ربما تبدو الأرقام خيالية للوهلة الأولى، لكنها أكيدة، واردة في اضبارة المحاكمة بالأسود والأبيض. بليون ونصف البليون دولار استخدمها هوتومو ماندالا بوترا، نجل الجنرال سوهارتو، لانجاز مشروع مات في مهده، هو مشروع انتاج السيارة الاندونيسية التي لم تكن سوى ذريعة لاثراء أسرة الرئيس، حسب قول الجنرال محمد غالب، المدعي العام الأول في استجواب سوهارتو، لكن غالباً مغلوب على أمره على نحو ادعائه أمام الصحافيين الاسبوع الماضي انه لن يتراجع عن احقاق الحق واعطاء العدالة مجالها، "حتى لو وقعت السماء على الأرض". عملياً هناك ضغط قوي، متصاعد ومستمر من قبل الطلاب والفلاحين، خصوصا في جاوا الشرقية وفي جاكارتا نفسها، ما أدى الى مثول سوهارتو أمام القضاء، وقوله في نهاية التحقيق: "لا أحد فوق القانون. لقد اجبت على الأسئلة بوضوح". إلا أن سوهارتو، الذي بدا شريكاً، يدرك تماماً انه ما زال ممسكاً بخيوط اللعبة ما دام الجنرال غالب الذي يستجوبه واحداً من رجاله، ناهيك عن الرئيس الحالي يوسف حبيبي، الذي انتدب غالب للمهمة. المشكلة ان غالب، العسكري المخضرم، يغالب كونه جنرالا بثلاث نجوم، فيما المتهم الماثل أمامه جنرال بخمس. اذن عليه، وحتى اشعار آخر أن يدعوه "سيدي". خلف هذا كله اعتقاد راسخ في الثقافة الجاوانية من جاوا انه لا يجوز وضع الوجوه المكرّسة تحت مجهر الريبة. اضافة الى حيازة سوهارتو شخصياً، بخلاف أفراد أسرته، على قدر كبير من الصورة الأبوية لدى الاندونيسيين عموماً. صحيح ان الفلاحين الذين صودرت أراضيهم شرق جاوا باتوا يحملون العصا المسننة ويهاجمون بها رجال الشرطة في سخط وان الطلاب في حال شبه انتحارية، غير ان المعادلة لا تزال راجحة في كفة الدولة السوهارتية، محمية بالجيش الذي بناه سوهارتو وعيّن ضباطه واحداً واحداً. صحيح ايضاً ان خضوع حبيبي لضغط الطلاب والفلاحين مغامرة أقرب الى المقامرة جعلته يقرر اتهام سوهارتو وأسرته - خصوصاً أسرته - بالفساد واستعمال السلطة لمآرب شخصية ونهب خزينة الدولة. غير أن ساذجاً لا يجهل أن معظم "الأموال الحرام" أصبحت خارج البلاد. وفي حال ازدياد الضغط على سوهارتو وأسرته ما عليهم سوى مغادرة اندونيسيا. لكن المهم في نظر الجيل الاوندونيسي الجديد هو ظهور الحقيقة وتحطيم اسطورة سوهارتو وبدء بناء الديموقراطية. السؤال المطروح الآن: هل يستطيع صنيعة سوهارتو، يوسف حبيبي، طعن صانعه في الظهر من أجل الحفاظ على مركزه. ام تنهار التركيبة كلها ويستولي الجيش على السلطة فيحل حكم الجنرالات، بدل الجنرال، في رابع أكثر دول العالم كثافة بالسكان، كما حصل في بورما؟