تنفست منطقة جنوب شرق آسيا برمتها الصعداء عندما وقّع الرئيس سوهارتو أخيراً عقد العمل بين بلاده والبنك الدولي. وفي هذا العقد من المتوقع أن ينهي الرجل الأول في اندونيسيا سيطرة أسرته على المقاليد الاقتصادية لبلاده لقاء 38 بليون دولار وبرنامج اقتصادي صارم من شأنه إعادة اندونيسيا الى حظيرة الاقتصاد الدولي. ولسوهارتو ستة أولاد: ثلاثة صبيان وثلاث بنات، بكرهم ستي هرديجنتي رحمانا المعروفة باسم توقوت، وهي تملك ثروة تقدر ببليوني دولار وتسيطر على حوالى مئة شركة ومشروع بينها المساهمة في أكبر تجمعات رأس المال والاستثمار. وستفقد توقوت، جرّاء التدابير الجديدة، هيمنتها على انتاج الفحم للوقود، وتجارة القمح، اضافة الى سقوط مشروعها الأخير وهو جباية الضرائب مباشرة على الطرق. الابن الثاني سيجيت هرجوجودانتو الذي يهيمن على عشرين شركة، منها ما يتعلق بانتاج المطاط والمصارف الزراعية، ناهيك عن حصة في مشروع "استرا" الدولي للسيارات قدرها عشرة في المئة، اضافة الى إدارة بري - إكس للمعادن التي أوهمت العالم العام الماضي باكتشاف أكبر منجم للذهب. حتى تبيّن ان ذلك غير صحيح وان الهدف منه اغراء الرساميل الأجنبية للاستثمار ب "التراب بدل التبر". ثروته البالغة اربعمئة مليون دولار، ستكون بعد الاتفاق الجديد قيد التمحيص والتدقيق، كما تدخل مشاريعه السابقة الى الثلاجة حتى إشعار آخر. الابن الثالث بامبانغ تريها تمودجو متورط مالياً في مئة وأربعين شركة بينها التمديدات الالكترونية والاتصالات والإعلام وانتاج السيارات وبناء السفن. تقدر ثروته ببليون ونصف البليون من الدولارات. وسوف يخسر رخصة لاستيراد السكر. الابنة الرابعة ستي هدايتي هاريجادي، المتزوجة من قائد قوات التدخل السريع الجنرال بارابوو ومقدار ثروتها أكثر من عشرين مليون دولار، رأت تجميد مشروعها الضخم باقامة جسر بين سوماترا وشبه الجزيرة الاندونيسية وتأجيل مشروع آخر لبناء مراكز جديدة لتوليد الطاقة. الابن الأصغر هوتومو ماندالا بوترا، المعروف بهوسه في السيارات والسباق، يوزع أعماله على سبعين شركة. ولديه اسهم كبيرة في شركات انتاج السيارات الايطالية مثل لامبورغيني وغيرها. ثروته تقدر بستمئة مليون دولار، لكن مشروعه لانتاج السيارة المحلية بات في خبر كان منذ ما قبل اندلاع الأزمة الأخيرة. الابنة الصغرى ستي هوتامي اندانغ ادينينجسيه المعروفة باسم مامي، ما زالت في الظل، علماً بأن ثروتها تقدر بمئة مليون دولار وسوف تتأثر علاقاتها بعشرين شركة، خصوصاً تلك المشتبكة مع مصالح اخوتها وشقيقتيها. ويذكر الاندونيسيون بكثير من الأسف وبعض التهكم براءة أم البنين والبنات المذكورين اعلاه، وهي اليوم في عداد الراحلين، عندما كانت تتحدث عن أولادها كأنهم مجرد مواطنين مثاليين. صحيح ان سوهارتو وجد نفسه أخيراً بلا خيار. فإما ان يوقع على اتفاق يلغي احتكار أسرته وهيمنتها واستنزافها البلاد، أو ان يعرّض حكمه للانهيار ومئتي مليون اندونيسي للاضطرابات العرقية والعمالية الواسعة. وصحيح أيضاً ان توقيع الاتفاق قد يلجم انهيار الروبية في المستقبل المنظور. غير أن الثمن سيكون نهاية سلالة سوهارتو في مركز السلطة الاندونيسية، ما سيؤدي الى ترك الأبواب مفتوحة أمام احتمالات أقلها خطير وهو سيطرة الجيش، كونه الوحيد القادر على حفظ التماسك الوطني ومن ثم تأجيل المسار الديموقراطي حتى إشعار آخر.