يرى الكاتب محمد الهاشمي الحامدي في مقاله "أما آن للجزائر أن تراجع موقفها عن مشروع الانفصال في الصحراء الغربية؟" صفحة "أفكار" 9/12/1998 أنه من غير المستحسن ان يرفض أي عربي الاستفتاء الأممي في تقرير مصير الصحراء الغربية ما دام المغرب قبل به. غير أنه يتبع هذا بما آثار لديه الدهشة من زيارة الأمين العام كوفي أنان للمنطقة، والتباحث مع زعيم البوليساريو، مقارناً ذلك بتجاهل المنظمة الأممية، وواجباتها تجاه شعوب عربية أخرى كثيرة وغير عربية. ولا أدري ما الذي يدعو الى الدهشة في ذلك، ما دامت الأطراف صاحبة القضية دفعت بها الى التدويل على حساب الحل الاقليمي؟ لا شك أن ما يراه الحامدي من أن المحاولات الدولية تبذل من أجل تقسيم بلد عربي ورسم كيان قطري لا تخلو من الصدقية، غير انها لم تفتعل من الخارج، وإنما جاءت نتيجة فشل من حكومتي المغرب والجزائر، وهو يعترف بذلك، لكنه يعود ليحمّل الجزائر، أو بالأحرى النظام الجزائري، مسؤولية الدعوة الى الانفصال. وكأن الجزائر كانت حاضرة منذ أن انطلقت الشرارة الأولى ضد الاستعمار الاسباني في الصحراء الغربية، هذا أولاً. وثانياً: يبدو أنه تناسى ما قُدّم الى الجزائر من عروض من طرف المغرب وموريتانيا، لحظة انسحاب اسبانيا من الاقليم، ولو كان الهدف هو العمل من أجل انفصال الصحراء الغربية، لما كانت الدعوات المتتالية لحل هذه المسألة بالحوار بين سكان الصحراء والمغرب. وثالثاً: ان آخر رسالة بعث بها الرئيس الراحل هواري بومدين قبل مرضه بشهر الى العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، تتحدث عن مسألة الوحدة المغربية، مع الاهتمام بقضية تقرير المصير، على اعتبار أن المغرب نفسه لا يريد التصرف خارج القوانين والأعراف الدولية. ما يعني أن القول: إن المجموعات الحاكمة في الجزائر توارثت مقولة الخطر الاستراتيجي، ليست صحيحة بالمرة، للأسباب التاريخية نفسها التي وظفها الحامدي خطأً، ولذلك الدين الكبير للمغرب على الجزائريين، ولخلافات أخرى سياسة تتعلق بمشكلة الحدود. من ناحية أخرى، فإن المقارنات التي يجريها الحامدي بخصوص ما يحدث بين الجزائر والمغرب من جهة وبين الدول الأوروبية من جهة أخرى، غير صائبة، لأنها تتطلب وجود الثقافة السياسية نفسها المطروحة على المستوى العالمي في التعامل مع النزاعات الحدودية. ثم إن القول بأن ما يعرفه سكان المنطقة هو: أن الصحراء المتنازع عليها مغربية، يتطلب منا جيمعاً اعادة قراءة الوثائق التاريخية سواء تلك الخاصة بالسكان الصحراويين، أو الباحثين الغربيين من أسبان وايطاليين وفرنسيين، أو على مستوى أعلى، مراسلات السلاطين المغاربة الى باقي الجهات ومنها الأقليم الصحراوي. أي أن ما يذكره الحامدي هو محاولة للتعميم، وكان منتظراً منا جميعاً كنخب مثقفة في المغرب العربي، أن نتخذ موقفاً حيادياً تجاه الطرفين المتنازعين، منتظرين ما تفسر عنه نتائج الاستفتاء وغير قابلين بعدها الى أي تبريرات يقدمها هذا الطرف او ذاك لتعطيل مسيرة حل المشكلة. والمقارنة التي يجريها الحامدي بخصوص الصحراء الجزائرية عند مفاوضات قادة الثورة الجزائرية مع فرنسا في "اتفاقات ايفيان" وما قبلها، والتي ذهب فيها الى أن "جبهة التحرير الوطني" لم تتخل عنها، وبين الاعتقاد أن "البوليساريو" تسعى الى انفصال من أرض مغربية اصلاً، ويطالب بعدم تدخل الجزائر للمطالبة بالانفصال، أقول إن هذه المقارنة هي مقارنة خاطئة، أولاً لأن الجزائر لم تطالب في أي وقت بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب أو عن المنطقة، بل جبهة "البوليساريو" هي التي تقوم بذلك، وهذه الأخيرة لم تدعمها الجزائر مادياً أو معنوياً في بداية المشكلة، والحامدي يعرف بكل تأكيد من الذي دعمها، مع عدم إنكارنا بأن الجزائر سمحت بمرور معونات عسكرية عبر أراضيها من دولة عربية أخرى. في الوقت ذاته فإن المغرب استعانت بفرنسا في مواجهة "البوليساريو" في حربها. إذن فالأمر لا يتعلق بدعوة الانفصال من الجزائر، وإنما بمشكلة طرحت على الدول المغاربية جميعاً، وعجزت عن حلها، ومن الضروري مساهمتنا جميعاً الآن في حلها. يلاحظ ان الحامدي كان محقاً في قوله "إن أفضل مستفيد من سيادة أجواء الشك والاتهام والخوف بين المغرب والجزائر هي القوى التي لها أطماع ومصالح فيهما معاً..." لكنه حين يعتبر أن "البوليساريو" أعطت عهوداً للجزائر بأن تكون لها عوناً وسنداً ضد جيرانها في المستقبل، فإنه يقيم تحليلاً خاطئاً، لأنه من غير الواقعي ولا المنطقي أن تكون الصحراء الغربية سنداً للجزائر، ثم في ماذا ستحتاجها الجزائر أصلاً؟ بجانب هذا، فإن الحامدي يروّج لشائعة أن اغتيال بوضياف كان بسبب الصحراء الغربية، وهذا غير صحيح لأن بوضياف نفسه لم يتطرق الى المسألة اثناء حكمه، من قريب أو من بعيد. بل على العكس من ذلك، إن المغرب حاولت - حسب تصريحات وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار - ممارسة ضغوط في ما يتعلق بتسليم عبد الحق العيايدة للجزائر، ما قبل تخلي الجزائر عن مساندة الصحراء الغربية. وبغض النظر عن الاختلافات القائمة حول مسألة الصحراء الغربية، وهل هي جزء من المغرب أما انها إقليم منفصل، لا شك أنها وقفت عائقاً أمام تحقيق الاتحاد المغاربي، والتعاون بين دوله، لذلك علينا جميعاً - كنخب مثقفة - أن لا نقبل بمزيد من التعطيل لحقوق شعوب المنطقة، بغض النظر عن ميلنا العاطفي، أو ركوبنا موجة التأييد لهذا الطرف أو ذاك، في وقت لا ينقص المنطقة مزيد من الفتنة. اضافة الى ذلك فإنه لو سلمنا بضرورة ترك المشكلة تُحل في إطارها الدولي، فإن دعوة الحامدي جاءت متأخرة جداً، مثلما تأخرت أطراف النزاع في القبول بالاستفتاء. ويبدو أن هذا التأخر في اتخاذ المواقف - وبعيداً عن مدى صحة الاتهامات من عدمها - هو صناعة عربية في زمن يتطلب السرعة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمشكلة دامت حوالي ربع قرن، وقضت على استقرار المنطقة، ودفعت بدولها الى إحلال الآخر في المنطقة حاكماً ومتصرفاً، ولا نملك إلا أن نقبل بحكمه، ولا نكون - على حد قول الحامدي - ملكيين أكثر من الملك. * صحافي جزائري مقيم في القاهرة.