لا يمكن عزل الضربة الأميركية - البريطانية للعراق عما يجري في سياق عملية السلام، مع أنه لا يمكن تجاهل العوامل الأخرى المتعددة المؤثرة في قرار واشنطن شنّ هجماتها. ومن هذه العوامل سعي الرئىس الأميركي بيل كلينتون إلى الهروب من اجتماع مجلس النواب الأميركي من أجل التصويت على محاكمته لعزله بسبب فضيحة مونيكا لوينسكي. بل أن هذه الفضيحة باتت عنصراً من الحسابات في التحركات حول عملية السلام. حين يتصاعد الحديث عنها في واشنطن يستخدمها رئىس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو من أجل التشدد على المسار الفلسطيني والهروب بدوره من الأكثر تطرفاً منه في الإئتلاف الحاكم وتوظيف تشدده لمصلحة بقائه في السلطة. وباتت لعبة لوينسكي واضحة: كلينتون يتساهل مع نتانياهو ويتخلى عن دور الشريك في السلام لمصلحة الشراكة مع إسرائيل في موقفها تأجيل مفاعيل إتفاق أوسلو على المسار الفلسطيني. وفي المقابل يشترك نتانياهو مع كلينتون عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن في تأجيل إستحقاقات صراعه مع الجمهوريين، الذين يتوسلون لوينسكي، لعزله... فيصبح العرب، عند كل محطة من محطات السلام الموعود ضحية الشراكة الأميركية - الإسرائيلية. وهكذا حصل حين عاد كلينتون من زيارته إلى إسرائيل وغزة مسلّماً بالموقف الإسرائيلي الرافض تنفيذ إتفاق واي ريفر. إلا أن كل هذا في كفّة والحرب على العراق في كفّة. ومهما تكن المقدمات التي أدت إلى حرب "عاصفة الصحراء" في العام 1991، فإن نتيجتها كانت تحييد العراق عن عملية السلام التي بدأت بعد أشهر في مؤتمر مدريد، الذي دخله العرب وقد حُسمت منهم القوة السياسية - الإقتصادية والعسكرية التي تمثلها بغداد. ومنذ حينها بدأت تداعيات الوهن العربي، إقتصادياً وسياسياً ترمي بثقلها على عملية السلام نحو المزيد من التنازلات. واليوم، فإن ما يهم إسرائيل وواشنطن ليس التفتيش عن أسلحة الدمار الكيميائي أو البيولوجي في العراق، بمقدار ضرب الجيش العراقي وقدراته العسكرية التي لا يستهان بها على رغم انهزامه العام 1991، والضربة الجديدة هدفها ألا تقوم قائمة لهذا الجيش لسنوات مقبلة، بحيث يجري حسم قوته، من القدرات التفاوضية للعرب على ما تبقى من عملية السلام. وإذا كانت خطيئة إحتلال الكويت من قبل النظام العراقي صنعت لواشنطن إنتصارها، فأن عصر نتانياهو يستدعي المزيد من الإضعاف للمفاوض العربي، ليسلّم بالتنازلات على كل مسارات العملية السلمية، ليس فقط على المسار الفلسطيني، بل على المسارين السوري واللبناني أيضاً. فالولايات المتحدة تريد للتغييرات التي تنويها في المنطقة، أن تحصل بالضغط، وإلا بالسكين، لعل من يعاندون الضغوط يخافون من السكين