لم يكن احد من الحاضرين متوقعاً ان يرى خريجين بلغوا من العمر عتياً، او انهم سيكرمون بعدما تقاعدوا. ولكن ان يأتي التكريم متأخراً خير من الاّ يأتي، ربما، انطلاقاً من هذه المقولة، ولإضفاء طابع مميز، أراد القيمون على جمعية خريجي الجامعة الاميركية ان يكرموا زملاءهم القدامى، الاحياء منهم والمقيمين في لبنان، لمناسبة اليوبيل الماسي 75 عاماً على تأسيسها. حين رفعت الستارة، في قصر اليونيسكو حيث أقيم احتفال التكريم لخريجي الاعوام من 1925 الى 1963، كان المشهد جميلاً ونادراً ندرة المتعلمين في ذاك الزمن اذ بدا الخريجون القدامى 52 خريجاً جالسين وثقل الاعوام بادٍ عليهم. اشتعلت رؤوسهم شيباً او لم يبقَ عليها شعر، ووضعوا نظارات أو توكأوا على عصي، وأصبحوا قليلي السمع اذ لم يكن معظمهم يسمع اسمه حين يتلى او ينتبه الا عندما يدنو منه رئيس الجمعية محمد المشنوق، او من يعاونه، ليعطيه "نيشان" التكريم ويتركه يتصارع معه ليعلقه على صدره. لكن الخريجين، على حالهم وكبرهم، لا تزال ذاكراتهم متقدة. ومعظمهم تبوّأ في عزّه مراكز مهمة في ميادين السياسة والطب والادارة والصحافة، وكان بينهم الوزير السابق الصحافي غسان التويني وهو من خريجي العام 1945. واذا كان بعضهم بلغ شهرة واصبح معروفاً فبعضهم الآخر ظل يعمل بصمت، واستغرق البحث عن هؤلاء الخريجين نحواً من ثلاثة اشهر على ما اوضح ل "الحياة" مسؤول العلاقات في الجمعية فواز المرعبي. ينادى عليهم جميعاً ويمنحون النياشين، ثم على انغام الموسيقى الكلاسيكية وغناء اوبرالي بصوت رخيم تؤديه، حياً، احدى خريجات كلية الهندسة، يخلي الخريجون القدامى المسرح ليحل محلهم خريجو العام 197368 خريجاً ليكرموا ايضاً لمناسبة اليوبيل الفضي لتخرجهم. واثناء الاحتفال ألقيت كلمات عدة وعزفت موسيقى غربية وشرقية على "العود" من تلامذة الكونسرفاتوار الوطني، وعرض فيلم وثائقي عن تاريخ الجمعية منذ تأسست في العام 1923 وتاريخ الجامعة عموماً وصولاً الى الامس القريب. كل هذا اعاد انبعاث الذاكرة لدى القدامى الذين كانت "الحياة" تبحث عنهم. وهم الذين كانوا قبل قليل محط انظار الحاضرين ومحور اهتمامهم والذين لم يكونوا متوقعين ان يكرموا بعد هذا العمر اذ "لم تكن ثمة عادة في ذلك" على ما قال حليم نجار 95 عاماً اكبرهم سناً واقدمهم تخرجاً. ويهمس بصوت خفيض وبشموخ اللبناني القديم، بسماته وشاربيه المجدولين اللذين مال بياضهما الى الاصفرار، انه تخرج في العام 1925 وتخصص في البيولوجيا وفي الزراعة في ما بعد، وعمل استاذاً في الجامعة ومديراً عاماً لوزارة الزراعة وفي منظمة "الفاو". وعن تكريمة يقول "هذه حركة كويسة.. جيت لشوف اصحابي ورفاقي ما لقيت حدا منهم". وهو يذهب كل يوم الى الجامعة ليمشي، ويعمل الآن على تأليف الكتب وآخرها سيصدر بعد اسبوعين عن "تحسين النسل". اما شارل ابو شعر 85 عاماً فتخرج في العام 1936 في كلية الصيدلة وعمل في الجامعة استاذاً مدة 40 عاماً وتقاعد في العام 1985. ولا يزال حتى اليوم يأسف لان "الجامعة اقفلت فرع الصيدلة في العام 1978 في حين ان هناك اقبالاً على هذا التخصص وهناك حاجة الى تخريج صيادلة". ويقول "نأمل ان تستدرك الجامعة هذه المسألة". ويعتبر أبو شعر التكريم اشارة "حلوة" منهم ليتذكروا خريجيهم واعترافاً بالجميل للذين خدموا كل هذه السنوات. اما الدكتورة ميّ سعادة نحو 80 عاماً التي تخرجت في الطب العام 1940 فترى ان الاطباء المثاليين يكرمهم الناس ومرضاهم والمجتمع. ولكن ما حصل "كان جميلاً". ولسوء الحظ، تقول، "دخلت التجارة الى الطب". وسُرَّت بلقائها زميلها الدكتور فريد كرم وبصديقتها روضة نجار التي لم تدرس الطب بل "كانت صديقتي في الجامعة حين كنا في عمر ال17". وتوضح انها لا تزال تمارس المهنة الى اليوم حيث تقيم في طرابلس، وانها تنظم الشعر ولها ديوانان: الاول "اوراق العمر" والثاني "لست وحدي". واذا زرتني في طرابلس اهديك نسخة من الديوان الثاني اما الاول فلا، لانه نفد". والتكريم هذا كان للبنانيين فقط لان غير اللبنانيين سيكرمون العام المقبل. ولكن من نال الجنسية اللبنانية اخيراً وتخرج قبل نحو خمسين عاماً كان محظوظاً وكرم مع اللبنانيين كما حصل مع عبود السيادة 75 الذي يدعو بطول العمر لمن منحه الجنسية. لم ير السيادة احداً من زملائه ولم يعرف احداً من المكرمين الموجودين لأن زملاءه كانوا عراقيين واردنيين وسوريين جاءوا مثله الى لبنان. وهو جاء من حلب في العام 1946 وتخرج بعد عامين في ادارة الاعمال وعمل مديراً في شركة "موبيل" في حلب ثم في دمشق ثم في بيروت حيث تملّك منزلاً وتزوّج واستقر وعمل في احدى الشركات المحلية، ونال اخيراً الجنسية اللبنانية