الوصول الى السماء طموح مهندسي العمارة المزمن. وميثولوجيا ناطحات السحاب ربما بدأت مع برج بابل لتجد تطبيقها الاول في كاتدرائيات أوروبا القروسطية التي بلغ طول بعضها 500 قدم. هذه كانت، في وقتها، انجازات استهلكت التقنيات المتوافرة حتى رمَقها الأخير. بعد ذلك ظهرت موجة ناطحات السحاب التي نعرفها اليوم، لا سيما في المدن الاميركية، والتي تجاوز ارتفاعها مئات الأقدام. الآن هناك موجة جديدة تعم معظم مدن الأرض لبناء المزيد من الناطحات التي تفوق سابقاتها علواً. فميلبورن بأستراليا تتباهى ببنائها أطول بناية للمكاتب في العالم، وبرمنغهام البريطانية تحلم بأطول قبة، وثمة مشاريع اخرى تتوزع بين ايطاليا وماليزيا وغيرهما. مع هذا فالسؤال القديم الذي يعيد بعض المثقفين ومهندسي العمارة طرحه هو التالي: "أما وأننا برهنا على قدرتنا على أن نبني بالطول الذي نبغي، فلماذا نمضي في هذا البناء؟". فالسبب الاول لبنائنا ناطحات السحاب هو اثبات القدرة على ذلك. لقد بدأت الناطحات المعروفة أواخر القرن التاسع عشر في نيويورك وشيكاغو، وتضافرت أُطُر الصلب والفولاذ مع مصاعد أوتيس لتمكّن مهندسي العمارة من الذهاب في العلو الذي يرغبون. وفي غضون 20 عاماً تجاوزت ناطحة السحاب الاميركية الالف قدم، وبانقضاء 30 سنة أخرى وصلت الى 1500، وهكذا دواليك. لكن ناطحة السحاب ظلت، مع هذا، تنم عن سياسات اقتصادية فجة وسياسات مدينية لا تقل فجاجة. فالشركات الكبرى التي بنتها، او اقامت فيها، ارادت تحويلها اعلاناً مُضخّما لا يمكن ان تخطئه العين. وهي بالنسبة الى السلطات المدينية رموز فاعلة ومؤثرة وقضيبية الرمز على الطموح المديني. ومؤخراً ومع نشأة المدن كهويات يضعها الكثيرون في مقابل الأوطان "نحن نعيش عالماً من مدن"، بدأت ناطحات السحاب تتحول موضوع تباهٍ وتنافس بين مدن البلد الواحد، مع ما يستجره ذلك من مطالبة أصحاب الرساميل بأنْ "وظّفوا واستثمروا عندنا لا عندهم". هذا كله لا يلغي بُعد الناطحات عن القلب وكلفتها بالطاقة ولاديموقراطيتها، فضلاً عن أن زهوها في نهارات المدن لا يمنع تحولها في الليل الى اضافات ضخمة ميّتة ومنطفئة تثقل على صدر المدينة كما وحشٌ معتم يحدّق من شاهق بأطفال نائمين. لهذا كله تتأهّب قطاعات متعاظمة من مثقفي المدن الموعودة بالناطحات، او التي تثقل على صدرها، لتنظيم حملة مضادة