تمتلئ شوارع القدس هذه الأيام بالسياح عشية حلول الاعياد الدينية ومع اقتراب السنة الميلادية الجديدة واقتراب الالفية الثانية لمولد السيد المسيح. غير ان ذلك لا يعني الكثير للمواطنين العرب في المدينة من الناحية التجارية. وأدت السياسات الاسرائيلية المتعاقبة الى احتكار السياحة في المدينة المقدسة في شكل كلي ان على الصعيد الاقتصادي او على الصعيد الثقافي. وتستخدم اسرائيل الهدايا وبطاقات المعايدة والطوابع والادبيات والخرائط لتثبيت ادعاءاتها حول حقها التاريخي في المدينة المقدسة كمدينة يهودية تاريخية لا تقسم. وفي مقابل الصناعة السياحية الاسرائيلية المتطورة، التي تشكل مورداً اساسياً اسرائيلياً يقارب الثلاثة بلايين دولار سنوياً، تعاني الجهود المبذولة للنهوض بالسياحة الفلسطينية من عقبات جمة اهمها مقاومة القطاع السياحي الاسرائيلي العنيفة لمحاولة الفلسطينيين الحصول على حصة حتى في مناطقهم، اضافة الى البنية الضعيفة لمرافق الخدمات. وأشارت دراسة محلية الشهر الجاري حول "السياحة في القدس الشريف"، الى انخفاض عدد الفنادق في المدينة المقدسة ليصل الى 32 فندقاً، اضافة الى تقلص عدد الغرف الفندقية الى نحو ألفي غرفة، وبمعدل 61 غرفة في كل فندق يراوح تصنيف غالبيتها بين 2 و3 نجوم. ويرد جميع السياح القادمين الى الأراضي الفلسطينية من خلال موانئ اسرائيلية او معابر تتحكم بها اسرائيل، وبوسائط نقل اسرائيلية، كما ان شركات السياحة والنقل السياحي التي تستفيد من السياحة هي في معظمها اسرائيلية. وحسب تقديرات غير رسمية، فان السياح الذين يزورون القدس والذين يقارب عددهم مليوني سائح، يصل 80 في المئة منهم الى القدسالشرقية، وحسب التقديرات هذه، فان ثلاثة الى اربعة ملايين سائح، سيزورون المنطقة العام الألفين. وتراجع قطاع السياحة في الأراضي الفلسطينية منذ 1967، وبات اسهامه في الاقتصاد الوطني الحالي لا يشكل اكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو عاجز عن توظيف اكثر من واحد في المئة من العمالة. وعلى رغم ازدياد عدد السياح في السنوات الاخيرة، وبتجاوزه المليون سائح في 1996، الا ان ايراد الاقتصاد الوطني من السياحة بلغ 151 مليون دولار فقط، بينما بلغت في اسرائيل 2.8 بليون دولار. كذلك تراجع حجم السياحة الفلسطينية وتقلص عدد الأدلاء السياحيين من 207 الى 70 دليلاً سياحياً في 1990، ونقص عدد وكالات السياحة من 47 الى 32 وكالة. وترتب على تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، هبوط مستويات الأداء وضعف تطوير القوى البشرية العاملة في السياحة في مجال التدريب والتأهيل والتعليم المكثف والعاجل في الفندقة، ومكاتب السياحة واعداد الدليل السياحي. وانخفضت جهود تنمية الصناعات والحرف السياحية التقليدية ورفع مستوياتها وتسهيل تسويقها داخلياً وخارجياً. كما تناقضت مصادر الاستدانة للانفاق الاستثماري في ظل ارتفاع نسبة الفوائد ما انعكس سلباً على اسعار الخدمات وارتفاع الكلفة وضعف المنافسة. وزادت انشطة الشركات المتعددة الجنسية الدولية التي تطرح نفسها في السوق المحلية على حساب الشركات والمؤسسات الاستثمارية المحلية، اضافة الى نقص الكفاءة الفنية والخبرة المتخصصة في فعاليات القطاع الخاص السياحي المختلفة. والحاجة الى قدرة ادارية وتنظيمية وتكنولوجيا عاجلة لتطوير الخدمات والكفاءات. ومن المشاكل السياحية في القدس ضعف السعة الفندقية الأساسية والتكميلية المتنوعة، وضعف الاستثمار السياحي المقدسي في المشاريع السياحية الايوائية والاطعامية، وقلة الامكانات المادية والتحويلية التسويقية والترويجية، وضعف مستوى اوضاع العمالة السياحية، والنواحي الترفيهية وجوانب الحياة الليلية التي يتطلبها السائح. وتقترح الجهات الفلسطينية القائمة على القطاع السياحي التوسع في عمليات التدريب والتعليم والتأهيل المهني والسياحي، ووضع هيكلية تهتم بالقدس كبوابة لبيت لحم والسياحة الفلسطينية في اطار برامج "بيت لحم 2000"، وطرح القدس اعلامياً وسياحياً وتسويقياً كمدينة آمنة ومرحبة بالسياح رداً على الدعايات المغرضة، وتأمين المواد الاعلامية السياحية الفلسطينية المضمون والمحتوى والمعنى. كما تقترح وضع خطة تنموية سياحية لجميع القطاعات والمرافق السياحية المقدسية، والاهتمام العاجل والسريع باستخدامات السياحة للآثار والتراث في المدينة المقدسة والعناية بالمحافظة عليها وترميمها ودعم الفاعليات السياحية بالحوافز التشجيعية. وتنصب الجهود الفلسطينية على انجاح "بيت لحم 2000" الذي اصبح حقيقة وأحد اهم احتفالات العالم بقدوم الالفية الثالثة على رغم العقبات الاسرائيلية كما قال متري ابو عيطه وزير السياحة الفلسطيني لپ"الحياة". ويرسم ابو عيطة صورة اقل قتامة، اذ تحدث عن "اشغال الفنادق الفلسطينية بنسبة مئة في المئة اضافة الى البدء عملياً في بناء مشاريع في اريحا ومناطق قريبة من القدسالمدينة المقدسة التي تحظى بالاهتمام الكامل". وقال ان "هناك عقبات صعبة تحتاج مزيداً من الوقت والمال". وتحدث عن التركيز الاسرائيلي الشديد على القدس وتشجيع اسرائيل المؤسسات المالية اليهودية وغيرها على الاستثمار في قطاعات العقار والسياحة والخدمات والترفيه في الوقت نفسه الذي لا تستطيع المؤسسات الفلسطينية المنافسة في شكل حر. وعلى رغم هذه العوامل السالبة رأى الوزير "بعض المؤشرات الايجابية التي اظهرها تدفق بعض المستثمرين" وحض على نحو خاص "المستثمرين العرب على البحث عن موضع قدم وأكثر في المدينة المقدسة"