ماذا لو أن ما اكتشفه الباحثون في الحضارة المصرية القديمة لا يشكل سوى جزء ضئيل مما تركه الفراعنة، ولا يزال اغلب معالم تلك الحضارة مطموراً تحت رمال الصحراء؟ ذلك ما يعتقده الخبراء، وما اكثرهم في هذا المجال... وهذا الاعتقاد مناسب الى حد ما لاتجاه البحث عن أصل الحضارات القديمة والعلاقة بين معالمها وآثارها الكبرى في مناطق مختلفة من العالم. ولا يمضي شهر من دون ظهور كتب او دراسات عن الموضوع، خصوصاً عن الفراعنة. وأحدثها كتاب "مصر" من تأليف فيفيان ديفيز ورينيه فريدمان، صدر مرافقاً لبرنامج تلفزيوني. هل تتبع هذه الابحاث نموذجاً علمياً محدداً ام هي مجرد انتاج ما يسمى بالعلوم الزائفة التي تستند الى انطباع وتخمين او تقديرات اقرب الى الخيال الميتافيزيقي عن اصل الحضارة المصرية او علاقة الفراعنة بسكان الفضاء، او انهم كانوا قوماً خارقين استخدموا تكنولوجيا لا تزال اسرار بعضها مجهولة؟ لقد تخلى قراء هذا النوع من الكتب عن نتائج البحوث العلمية لأنها لم تشف غليل الماورائيات عندهم، وانعكس بعض من هذا الاتجاه على الكتب التي صدرت حديثاً وتجمع بين عناصر عدة الى درجة ان الانطباع الشخصي يسود في منهجها. كتاب "مصر" يخرج عن النهج السابق بالتركيز على التاريخ والحفريات ومحاولة قراءة خريطة الآثار الفرعونية من خلال ما جدّ من تفسيرات وما تم العثور عليه من القطع. ويعود الكتاب في بحثه الى ما قبل الأسر الفرعونية مستكشفاً علاقة الانسان بالبيئة ونوع النظام الاجتماعي والسياسي في حدود 4500 قبل الميلاد. كما يركز في الفصل الأول على عهد الملك مينا Menes أول ملوك الفراعنة والعلاقة بين مصر العليا والسفلى في عهده. الا ان الكاتبين يعودان الى الأرض، الى الحفريات في محاولة تشخيص نوع الحياة التي عاشها الانسان المصري من خلال القطع الفخارية التي تم الاعتماد عليها كثيراً في قراءة تاريخ الفترة. ومنها قطعة صغيرة عثر عليها الدكتور غونتر دريير من معهد الآثار الألماني في العام 1977 فأعادت تقييم التاريخ الفرعوني، خصوصاً ما يتعلق بالكتابة الهيروغليفية. فقد تبين ان الفراعنة هم أول من استعمل الرموز طريقة للكتابة في العالم، وليس سكان وادي الرافدين. وكان الاعتقاد السابق هو ان المصريين القدماء نقلوها عنهم في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد. وأثبت الاكتشاف ان الفراعنة سبقوا السومريين في استخدام الكتابة بحوالى 150 عاماً. وما أثار الاهتمام ان الهيروغليفية ظهرت متطورة ومتكاملة منذ بدايتها، بخلاف السومرية التي تطورت على مراحل. ما يؤكد ان المصريين اخترعوا نظام الكتابة دفعة واحدة لخدمة الدولة وتنظيم شؤونها، خصوصاً في تدوين الضرائب والقرارات الادارية. ومنها تفرع نوع من الكتابة للتعامل اليومي، في عهد ما يسمى "الأسرة صفر". ويسجل فيفيان ديفيس، الذي يشرف على الآثار المصرية في المتحف البريطاني، في فصل بعنوان "آلة الانبعاث" كيف تفوق المصريون القدماء على الطبيعة في بناء الاهرامات كمكان لتقديم القربان الى الآلهة، تعزيزاً لقوة الملوك وتخليداً لمقامهم وسمعتهم. ويذكر كيف ان لا هرماً يشبه آخر نتيجة التطور التكنولوجي الذي ظل مستمراً طوال الفترة. كما يخصص قسماً لأهرامات بداية التاريخ الفرعوني مع صور تسجل قبر الملك دين Den حوالى 2950 ق. م واكتشاف قبر الملك خشيكموي Khasekhemwy في منطقة أبيدوس جنوب مصر. يظل البريق في الكتاب مع الذهب الفرعوني، فيرصد آثاره في الفن وتأثيره في التدهور والانحصار... مثل هذا الكتاب يظل "مدرسياً" يجمع بين الصورة الجذابة والمعلومات المتعارف عليها، وهو صيغة لبرنامج تلفزيوني يتجه الى القارئ الذي لا تهمه الماورائيات ولا يهتم بالتحليل العلمي. Egypt By: Vivian Davies And Renee Friedman British Museum Press - London 1998