بدا بنيامين نتانياهو متطرفاً في كل تصريح أدلى به خلال زيارة الرئيس كلينتون، فهو لم يكن معنياً بانقاذ عملية السلام، بل بالانتخابات الاسرائيلية القادمة، لذلك فهو خاطب قاعدته المتطرفة ولم يخاطب الرئيس الاميركي. نتانياهو كرّر مرتين امام ضيفه ان اسرائيل لن تنفذ اتفاق واي اذا لم ينفذ الفلسطينيون التزاماتهم، وهذه كما يراها نتانياهو هي الغاء الفقرات في الميثاق الوطني التي تدعو الى تدمير اسرائيل، ووقف التحريض، والكف عن المطالبة باطلاق السجناء الذين قتلوا اسرائيليين، والامتناع عن اعلان العزم على اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وواضح ان كلا من هذه الشروط يحتاج الى مفاوضات جديدة في مزرعة واي للاتفاق على تنفيذه، لذلك يمكن القول بثقة وقد كتبت هذه السطور قبل ان يغادر كلينتون المنطقة ان الانسحاب الاسرائيلي القادم بموجب اتفاق واي، المفروض ان يتم يوم الجمعة القادم، لن يتم في موعده، وربما لن يتم خلال ولاية حكومة ليكود الحالية. مع ذلك نزيد بالثقة نفسها ان موقف نتانياهو من السلام ليس موقف غالبية الاسرائيليين، فالصغار من هؤلاء قاطعوا خطاب الرئيس الاميركي 25 مرة بالتصفيق، وهو يحث الطرفين على طلب السلام رغم الصعوبات. غير ان نتانياهو لم يسمع تصفيق الصغار، وانما دخل في متاهة لفظية خلاصتها ان كره العرب للاسرائيليين عميق الى درجة انه لو دخل اسرائيلي غزة فالارجح الا يخرج منها حياً. نتانياهو مسؤول عن هذا الكره، فقد كان الطرفان يسيران نحو السلام، من دون ان يقعا في غرام احدهما الآخر، ثم جاء ائتلاف ليكود فأخمد شعلة السلام في المنطقة كلها، ونشر محازبوه من مستوطنين متطرفين وارهابيين وقتلة جواً من الكره الجديد/ القديم، فلم يسر نتانياهو خطوة على طريق السلام الا مرغماً، وهو في كل مرة، انتظر فرصته ليعود الى الوراء خطوتين. وبما انه يفترض من كاتب عربي ان يقول هذا الكلام، فانني اكمل ببعض ما قرأت في الصحف الاسرائيلية خلال اليومين الماضيين: - وأخيراً لقي كلينتون استقبالاً حاراً، الا انه لم يكن من الكونغرس الاميركي او الكنيست بل من منظمة كانت قبل سنوات قليلة ارهابية وترفض الولاياتالمتحدة اي تعامل معها... كلينتون سبب ازعاج لنتانياهو ووزرائه، الا ان الفلسطينيين يرون زيارته مقدمة حلم تحقيق الدولة. - الغالبية العظمى من الاسرائيليين رحبت بزيارة الرئيس الاميركي. الغالبية الصامتة في اسرائيل تتوق الى السلام، وتؤيد زيارة الرئيس في هذا الوقت بالذات هذا الكلام من يعقوب اريز، رئيس تحرير "معاريف" الذي انتقد بعد ذلك سوء أدب الوزراء الاسرائيليين الذين لم يرحبوا بالزيارة. - قال نتانياهو لوزرائه اذا اراد كلينتون ان يأتي فسيأتي، وإذا لم يرد فلن يأتي. وفتح هذا التعليق الباب امام تعليقات وقحة من اعضاء في الحكومة طلبوا من كلينتون ان يبقى في بلاده... - ان الاصوات المعارضة للزيارة التي سمعت من داخل ادارة نتانياهو تدل على ان الوزراء الحكماء ادركوا ان الزيارة الرئاسية وجهد الوساطة قد يفلحا في اعادة عملية السلام الى مسارها، لذلك فقد فضلوا ان يبقى كلينتون في بلاده، فالمعروف ان غالبية الوزراء لم تؤيد اتفاق واي، وتخشى ان تؤدي الزيارة الى احياء الاتفاق. - بقي الميثاق الوطني الفلسطيني نائماً في ارشيف منظمة التحرير الفلسطينية يجمع الغبار، حتى رأى الاسرائيليون ان من المناسب نفخ حياة جديدة فيه. وهناك من يعتقد ان ثمة اهمية تاريخية وتعليمية لالغاء الفقرات التي تدعو الى تدمير اسرائيل، وهناك من يعتقد ان الخلاف على الاتفاق فرصة لتخريب اتفاقات اوسلو. ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يعتقد ان فرصة لضبط سير عملية السلام وقعت في يديه، وهو اذا اراد استعمالها استعملها، واذا لم يرد لا يستعملها... وأخيراً فأمامي خبر اسرائيلي آخر يقول ان وزارة الدفاع الاسرائيلية ستحوّل حصتها من التمويل الاميركي للانسحاب من الأراضي الفلسطينية لزيادة المبلغ المخصص لشراء طائرات مقاتلة جديدة. وكان الرئيس كلينتون وعد اسرائيل بمبلغ 1.2 بليون دولار لتسهيل عملية الانسحاب، حصة وزارة الدفاع منها 400 مليون دولار. ونعرف ان الاسرائيليين ردوا على الرشوة الاميركية بإهانة ضيفهم، كما نعلم ان الانسحاب لا يكلف سوى ثمن البنزين للانتقال من الأراضي الفلسطينية. الا ان الادارة الاميركية التي موّلت الاحتلال الاصلي، وتريد تمويل الانسحاب، تترك مبلغاً لطائرات حربية قد تستخدم في احتلال جديد