طرفة لذيذة تلك التي تُروى عن الرئيس الياس الهراوي انه قال لوزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة، بعدما تصاعدت الاعتراضات الشعبية على زيادة الضرائب، قبل مدة، ان الناس في الماضي كانوا يأكلون السنيورة، اما اليوم فان السنيورة هو الذي.. يأكل الناس! وأكل الناس، تمدّد حتى وصل الى أهل الغناء، هذه المرّة. فقد فوجىء عدد من المطربين والمطربات في لبنان، باتصالات هاتفية من موظفين في وزارة المالية تدعوهم الى تقديم كشوفات بالحفلات الغنائية التي أقاموها في لبنان منذ 1992 حتى اليوم، وبالمبالغ المالية التي تقاضوها جرّاءها. وكان التبرير ان وزارة المالية أنشأت ضريبة جديدة على نجوم الغناء مع مفعول رجعي يعود الى بدايات المرحلة التي استقرّت فيها الاوضاع الامنية والسياسية في العهد الحالي عام 1992. والاتصالات الهاتفية كانت واضحة وجدّية وصريحة مع الفنانين، وتمهلهم لوقت محدود... وحدثت الضجة في الوسط الفني. المغنون أعلموا بعضهم بعضاً بالقضية، وحدثت لقاءات في ما بينهم للتداول، وكان ثمة اتفاق على اللجوء الى نقابة الفنانين المحترفين التي يرأسها الفنان أحسان صادق وتكليفها معالجة ما اعتبروه سابقة لم يحدث ان مرّوا بها من قبل، سيما وان الضريبة الفنية الجديدة تُركت غامضة في نسبتها المئوية أو في تحديد تفاصيلها، ما أرخى ظلالاً من الريبة والشك عند المغنين من انهم سوف يتعرضون لعمليات ابتزاز محتملة، تستوجب البحث عن سقف حماية حقيقي. إحسان صادق، بعدما كلّفه المغنون والمغنيات مهمّة الحوار مع وزارة المالية، عقد في دار نقابة المحترفين لقاء مع الوزير السنيورة، وبعض الفنانين ممّن لهم اسماء منتشرة وأعمال وحفلات ونشاط مكثّف، حيث تمّ عرض القضية بكل حيثياتها، وكانت وجهة نظر الوزير ان الضريبة الفنية الجديدة هي إسهام من الفنانين بمسؤولية الانماء والاعمار في البلد ويجب ان ينظر اليها من هذه الزاوية كونها لا تتجاوز الحدود المتعارف عليها في كل البلاد العربية والاجنبية. اما وجهة نظر الفنانين فقد شرحها إحسان صادق بالاعتراض على مبدأ فرض الضريبة الجديدة في الوقت الذي لم تقدّم فيه السلطة اللبنانية اي تقديمات للفنانين لا في الصحة ولا في ضمان الشيخوخة ولا حتى في أبسط الأمور، وان الاسهام في حركة تنشيط البلد يجب ان يقابله إسهام من الحكومة في تنشيط موضوع اعطاء القانون المهني لنقابة الفنانين المحترفين بحيث يصبح بامكانها ان تضع التشريعات والقوانين التي تحمي الصناعة الفنية اللبنانية، وتحمي الفنانين أنفسهم... وانفضّ الاجتماع على متابعة البحث في مواعيد لاحقة، وحدّدت المواعيد وتابع البحث طريقه، حتى كان الاتفاق على ان تتم تسوية اوضاع كل مطرب أو مطربة على حدة، حسب ظروفه وامكاناته وحركته. وفي سياق المداولات بين موظفي وزارة المال والفنانين، والتي تجري في دار نقابة الفنانين المحترفين، وبرعايتها، كان ثمة تركيز ليس على عدد الحفلات التي أجريت بين 1992 و1998 فقط، بل على عدد الأغنيات التي سجّلها المغنون خلال هذه الاعوام، ومن هم الشعراء والملحنون الذين تعاملوا معهم، وما هي المبالغ المادية التي تقاضاها كل شاعر، وكل ملحّن، عن كل أغنية. وتبيّن ان الغاية من ذلك هو الانتقال بالضريبة، بعد تحصيلها من المغنين، الى الشعراء والملحنين فتقتطع نسبة مئوية مماثلة أو متقاربة مما قبضوه من المغنين بعدما تكون وزارة المال قد وضعت، لذلك، جداول بالارقام يوقّعها المغنون بعد الاعتراف بها، فلا يستطيع شاعر أو ملحّن التفلّت من... "القدر الضريبي الجديد، أو تجاهله أو نكرانه. قبل ايام، رحلت المطربة نور الهدى، بعد معاناة مع المرض والاكتئاب والوحدة، في مستشفى تكفّل المطران عودة دفع تكاليفه. قبل نور الهدى، ماتت ناديا حمدي، بالمرض والفقر والذلّ. وكثيرون ماتوا وسيموتون من أهل الفن، مرضى وجائعين، قبل ان تأتي حكومة تنظر اليهم على انهم بشر يستحقون... قانون تنظيم المهن الفنية، وهو - للمناسبة -لا يكلّف الدولة مليماً واحداً. انه أبسط الحقوق المدنية الانسانية التي قد تستر عري الفنان في حاضره ومستقبله حتى لا نقول انها قد تعمّر له قصوراً من الرعاية والحماية والطمأنينة. ... مع رجاء الا تُستحدث ضريبة على ستر العري!