بعد 40 يوماً على انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية في الخامس عشر من تشرين الأول أوكتوبر بإجماع 118 نائباً، وقف أمس خلف المنصّة الرئاسية تحت قبة البرلمان مقسماً يمين الإخلاص للأمة والدستور بقوله "أحلف بالله العظيم أني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ إستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه". واستعداداً لجلسة القسم كانت دوائر المجلس الإدارية استكملت التدابير اللازمة وجهّزت قاعة الجلسات العامة بما يلزم فحدّدت المقاعد للوفود المشاركة ودوّنت أسماءهم عليها. واقتصرت التغطية الإعلامية لوقائع الجلسة التي بثّت مباشرة عبر الإعلام المرئي والمسموع وحصراً من داخل القاعة من جانب تلفزيون لبنان، بالصحافيين المعتمدين في المجلس، إذ خصصت لهم بطاقات صفر مرقّمة فيما سمح للإعلاميين الآخرين بالوجود في ردهات المجلس. وترافقت هذه الإجراءات مع تجهيز قاعة الصحافة بخطوط هاتفية جديدة، بناء على توجيهات رئيس المجلس النيابي نبيه بري تسهيلاً لعملهم في نقل الوقائع. أما في الخارج فاتخذت تدابير أمنية وزنّرت المنطقة بأعداد كبيرة من العسكريين وعناصر قوى الأمن الداخلي المدججين بالسلاح ضمن قطر بلغ مئات الأمتار، فيما خصصت للمزوّدين بطاقات دعوة ممرات محددة كل بحسب وظيفته وأخضعوا للتفتيش يدوياً مرفقاً بعبارة "نأسف لأجلكم وأجل لبنان"، وانتصبت الأعلام اللبنانية على أسطح البرلمان والمباني المحيطة وازدانت الساحة العامة والطرق المؤدية إليه بالشتول والنصوب التي غرست عشية أداء القسم. ووفق البرنامج المرسوم وصلت سيارة الرئاسة التي تقل لحود العاشرة و55 دقيقة وهو العسكري الذي يحرص على دقة الوقت إلى باحة المجلس، من دون مواكبة، واستقبله بري وأعضاء هيئة مكتب المجلس على المدخل الرئيسي الذي فرش بالسجاد الأحمر امتداداً إلى الداخل. وبعد عزف ثلة من الحرس الجمهوري أحضرت إلى ساحة النجمة خصيصاً النشيد الوطني اللبناني توجه لحود وبري إلى قاعة الجلسات وما أن أطلّ الرئيس الجديد من الباب الإستثنائي المخصص لدخول الرؤساء حتى علا التصفيق طويلاً وبقوة من الحضور كافة. وتابع لحود، الذي رفع يده محيياً مستقبليه، سيره بخطى ثابتة واعتلى المنصة الرئاسية التي جهزت بكرسي إضافي استوى عليه، عن يمين رئيس المجلس وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة تماماً، فأعلن بري افتتاح الجلسة، وأذيعت أسماء النواب المتغيّبين بعذر وهم: تمام سلام وجورج ديب نعمة ومحمد رعد ومن دون عذر الرئيس عمر كرامي الذي كان خارج القاعة لكنه حرص على أن يكون أول المهنّئين في صالون رئاسة المجلس. وبعد تلاوة نص المادة ال50 من الدستور، الخاصة بالقسم، أمام 124 نائباً، وقف الجميع دقيقة صمت عن روح رئيس حزب الكتائب النائب السابق جورج سعادة. ثم ألقى بري خطاباً لوحظ خلاله لحود مصغياً تارة ومتفرساً طوراً في وجوه النواب والمدعوين ومنهم رئىس مجلس الشعب السوري عبدالقادر قدورة ووفود برلمانية من أميركا وكندا والبرازيل والتشيلي وقبرص والديبلوماسيين المعتمدين، وشقيق الرئيس القاضي نصري، ونجلاه إميل ورالف، مع الحرص على تبادل الإبتسامات أو وضع راحة يده على صدره، مع الذين حيّوه، ولا سيما منهم الوزير وليد جنبلاط الذي جلس وأعضاء كتلته في مقاعد النواب. ومما جاء في كلمة بري ترحيبه بالرئىس الجديد مذكّراً بأن المجلس النيابي في جلسة انتخابه "عبّر عن التأييد الشعبي والإلتفاف الوطني حول شخصه"، ومشيداً بتوحيده المؤسسة العسكرية وإعادة بنائها. وأضاف "إن ما تقدم يزيد من الآمال التي يعلقها المجلس النيابي وأبناء شعبنا عليكم، وشعورهم المتنامي بأن الثقة بالدولة ستزداد خلال عهدكم وبأن لبنان سيتمكن من السير إلى الأمام في اتجاه تجسيد دولة المؤسسات والقانون وتمكين المواطنين من المشاركة الكاملة وبكل حرية في كل ما يصنع حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وبالتالي ترسيخ النظام البرلماني الديموقراطي". وقال "ان المجلس خلال عهدكم الميمون سيكون أكثر انحيازاً إلى جانب دولة المؤسسات وفي تحقيق كل إصلاح سياسي وإداري يكسب الدولة المزيد من الثقة، ويحقق انتظام عمل السلطات والإدارات. وسيواصل إبراز شفافية الدولة عبر سياسة الأبواب المفتوحة أمام المؤسسات المدنية لاتخاذ مبادرات في إطار صنع السياسات العامة وتوجيهها لخدمة المواطن". وأشار إلى أن "الدولة في عهد الرئىس الهراوي قطعت أشواطاً مهمة على طريق صنع السلام الأهلي وبنائ وأرست قواعد الدولة وتمكّنت من طي الكثير من الملفات المتعلقة بالحرب والفتنة التي مضت إلى غير رجعة، وأنجزت الكثير من مشاريع التنمية، وتمكنت من خلال تأكيد وحدة الموقف الوطني وفاعلية كل مؤسساتها من إحباط أهداف الإعتداءات الإسرائيلية وأبرزها عامي 1993 و1996، بفضل شعبنا وجيشنا ومقاومتنا ودعم أشقائنا وفي طليعتهم سورية، خصوصاً أنها حاولت ولا تزال إبقاء لبنان مستوعباً لأزمة الشرق الأوسط، وبالتالي ملاءمته ليكون رصيفاً للتسوية". وخاطب بري لحود قائلاً: "إن المجلس النيابي سيؤكد حرصه معكم على رفع الغطاء عن كل متجاوز وكل من يحاول إساءة استعمال السلطة، وسيحرص على تطبيق القوانين على جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية بكل عدالة، وسينحاز مع فخامتكم إلى حق المواطن في التعبير والإنتماء والعمل والسكن والتعليم والطبابة والأمن والوصول إلى القوت بغض النظر عن إنتمائه الطائفي أو المناطقي. وسيؤيّد حرصكم على ترتيب الأوليات الوطنية إنطلاقاً من قضيتي التحرير والتنمية وصولاً لبسط السيادة الوطنية حتى الحدود الجنوبية وبناء ازدهار الإنسان في لبنان. وسيكون حريصاً معكم على استمرار النهج القومي وحفظ عروبة لبنان، وبناء العلاقات اللبنانية - السورية لتكون نموذجاً لعلاقات عربية أمثل، والوفاء لدور سورية المخلص بقيادة الرئيس حافظ الأسد الذي استعاد سلام لبنان ومكّننا من بناء دولتنا والنهوض بمقاومتنا". وأضاف "أنكم تتولون رئاسة البلاد في ظروف إقليمية ودولية دقيقة، وأن الضغوط ستتزايد على بلدنا وعلى سورية في محاولة لملاءمتنا مع وقائع معينة. وأن التنازلات التي تقدم على مسارات التسوية الأخرى تعزز عدوانية إسرائيل ضد بلدنا، ومحاولتها ممارسة المزيد من الضغوط على سورية. إنكم تتولون مقاليد البلاد، وهي ما زالت تعاني موروثات كثيرة، فيما لا تزال هناك قوى تتحرك في لغة الماضي الطائفية والمذهبية وترفض التسليم بقيامة الوطن، ونلمس العبء المالي الذي نرزح تحت ظله إلا أننا واثقون من قوة عزيمتكم على مواجهة الصعاب". وبعد انتهاء بري من خطابه، دعا لحود الى قسم اليمين، فحمل نسخة من الدستور اللبناني بيسراه ورفع يمينه بوقفة عسكرية على رغم ارتدائه البزة الرسمية المدنية، وحلف بالله العظيم بصوت دوّى بقوة داخل القاعة التي صفّق من فيها بحرارة. ثم نزل الى المنصة الثانية التي يلقي منها النواب مداخلاتهم الى جانب مقاعد الوزراء وتناول كلمة مكتوبة من احد الضباط المرافقين له استغرقت تلاوتها نحو 23 دقيقة وقوطعت مرات عدة بتصفيق حار راجع نصها في مكان آخر من الصفحة. وبعد الجلسة توجّه لحود الى صالون رئيس المجلس حيث تقبّل واياه التهاني. واصطحب بري الرئيس شارل الحلو الذي كان بين المهنئين مودعاً حتى مصعد رواق المجلس ولما استوقفه احد الصحافيين ليسأله رأيه في جلسة القسم خاطبه بري ممازحاً "شو بدك بها الشغلة فخامة الرئيس تعب من المشي كيف بدك توقفه؟". فرد الرئيس حلو مبتسماً وبصوت متهدج بالقول "لازم نعلن يا دولة الرئيس الحقيقة هيدا الرئيس ديموقراطي من الطراز الأول. والخطابان عظيمان". ثم عاد بري الى صالون الشرف على عجل اذ أبلغ ان التهانىء شارفت الانتهاء. وعقد بعدها والرئيس لحود خلوة دامت دقائق معدودة، غادر بعدها الاخير مبنى المجلس الثانية عشرة والثلث مبتسماً، وملوحاً بيده الى الصحافيين اذ حرص بري على مرافقته الى سيارة الرئاسة مودعاً. فيما اصطف بعض الوزراء في بهو المجلس متسمّرين وهم متجهّمون وعيونهم شاخصة في اتجاهه وكأن على رؤوسهم الطير