يرأس عضو الكونغرس اللبناني الاصل راي لحود من ولاية الينوي اليوم الخميس اول جلسة نقاش وتصويت على اجراءات اقالة محتملة لرئىس اميركي منذ 130 سنة. وقد يتصور المرء للوهلة الأولى ان الرئىس بيل كلينتون، الذي يواجه اربعة بنود تتضمن اتهامه بالكذب تحت القسم في شأن علاقته مع مونيكا لوينسكي، سيكون الخاسر الاكبر في عملية تصويت تاريخية كهذه. لكن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب هم الذين سيغامرون، في الواقع، بمستقبل البلاد وبحظوظهم السياسية. ويضم المجلس حالياً 228 جمهورياً و 207 ديموقراطيين ونائباً مستقلاً. ولا يحتاج تمرير مشروع قرار الاتهام وتحويل المسألة الى مجلس الشيوخ سوى 218 صوتاً. واياً تكن نتيجة التصويت اليوم فان احتمال إقالة كلينتون من منصبه ليس وارداً في الواقع لان ذلك سيتطلب تصويت ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 عضو على عزله بعد محاكمة رسمية على نمط محاكمات القرن السابع عشر. ويبدي الديموقراطيون والجمهوريون في مجلس الشيوخ تحفظات حقيقية عن مجرد خوض مثل هذه العملية، ناهيك عن ادانة كلينتون. ويجري الحديث فعلاً عن احتمال لجوء اعضاء المجلس الى اختزال عملية الاقالة والتحرك بسرعة لصرف النظر عن المحاكمة والتصويت بدلاً من ذلك على توجيه توبيخ الى كلينتون، في حال أقر مجلس النواب بغالبية بسيطة بنداً واحداً على الاقل من بنود الاتهام. وهناك 55 جمهورياً و 45 ديموقراطياًَ في مجلس الشيوخ، ويعتقد معظم المراقبين انه ما لم يبرز عنصر إدانة جديد صارخ، سيكون من المستحيل العثور على 67 من اعضاء المجلس مستعدين لاقالة كلينتون. هكذا، تكمن الخطورة في ان الجمهوريين في مجلس النواب، الذين يتوقون الى الحاق المزيد من الأذى بالرئىس لاسباب سياسية، قد يتجاوزون الهدف ولن ينجحوا، في حماستهم ل "التخلص" من كلينتون، الاّ بايقاظ جمهور الناخبين الاميركيين الذي لم يول حتى الآن لهذه المسألة اكتراثاً جدياً. هناك، في الواقع، مؤشرات واضحة الى استياء كبير في اوساط بعض الاميركيين الليبراليين. ومن المقرر ان تجرى اليوم في جوار مبنى الكونغرس تظاهرة كبيرة ضد اجراءات الاقالة، ويشارك في تنظيمها بشكل اساسي اميركيون افارقة ونساء واقليات، بدعم اعضاء ديموقراطيين بارزين في الكونغرس وانصار تقليديين آخرين للحزب الديموقراطي مثل نقابات العمال. ونظراً لان البيت الابيض لن يتمكن من اللجوء الى اساليب الضغط التقليدية، مثل اعطاء وعود في ما يتعلق بالانفاق الحكومي في مناطق معينة وما شابه، فان قدرته على التأثير على تصويت اعضاء الكونغرس ستكون محدودة. وتبعاً لذلك، فان احتمال نجاح الزعامة الجمهورية لمجلس النواب في تمرير مشروع قرار إقالة بفارق ضئيل من الاصوات يبدو كبيراً. ويجادل محللون كثيرون، في الواقع، بان احتمال ان يرفض مجلس الشيوخ حتى مجرد السعي الى إدانة كلينتون سيزيد عملياً ارجحية ان يصوّت مجلس النواب الى جانب اجراء الاقالة. لذلك سيكون التصويت اليوم، حسب هذا التحليل، تصويتاً "حراً" للجمهوريين لالحاق الأذى بكلينتون وجعله الرئىس الثاني الذي يقر مجلس النواب إقالته، من دون الحاجة الى الخوض في محاكمة كلينتون امام مجلس الشيوخ، وهي عملية يتوقع ان تستغرق وقتاً طويلاً وتثير خلافات عميقة، فضلاً عما يترتب عليها من اضرار محتملة. ويعتقد الجمهوريون ان بامكانهم المضي قدماً وإقالة كلينتون من دون ان يلحق بهم الكثير من الاذى سياسياً لان الانتخابات المقبلة لن تجرى قبل سنتين من الآن، وسيكون اهتمام الرأي العام الاميركي آنذاك تحول الى قضايا اخرى. وبذلك يكون الجمهوريون أوفوا بواجبهم الدستوري وفي الوقت نفسه ضمنوا استرضاء يمين الحزب الذي يمقت كلينتون بشدة. وفي محاولة للتأثير على مواقف الجمهوريين، حذرهم بعض موظفي الادارة وديموقراطيون آخرون علناً من رد فعل الشعب الاميركي الذي يريد الاكتفاء بتوبيخ الرئىس وعدم إقالته. واظهرت كل استطلاعات الرأي التي اُجريت منذ تفجر فضيحة مونيكا لوينسكي في كانون الثاني يناير الماضي ان غالبية كبيرة من الاميركيين تؤيد هذا الرأي. وعلى رغم نتائج هذه الاستطلاعات، اكدت الزعامة الحالية والمقبلة لمجلس النواب عزمها على عدم السماح بطرح اي مشروع قرار اليوم بتوجيه توبيخ. وتعهد الديموقراطيون، ومن ضمنهم زعيم الاقلية في المجلس ريتشارد غيبهارت، ان يجدوا وسيلة لاجبار الجمهوريين على ان يواجهوا قضية التوبيخ، على الاقل عبر اجراء تصويت اجرائي، لفرز المعارضين والمؤيدين للفكرة. ويعتقد بعض الخبراء في الاصول البرلمانية ان لدى الديموقراطيين فرصة حقيقية، وإن كانت ضئيلة، للحصول على تصويت فعلي على توجيه توبيخ اذا اعدوا صياغة مناسبة لمشروع قرار برلماني من نوع خاص يُعرف ب "إعادة مشروع قانون الى لجنة". وسيدعو هكذا مشروع قرار الى إعادة النظر في اجراء الاقالة، والاستعاضة عنه بالدعوة الى توجيه توبيخ. وفي مثل هذه الحال، سيتعيّن على رئىس الجلسة عضو الكونغرس لحود ان يطلب المشورة من خبير الاجراءات البرلمانية في المجلس تشارلز جونسون. وفي حال اتفاق جونسون مع الديموقراطيين سيكون من الصعب على لحود ان يتجاوز نصيحته، على رغم انه غير ملزم بها من الناحية الفنية. وحتى اذا قرر لحود ان ليس هناك علاقة وثيقة بين مشروع القرار والنقاش حول اجراء الاقالة، قد يستأنف الديموقراطيون الامر امام جلسة كاملة للمجلس، ليفرضوا بذلك اجراء تصويت على الجانب الاجرائي. ويأمل الديموقراطيون بهذا التصويت الاجرائي ان يجتذبوا ما يكفي من حوالى عشرين من النواب الجمهوريين المعتدلين لكي يقفوا ضد الزعامة الجمهورية ويصوتوا لصالح طرح توجيه توبيخ على التصويت. ويعتقد معظم محللي الاصوات، من الديموقراطيين والجمهوريين، انه في حال طرح مشروع قرار بتوجيه توبيخ على جلسة كاملة لمجلس النواب فان غالبية اعضائه سيصوتون لصالحه، ما سيجعل اجراء الاقالة غير ذي اهمية عملية. وكان آخر رئيس اميركي واجه الاقالة هو ريتشارد نيكسون الذي استقال عام 1974 من منصبه بدل ان يواجه المحاكمة والعزل من منصبه. وقبل نيكسون، اقر مجلس النواب في 1868 الشروع بإقالة الرئىس اندرو جونسون، لكنه تجنب عزله بصوت واحد في مجلس الشيوخ بعد محاكمة استمرت 7 أشهر. ويرى المؤرخون حالياً ان محاولة عزل جونسون لم تكن مبررة وكانت بدوافع حزبية صرف من جانب كونغرس يناصبه العداء ويطمح الى انتزاع السلطة الرئاسية. ومنذ فضيحة "ووترغيت" في عهد نيكسون، واجه كل رئىس اميركي عملية تحقيق جدية. ويشعر الكثير من الخبراء الدستوريين والقانونيين ان الرئاسة اُضعفت على نحو خطير، وانها توشك ان تتلقى ضربة اخرى على ايدي السلطة التشريعية. ويجادل الديموقراطيون حالياً انه اذا صوّت مجلس النواب على إقالة كلينتون بسبب علاقة جنسية غير لائقة، فان الرؤساء الاميركيين سيعيشون في المستقبل في ظل هاجس الخوف الدائم من قدرة الكونغرس على تمويل تحقيقات ضدهم، ما سيقيّد صلاحياتهم. ويرد الجمهوريون بان عدم إقالة كلينتون بعد ادانته بالكذب تحت القسم سيضعف النظام القانوني كله في الولاياتالمتحدة وسيكون سابقة سيئة تعني ان بامكان الرؤساء ان يكذبوا من دون خوف من طائلة العقاب. ربما تكمن الحقيقة في مكان ما بين هذين الرأيين. فقضية المواجهة بين السلطتين الرئاسية والتشريعية تتوقف، في الواقع، بدرجة اكبر على منزلة الرؤساء واعضاء الكونغرس وسماتهم الشخصية، لكن التكهن في شأن المستقبل يخدم على حد سواء دعاة ومناهضي التصويت على الاقالة في الوقت الحاضر