أنهى نتانياهو أمس، في قمة اريز، كل ما فعلته السلطة الفلسطينية لاقناع إسرائيل بتنفيذ الشق المتعلق بها من مذكرة واي ريفر. وما فعلته السلطة في غزة، في حضور الرئيس كلينتون، لجهة التصويت بالاجماع وان برفع الأيدي على الإلغاء والتعديل في الميثاق الوطني، لم يقابله مردود، سوى الشكر الأميركي للحاضرين من قيادات وشخصيات فلسطينية في منطقة الحكم الذاتي. واخرج نتانياهو 12 مطلباً جديداً من الفلسطينيين، على رغم شهادة حسن السلوك الأميركية للسلطة في تنفيذ كل تعهداتها بموجب "واي ريفر"، وربما أكثر. وكان آخرها التصويت في غزة: إسرائيل لن تنسحب ما لم تحصل على ما تعتبره ضمانة بعدم اعلان دولة فلسطينية، وإسرائيل لن تطلق سراح أي معتقل "يداه ملطختان بدم يهودي"، مهما تكن الظروف. في مثل هذا الوضع، ماذا يمكن أن يقدم الفلسطينيون بعد من أجل انقاذ واي ريفر الذي هو، في النهاية، مجرد اتفاق مرحلي؟ وماذا يمكن ان يتخيلوا من مطالب إسرائيلية في حال وصل معهم نتانياهو إلى مرحلة مفاوضات الوضع النهائي؟ في الرسالة التي وجهها الرئيس عرفات إلى كلينتون، والتي صادق علبها اجتماع غزة، تعهد بإلغاء 12 مادة من الميثاق، وتعديل 16 أخرى، أي ما مجموعه 28 مادة من أصل 33 يتضمنها الميثاق التعديل او الالغاء يستثني خمس مواد على حالها، هي في النهاية ما بقي من هذا الميثاق. وهي تتحدث عن الايمان بمبادئ الحرية والسيادة والكرامة الإنسانية ورفض "التدخل والوصاية والتبعية"، واعتماد قَسم وعلم ونشيد، وتشكيل هيئات منظمة التحرير وكيفية تعديل الميثاق، ولا شيء آخر عن الوطن الفلسطيني. أي أن السلطة الفلسطينية تخلت عن المشروع الاستراتيجي الذي وضعته منظمة التحرير من أجل إقامة دولة، في مقابل تحريك اتفاق مرحلي. لكن نتانياهو رفض هذه المقايضة المجحفة، مسجلاً فقط انه يقبل تصويت الفلسطينيين على تخليهم عن مشروعهم. أما الأرض، ناهيك عن السيادة عليها، فتظل للإسرائيليين. وما المطالب ال 12 الاضافية إلا تأكيد السعي الإسرائيلي إلى ربط القرار الفلسطيني بالرغبة الإسرائيلية. في هذا الواقع لم تعد للسلطة الفلسطينية خيارات كثيرة، وإن كانت تجهد لتفسير زيارة كلينتون لغزة بأنها خطوة رمزية للاعتراف بالدولة التي يربط نتانياهو اعلان التخلي عن النية في اقامتها بانسحاب بسيط من الضفة. في مقابل هذا الوضع في مناطق الحكم الذاتي المرشح إلى مزيد من التدهور والعنف، المعرقلين لحركة السلطة ومعارضيها على السواء، لا يعطي الزعماء الفلسطينيون خارج منطقة الحكم الذاتي صورة أكثر اشراقاً. فالذين اجتمعوا في دمشق للاعتراض على السلطة في غزة، بدوا غير قادرين على التقاط عبء ما يجري على المسار الفلسطيني. وأظهر الانقسام في صفوفهم أن ثمة منهم لم يع حقيقة وجود إسرائيل والقبول العربي لهذا الوجود والدفاع الدولي المستميت عنه، وأن ثمة آخرين لم يقدروا أهمية ما حصل منذ اتفاق أوسلو وصولاً إلى الوضع الراهن. فهم اختلفوا وتبادلوا الكلمات القاسية وافترقوا، كل إلى شأنه، من دون أن يعطوا فلسطينيي الشتات والداخل الذين اجتمعوا باسمهم ما يمكن أن يحمل بارقة أمل باحتمال تصحيح، ولو جزئي، في مسار الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي، مثبتين ان لا شيء لديهم يعطونه، تماماً كما السلطة الفلسطينية التي اعطت كل ما تملك.