رئيس مجلس ادارة كهرباء لبنان مارون أسمر ان الاهدار في مؤسسة الكهرباء جاوز ال600 مليون دولار، وان هذه المؤسسة لا قعر لها، وأورد في هذا السياق تصريح لوزير الدفاع محسن دلول يتحدث فيه عن صفقات مشبوهة وتلزيمات ومشتريات في مؤسسة كهرباء لبنان.
في فصله الاخير "الرئاسة الأولى وهواجس الحريري" الذي يتّهم فيه واكيم رئيس الحكومة السابق بالسعي الى ان يكون لاعباً مؤثراً في انتخابات الرئاسة الأولى، اسوة بلاعبيها "الكبار" السوري والأميركي، وعلى رغم ما يحمله هذا الكلام من مبالغة ومجازفة، لم ينتبه واكيم الى ان في كلامه تسليماً بالدورين السوري والاميركي ورفضاً للدور الداخلي في اختيار رئيس الجمهورية. ويختم واكيم كتابه من حيث بدأ، فيعرض محضر لقاء بين الحريري والمطران بشارة الراعي، يشتكي فيه الاخير من الاوضاع العامة. فيعيد الحريري سبب الشكوى الى منع السوريين له من العمل بحرية وابقائهم للميليشيات في السلطة. ويخرج للمرة الألف الكتاب من سوية الكتابة الى مآرب شفوية فالتشكيك بسورية السياسي في لبنان سلاح حاد الا انه يفتقد الى النزاهة التي تدعيها الكتابة. انه جزء من لغوٍ وتهويل يشبه الى حد كبير ما في تلك الدول التي تُنزع فيها مواطنية المواطن منه وربما روحه، بسبب التشكيك في ولائه للقائد. وهذا التشكيك هو مدار "السياسة" و"العمل السياسي" في لبنان اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.