لم يكن الرئيس ال36 للولايات المتحدة الأميركية ليندون جونسون مبالغاً حين قال: «من على المكتب الذي أجلس عليه تعلمت أن الحل لجميع مشكلاتنا ومشكلات العالم تكمن في كلمة واحدة هي التعليم»، وذلك لما للتعليم من دور أساسي وتأثير كبير في تطور الشعوب وتنمية المجتمعات، وكما هو معلوم فإن من أهم المحاور الرئيسة التي تلعب دوراً كبيراً في العملية التعليمية المناهج الدراسية، وهذه القضية، وهي قضية المناهج الدراسية ومحتواها وما تتضمنه، هي من أكثر القضايا لدينا التي حظيت بمساحات مختلفة ومتنوعة من السجال والجدال، وذلك على مدى سنوات وسنوات، ولا تزال حتى اللحظة هي القضية المتجددة من حين لآخر. في الأسبوع الماضي فاجأت صحيفة «الحياة» قراءها بمفاجآت تضمنها أحد المناهج الدراسية في نظام المقررات الجديد للمرحلة الثانوية والمعروف بالتعليم الثانوي المطور، والمطبق حالياً في قرابة 322 مدرسة ثانوية على مستوى المملكة، وهو منهج مادة الحديث، إذ تضمن المنهج المذكور جملة من العناوين والأفكار التي كانت مثار جدل كبير واستياء بين عدد من الإعلاميين والتربويين، وبرزت تلك الانتقادات وبشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» وغيره، ولقد كانت من العناوين والأفكار المستفزة للكثيرين ما يتعلق بالدرس المتعلق بالابتعاث وأحكامه وأخطاره وأثره على الطلاب المبتعثين في زعزعة معتقداتهم ومسخ هوياتهم والحكم الاستباقي على معظم من يذهبون للدراسة في بلاد الغرب، إذ أشار المقرر في «ص 228» ما نصه «إن للابتعاث إلى الدول غير المسلمة مخاطر على الطلاب المبتعثين في عقائدهم وأخلاقهم ومفاهيمهم، ولعل من أبرز تلك الأخطار: أن الطالب يذهب إلى مجتمع يقوم نظام الحياة على أساس تنحية الدين جانباً، فيرى في هذا المجتمع ما يبهره من مظاهر التقدم والنظام فيكون في حال نفسية تؤهله للافتتان بتلك المجتمعات وقيمها بمنطلقاتها العقدية والفكرية، وأن وجود المرء في مجتمع منحرف في قيمه وسلوكياته يجعله يتأثر بهذا المجتمع، ونسبة الذين يسلمون من هذا التأثير نسبة قليلة، وأن طوائف ممن ذهبوا لنقل العلم عادوا بمسخ من الأخلاق والانسلاخ من الدين وازدراء المجتمع، بل رجع كثير منهم مشبعين بروح الغرب يتنفسون رئته ويفكرون بعقله، فأصبحوا وبالاً على مجتمعاتهم». إن عنصر المفاجأة والاستغراب من هذا التوجيه والتحذير في المنهج الدراسي الموجه للطالب من خطورة الابتعاث للدراسة في الخارج يكمن ابتداءً في تصادمه وتناقضه لأهم المشاريع التنموية في بلادنا، وهو مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي بدأ في عام 1426ه واستمر لخمسة أعوام متتالية، ونظراً إلى النجاح الملموس الذي تحقق منه أمر خادم الحرمين بإطلاق المرحلة الثانية لتحقيق طموحات وتطلعات الشباب والفتيات، وقد بلغ عدد المستفيدين من برنامج الابتعاث حتى الآن أكثر من 100 ألف طالب وطالبة، وكذلك أن ما ذكره المنهج تضمن إساءة بالغة للطلاب والطالبات المبتعثين للدراسة في بلاد الغرب بزعمه أن القليل ممن يعود ممن يسلم من التأثر بقيم ومعتقدات الغرب وأن كثيرين يعودون وهم وبال على مجتمعاتهم، بل إن هذا الحكم الاستباقي قبل أن يكون مسيئاً للمبتعثين الذين يدرسون بالخارج تضمن إساءة أكثر للقيم والمفاهيم والعادات التي نشأوا عليها في مجتمعهم على مدى سنوات وللثقافة التي نهلوا منها وتعلموها في مدارسهم، فإذا كانت هذه الثقافة التي تخاف على نفسها وعلى أبنائها بهذه الصورة والمقدار، وهي تحمل كل هذه الهشاشة والخوف والرعب من التأثر والتغيير، هي ثقافة غير جديرة وغير قادرة على المنافسة مع الثقافات الأخرى، فقوة واستمرار الثقافة إنما ينبعان من قدرتها على التعايش مع الثقافات الأخرى مع احتفاظها بسماتها! وفي المقابل لم نجد الدرس المذكور يتطرق إلى ذكر وتعداد الفوائد العائدة من الابتعاث للدراسة في الخارج على الطالب والطالبة، كتعوديهم الاعتماد على الذات وبناء شخصية عصامية والتعرف على خبرات جديدة وزيادة تفاعلهم بصورة عملية وواقعية مع الثقافات الأخرى وتوسيع مداركهم الثقافية ورفع مهاراتهم التحليلية والحوارية، إضافة لما يمثله الابتعاث من قيمة علمية ستضاف لهم وتنعكس إيجاباً على أدائهم العلمي في أي مجال يختارونه وهذا كله لا ينفي وجود بعض السلبيات ولكننا وكلما استطعنا تحقيق مزيد من الإيجابيات وتكثيرها وتقليل ومعالجة السلبيات وتحجيمها نكون قد نجحنا في الاستفادة القصوى من هذا البرنامج الطموح. ومن العناوين المثيرة التي تطرق إليها المنهج هو الحديث عن قضية التغريب، ويبدو أن قدرنا الإلهي ألا يمر أي تطوير أو تنمية دنيوية أو تحديث أو اعتراف بالمعاهدات الدولية إلا عبر بوابة الوصم بالتغريب أولاً، فالجدال والسجال الطويل حوله قد انتقل حتى إلى مناهجنا التعليمية، إذ ذكر المنهج الدراسي أهم أدوات التغريب «ص 269» التي منها: السياسية، وذلك من خلال ضغوط سياسية تمارسها القوى المهيمنة بواسطة أدواتها كمجلس الأمن وهيئة الأممالمتحدة ولجانها المتعددة تحت تسميات عدة كالإصلاح والديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، خصوصاً ما يتعلق بحقوق المرأة والأقليات، معتبراً مثل تلك المنتوجات والمفاهيم المعاصرة من الأدوات التغريبية، ولم يفت المنهج الإشارة إلى دور الإعلام وبلغة عمومية وشمولية في ذلك بقوله ص 269: «تعد وسائل الإعلام وبمختلف أنواعها من صحافة وقنوات فضائية، أبرز أدوات التغريب وأخطرها، فقد وظف كثير منها للدعاية الغربية والترويج لها»، ويشير أيضاً في ص 224 إلى «أن الشباب المسلم يتعرض اليوم لهجمة شرسة بأشكال وأساليب متنوعة من خلال منابر ثقافية وإعلامية تتعاون مع أعداء الإسلام في ترويج الأفكار المنحرفة «فيبالغ المنهج في تصوير واقع تلك الأدوات الإعلامية ودورها وخطرها بطريقة تُحدث إرباكاً في التوازن النفسي للطالب ويجعله يعيش في أجواء من المؤامرة المتوهمة! إن إيرادنا وذكرنا لمثل هذه الملاحظات النقدية على المنهج المذكور ما هو إلا من أجل إعادة النظر والتمحيص في القضايا المشار إليها وغربلتها بشكل يخدم ويسهم في مصلحة الطالب التعليمية، وكلنا أمل في وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله الحريص على تطوير التعليم لدينا، ونائبه فيصل بن معمر في سرعة المبادرة بدرس الموضوع وإيجاد الحلول المناسبة، وقد أشار نائب وزير التربية في تصريح له مطلع العام الدراسي الحالي إلى «أن الرأي والنقد هو عامل مهم في تصحيح الاتجاهات ومراجعة المواقف من أجل الصالح العام، وأن كل ما يكتب ويقال ويناقش في وسائل الإعلام وغيرها ممّا له علاقة بالعمل التربوي والتعليمي للإفادة منه أو تصحيحه يحظى بالاهتمام والمتابعة». * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @ hasansalm