المؤتمر الاول لتنمية وتطوير السياحة العربية البينية، الذي نظّمه الاتحاد العربي للفنادق والسياحة وعقده في القاهرة قبل ايام، يعكس المدى الذي وصل اليه المسؤولون عن الاتحاد في تفكيرهم الاستراتيجي لتوسيع نطاق السياحة العربية وجعلها شاملة لمجالات جديدة على الساحة العربية، وان كانت راسخة ومعروفة على مستوى العالم. ويقول الدكتور المهندس عثمان عائدي، رئيس الاتحاد العربي للفنادق والسياحة الذي اشرف على تنظيم هذا المؤتمر، في حديثه الى "الحياة" ان الدعوة للاهتمام بالسياحة البينية العربية "لا تستند الى دوافع عاطفية او ركائز نظرية تعتمد على وحدة اللغة والتاريخ والمصير والجغرافيا فقط، بل هي دعوة تدعمها الارقام والمبررات التي اكدتها بشكل قاطع الاحداث القريبة، كما يؤكدها اهتمام البلدان السياحية المتقدمة في اوروبا وشرق آسيا التي لاحظنا مدى اعتمادها على واهتمامها بالسياحة البينية". والواقع ان الارقام التي قدمتها ورقة عمل الدكتور عائدي الى المؤتمر تكشف ضعف السياحة البينية العربية مقارنة بمتوسط النسب العالية. ففي حين تبلغ نسبة السياحة البينية في العالم 82 في المئة والسياحة البعيدة 18 في المئة، فهي تبلغ 42 في المئة ما بين البلاد العربية و58 في المئة للسياحة البعيدة، فبينما تبلغ 88 في المئة ما بين البلاد الاوروبية و12 في المئة للسياحة البعيدة، مما يزيد بين الهوة في ضعف نسبة السياحة في العالم العربي التي لا تبلغ 3 في المئة لا كمّاً ولا ايرادات بالنسبة ل 444 مليون سائح كما هو منتظر لعام 1998 او قرابة 650 بليون دولار كإيراد سنوي. لذا، نرى انعكاس هذا الضعف بصورة واضحة اذا ما قارنا السياحة للعالم العربي ببلاد مجاورة لا تملك ما يملكه العالم العربي من كنوز وثروات حضارية وطبيعية وتاريخية واثرية. ففي تركيا على سبيل المثال. ففي حين بلغ عدد السياح الى تركيا في العام 1997 حوالى 9.7 مليون شخص فان عدد السياح الى مصر والمشرق العربي باستثناء السعودية والبحرين لم يتجاوز 7 ملايين شخص في الفترة ذاتها. والسبب في ذلك ان الاهتمام بالصناعة السياحية البينية في البلاد العربية جاء متأخراً "ولا يزال يحتاج الى الكثير من الجهد والاهتمام ومزيد من الاستثمارات والتنشيط والتسويق". واذا نظرنا الى ترتيب الدول العربية وفقاً لاحصاءات منظمة السياحة العالمية فاننا نلاحظ ان اكثر الدول تقدماً من حيث ترتيبها ما بين اهم 40 مقصداً سياحياً، تحتل الجمهورية التونسية المركز الحادي والثلاثين، اذ ان عدد السياح الذين وفدوا اليها العام 1997 بلغ 4.3 مليون سائح، في حين ان دولة مجاورة كتركيا مثلاً جاء ترتيبها التاسع عشر وبلغ عدد الوافدين اليها 9.7 مليون سائح، اي اكثر من ضعفي عدد القادمين الى تونس، ويعادل عدد السياح الذين وفدوا الى كل من مصر وسورية ولبنان والمغرب او مصر وليبيا والمشرق العربي ما عدا السعودية والبحرين. وان نصيب مصر من السياحة العالمية العام 1997 لم يتجاوز 3.7 مليون سائح على رغم الجهود الكبيرة المبذولة في مجال التسويق والترويج السياحي على المستويين الخاص والرسمي. أما من حيث الايرادات السياحية، فلم يرد في قائمة اهم اربعين مقصداً سياحياً سوى بلد عربي واحد هو مصر، اذ جاء ترتيبها السادس والعشرين، وبلغ نصيبها من العائدات السياحية 3.84 بليون دولار، في حين كان نصيب تركيا 7 بلايين دولار، وان دولة صغيرة كقبرص بلغ نصيبها من العائدات السياحية 1.613 بليون دولار، وهو يزيد عن نصيب كل من تونس والمغرب منفردتين من حيث العائدات، ويعادل تقريباً نصيب كل من سورية ولبنان والاردن مجتمعة. وانطلاقاً من هذه الصورة، اتخذ المؤتمر سلسلة من التوصيات الهادفة الى تفعيل السياحة البينية العربية وجعلها جزءاً اساسياً من الحركة السياحية في العالم العربي. ومن اهم التوصيات، التالي: اتباع سياسة الاجواء المفتوحة لشركات الطيران العربية ضمن الوطن العربي ووفق اعلان مراكش وضوابط معتمدة، تسهيلاً لتنمية السياحة، وكذلك فتح الاجواء مع الدول غير العربية وفق مبدأ المعاملة بالمثل، ومراعاة للضوابط والاتفاقيات الدولية. قيام شركات الطيران العربية باعتماد مبدأ تطبيق اسعار مشتركة للسياح الى نقاط عربية، متعددة وانشاء شبكة ايرباص وبأسعار تشجيعية للسياح الراغبين بزيارة مقاصد سياحية عدة على مدار السنة. ضرورة العمل على الغاء تأشيرات الدخول فيما يخص السياح العرب، وفي حال تعذّر ذلك على بعض الدول، يوصي المؤتمر بمنح تلك التأشيرات في المراكز الحدودية من دون اي تأخير، مع التأكيد على توفير التسهيلات كافة وتبسيط الاجراءات في الحدود والموانئ والمطارات وحسن معاملة السائح العربي. بالنسبة الى الدول التي لا تسمح ظروفها بالفتح الكامل لحدودها للسياح العرب فيمكن اصدار ما يطلق عليه التأشيرة السياحية للشركات السياحية المعتمدة. التأكيد على اهمية دور الاعلام العربي بكافة ادواته ووسائله في تشجيع السياحة البينية العربية وتنظيم وتكثيف عملية الترويج السياحي، وبصفة خاصة من خلال: أ - اعتماد يوم للسياحة العربية، اسوة بيوم السياحة العالمي، يخصص للتوعية بأهمية السياحة البينية العربية ودورها وانعكاساتها الايجابية على المجالات والقطاعات كافة، والتوصية برفع ذلك الى المجلس الوزاري العربي للسياحة لتحديد يوم معين في السنة لهذه المناسبة. ب - اعتماد برنامج اعلامي يسمى "برنامج الوطن العربي: اعرف بلادك" بحيث يخصص في كل اسبوع ساعتين في جميع القنوات العادية والفضائية والاذاعات لكل دولة، تشارك بها ايضاً الصحافة، ويتضمن البرنامج معلومات عن المزايا وعناصر الجذب والتسهيلات والخدمات التي يمكن ان تقدمها كل دولة عربية للحركة السياحية البينية. ج - العمل على تنظيم رحلات تعريفية استطلاعية FAN TRIP للصحافيين والاعلاميين العرب ولمنظمي الرحلات السياحية الجماعية، وذلك لزيادة التوعية بالمناطق السياحية العربية وبأهمية السياحة البينية وبصفة خاصة للصحافيين والاعلاميين غير المتخصصين بالسياحة. د - التأكيد على اهمية عقد الاجتماعات العربية الرسمية والشعبية في المناطق والمنتجعات السياحية في البلاد العربية، لما لذلك من آثار ايجابية كبيرة في عملية التنشيط والترويج السياحي. ه - التأكيد على اهمية دور وسائل الاعلام العربية، والصحافيين والكتّاب السياحيين العرب في الدعوة لتنشيط السياحة البينية العربية، ومطالبة الجهات المختصة في البلاد العربية بضرورة حل المشكلات والمعوقات ومنح التسهيلات التي من شأنها تسهيل السياحة بين البلاد العربية. تمكين وسائط النقل البري، من سيارات صغيرة خاصة وسياحية، بسائق او من دون سائق، وحافلات "بولمان" عاملة في المجال السياحي، من نقل السياح بحرية ما بين الدول العربية لتنفيذ برامج السياحة البينية مع الغاء الرسوم على السيارات الصغيرة عبر الحدود وتخفيضها للحافلات وتشجيع احداث شركات نقل سياحي مشتركة ما بين الدول العربية. التأكيد على اهمية استكمال شبكات الطرق البرية والسكك الحديدية بين البلاد العربية، والاهتمام بإقامة الاستراحات والخدمات اللازمة على الطرق البرية، لما لذلك من آثار ايجابية في تنمية السياحة العربية البينية. العمل على اعادة تسيير وتشجيع الخطوط الملاحية المنتظمة التي تربط بين موانئ الدول العربية، وتخفيض الرسوم المقررة على الخدمات في الموانئ تشجيعاً لهذا النوع من السياحة البينية وبصرف النظر عن جنسية الباخرة، ضمن الانظمة والقوانين النافذة. التأكيد على دور الاتحاد العربي للفنادق والسياحة في دعم الصناعة السياحية، والتسويق والترويج للسياحة الى الوطن العربي وبخاصة في مجال السياحة البينية العربية ودعوة الجهات الوطنية العاملة في مجال الصناعة السياحية في مختلف قطاعاتها الى الانضمام لعضوية هذا الاتحاد ودعمه. العمل على تخفيض الضرائب المفروضة على مختلف الانشطة السياحية بما في ذلك ضريبة الانفاق الاستهلاكي او الضريبة المضافة، نظراً الى ارتفاع نسب الضرائب المفروضة على الانشطة السياحية داخل الوطن العربي. ويختم الدكتور عائدي حديثه بالقول: "ان تنشيط السياحة العربية البينية وزيادة حصتها يتطلبان انفتاح الدول العربية على بعضها البعض وتمكين الشعب العربي بمختلف اقطاره من التفاعل والتلاقي فيما بينهم والعمل على قيام تكامل اقتصادي سياحي عربي في مواجهة التكتلات الاقتصادية التي باتت تطبع العالم في نهاية هذا القرن"