استبعدت غالبية المراقبين حتى ايلول سبتمبر الماضي نتيجة ايجابية لمفاوضات فلسطينية - اسرائيلية بنهاية السنة الجارية. ووجدت انني من ضمن هؤلاء المتشائمين، خصوصاً لأنني رافقت الانجازات التي جاءت بها المرحلة ما بين 1993 و1996، وشهدت بعدها تعمق هوة الشك المتبادل بين الطرفين، وكنت من بين منتقدي عجز الولاياتالمتحدة، رغم كل جهودها الجديرة بالتقدير، في تسهيل العودة الى التفاوض. لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تحولاً كبيراً في الصورة. فقد اجتمع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والرئيس ياسر عرفات برعاية الولاياتالمتحدة في نيويوركوواشنطن وايريز ثم واشنطن مجدداً، وتلت ذلك المحادثات المكثفة التي استمرت ثمانية ايام في "مزرعة واي". النتيجة كانت ذلك الاتفاق الذي حرص المتفاوضون على تدقيقه نقطة بعد اخرى، لكن الطرفين، رغم الفترة الطويلة التي امضياها سوية، لم يتمكنا من استعادة الثقة بينهما. هناك شكوك لدى اوساط كبيرة من الفلسطينيين والاسرائلييين، وايضاً في الشرق الأوسط عموماً، في امكان تنفيذ الاتفاق. وتتناول هذه المقالة التغيرات التي جرت في حسابات كل من الأطراف الثلاثة ومكنت من العودة الى التفاوض، وأيضا ما يعنيه الاتفاق بالنسبة الى المستقبل. ويبدو لي في كل من الحالات الثلاث، ان مزايا التوصل الى اتفاق ضمن هذه الفترة الزمنية تفوقت بكثير على دوافع الابقاء على الوضع القائم الحالي المستمر في التدهور. في اسرائيل نجح رئيس الوزراء نتانياهو في خلال السنتين الماضيتين في ابطاء عملية السلام، بل شلّها، من خلال مماطلاته المتكررة. وادى ذلك الى استبدال روحية المشاركة، التي قدم السفير اوري سافير وصفاً حيوياً لها في مذكراته عن مفاوضات اوسلو، بشكوك متزايدة العمق، كما حلّ محل اسلوب البحث عن الحلول التي تأتي بالنفع للطرفين اسلوب "معادلة الصفر" حيث يعتبر اي مكسب لطرف خسارة لطرف آخر. لكن اذا كان ابطاء عملية السلام وفّر فرصة لالتقاط الانفاس للكثير من الاسرائيليين بعد وتيرة التطورات السريعة والاتفاقات المتوالية خلال سنوات رابين - بيريز، فإنهم تجنبوا انهاء العملية، كما تجنبوا علاقات اقل ودية واكثر توتراً مع الولاياتالمتحدة. ومن الأدلة على ذلك الموافقة الساحقة من جانب الرأي العام والكنيست على اتفاق الخليل الذي توصل اليه عرفات ونتانياهو. وجاء الأخير الى السلطة في أيار مايو 1996 تحت شعار "السلام مع الأمن" وليس وضعاً أمنياً هشاً من دون سلام، ومن هنا عليه، اذا اراد الوفاء بالتزامه، ان يجد في النصف الثاني من ولايته سبيلاً للعودة الى التفاوض، مثلما استعمل النصف الأول للتهرب من المفاوضات. وقد تكون الحاجة للعودة الى التفاوض أقوى بسبب احتمال انتخابات مبكرة في اسرائيل، وهو ما لا يستبعده مراقبو المشهد السياسي الاسرائيلي. من جهة اخرى كان تشرين الثاني اكتوبر 1998 الوقت الأفضل للعودة الى التعاون مع الولاياتالمتحدة ومساعدة الرئيس بيل كلينتون في البرهنة على استمرار فاعليته في مجال الشؤون الخارجية. وكانت الاشارة الأهم الى نية نتانياهو العودة الى المفاوضات تعيين آرييل شارون وزيراً للخارجية. ورغم جفاء العلاقة بين الرجلين، بل ان نتانياهو حاول في البداية ابعاد شارون عن الحكومة، فان تعيين شارون يشكل اختياراً سياسياً ذكياً. إذ انه يطمئن المستوطنين والمحافظين المتشددين عموماً الى حماية مصالحهم على المدى الطويل، في الوقت الذي يجذب شارون، بطل المتشددين، الى طاولة المفاوضات، يعطيه فرصة اضافة صفحة ايجابية الى تاريخه السياسي بعد الصفحات المظلمة المتمثلة بمجزرة صبرا وشاتيلا. كما ادرك نتانياهو ان النجاح في المفاوضات يعني اعترافاً اميركياً وفلسطينياً بسياساته، ويدعم حملته الانتخابية المحتملة ضد حزب العمل وزعيمه ايهود باراك. والواقع ان باراك وحزبه هم من بين الخاسرين الرئيسيين نتيجة الاتفاق. اما بالنسبة الى الفلسطينيين فكانت هناك ضرورة ملحة للتوصل الى اتفاق. وكان الرئيس عرفات اختار منذ مؤتمر مدريد للسلام في 1991 ومفاوضات أوسلو السير على طريق الحل المتدرج، وعاد في 1994 الى غزة بأحيائها البائسة التي تستمد منها "حماس" عناصرها ليحاول التنفيذ. لكن طريق التدريج يعتمد لنجاحه على الانجازات التدريجية وليس المآزق. وتضاءلت الخيارات أمام عرفات، كما بدأ ينال منه كبر السن والاعتلال، فيما تتفاقم بين الفلسطينيين مشاعر الاحباط والغضب. ولم تحظَ حكومته الجديدة عندما قدمها الى المجلس التشريعي الفلسطيني الا بموافقة على مضض. وكان تشكيل تلك الحكومة مناورة هدفت الى المحافظة على سلطة عرفات في هذا الوقت الصعب اكثر منها تجاوباً مع دعوة المجلس الى الاصلاح والقضاء على الفساد. الأهم من ذلك ان عرفات كان يسعى يائساً الى المكسب الممكن التالي فيما يتعلق بالعنصر الأهم في الصفقة بالنسبة الى الفلسطينيين: الحصول على المزيد الأراضي. وأتاح له المقترح الأميركي في شأن اعادة الانتشار امكان نقل مساحة مهمة من الأرض، ووضع ذلك نصب عينيه خلال مفاوضات واي رغم كل العراقيل. وليس لفلسطيني منصف ان يقلل من أهمية انجاز عرفات. إذ حصل من الاسرائيليين على نقل ل13 في المئة من المنطقة "ج" اي الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة وأضاف 15.2 في المئة الى المنطقة "أ" الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة. ويعني هذا ان 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية سيكون بنهاية الفترة الانتقالية تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة او الجزئية. اضافة الى ذلك فإن الاتفاق يؤكد موافقة حكومة ليكود على مبدأ تسليم الأراضي في الضفة الغربية بشكل أقوى مما فعله اتفاق الخليل، ليس فقط لأن التسليم يشمل مساحة اكبر بكثير مما في اتفاق الخليل بل أيضاً لأنها الحكومة شاركت في التوصل الى "اتفاق واي". كان تهديد عرفات باعلان الدولة الفلسطينية في أيار مايو المقبل، موعد انتهاء الفترة الانتقالية حسب أوسلو، مناورة سياسية في جزء منه، وايضاً تكتيكاً للضغط لا يخلو من الخطر لتحريك موقف الاسرائيليين والأميركيين. إذ احتاج عرفات الى ملء الفراغ الذي شكله توقف المفاوضات. ولا بد للمؤرخين ان يتذكروا ان المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 1988 أصدر "اعلان الاستقلال" القائم على مفهوم الدولتين وتسوية سلمية تفاوضية مع حكومة اسرائيل. وكان هذا هدف كل المفاوضات الفلسطينية وكل الاتفاقات التدريجية التي عقدت بعد مؤتمر مدريد في 1991. ويمكن القول ان المفهوم كان الشغل الشاغل لكل مفاوض فلسطيني. وواصل الطرف الفلسطيني التمسك برموز مثل العلم والنشيد الوطني، ومناصب مثل "الرئيس" و"الوزير"، فيما استقبل "حرس الشرف" كبار الضيوف الأجانب. لكن الفلسطينيين يدركون في قرارة نفوسهم ان هذه الدولة الرمزية لن تتحول الى واقع الا من خلال التفاوض مع حكومة اسرائيل، وليس عن طريق اعلان الاستقلال من طرف واحد. مع ذلك استخدم عرفات بنجاح التهديد بهذا النوع من الاعلان، كما تمكن دوماً من اعادته الى جيبه ليستخدمه مجدداً اذا عادت عملية السلام الى الجمود. انه موقف يستمر في إثارة قلق الاسرائيليين والأميركيىن. استدعى الوضع الكارثي للاقتصاد الفلسطيني ايضاً التسريع بالتوصل الى اتفاق. فتدهور مستويات المعيشة وتزايد البطالة في مناطق الفلسطينيين بلغ حد الازمة. وادت عمليات اغلاق الحدود المتكررة، التي رافقتها تقييدات على التجارة والسفر، الى عرقلة الاستثمار والحؤول دون تطوير اسواق تصدير للسلع والمنتجات الزراعية الفلسطينية. كما فاقم المشكلة عدم وجود شفافية كافية في عمليات الشراء واتخاذ القرار من قبل السلطة الفلسطينية، والبطء في تطوير اطار قانوني ومؤسساتي جدير بالثقة للاستثمار الخاص. وادى الاعياء الذي اصاب الجهات المانحة من جراء شلل عملية التفاوض الى خفض تدفق المساعدات. واصبح جزء كبير للغاية من الموازنة الفلسطينية يعتمد على استعداد اسرائيل لتسليم عائدات الجمارك والضرائب التي تُجبى في اسرائىل بالنيابة عن السلطة الفلسطينية. وكان جرى التوصل بشكل مبدئي الى اتفاق في شأن شروط فتح مطار غزة ومنطقة كارني الصناعية، لكن اسرائىل لم تكن مستعدة لاعطاء موافقتها النهائية على هذه المشاريع من دون تحسين التعاون الامني واتخاذ اجراءات امنية اكثر صرامة من جانب السلطة الفلسطينية. كان التعاون بين اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية والفلسطينية بدأ يتحسن بالفعل نتيجة للمشاركة الاميركية المباشرة في اللجنة الامنية الثلاثية خلال الاشهر الماضية. ولم يشأ اي من الطرفين الاعتراف بذلك، لكن تراجع عدد الحوادث الارهابية رغم ارتفاع مستوى الاحباط وسط الفلسطينيين، كان برهاناً على تزايد فاعلية الامن. مع ذلك، كان هناك قلق عميق لدى الجانب الاسرائيلي من ان الوضع لا يمكن ان يستمر، وان تفجر موجة جديدة من الارهاب ليس الاّ مسألة وقت. وجرى تشخيص ثغرات كثيرة على الجانب الفلسطيني، مثل عملية تسجيل الاسلحة واللوائح غير الكاملة للاشخاص الذين يعملون في اجهزة الامن الفلسطينية المختلفة. وادرك كلا الطرفين ان الاطار القائم للتعاون الامني لم يكن كافياً وان هناك حاجة الى سلسلة اجراءات اكثر تفصيلاً. واحسب ان الفلسطينيين بدأوا للمرة الاولى يعالجون موضوع الامن في أبعاده الحقيقية - باعتباره احد أوجه التزام اساسي لحكومة مسؤولة تجاه الناس الذين يتأثرون بحكمها، الالتزام بضمان سلامة وامن المجتمع ضمن نظام للقانون والنظام جدير بالثقة وغير منحاز - بدلاً من كونه "تنازلاً" من نوع ما لاسرائيل او ورقة مساومة يمكن تقديمها او الاحتفاظ بها تبعاً لمسار المفاوضات. ويمثل قبول هذا المفهوم للامن من الجانب الفلسطيني اختراقاً مهماً. ومع ذلك، استمر تشكيك اسرائيل في استعداد الفلسطينيين وقدرتهم على تنفيذ الاجراءات الامنية الجديدة الصارمة حتى بعد توقيع الاتفاق. إذ ألغى نتانياهو اجتماعاً للحكومة كان من المقرر ان يصادق على الاتفاق، متذرعاً بأن اسرائيل لديها معلومات بأن الفلسطينيين لا يعدون الخطة الامنية المفصلة التي كانوا وعدوا بتقديمها الى الاميركيين. لكن الفلسطينيين، في الواقع، سلّموا خطتهم الى الاميركيين بحلول 2 تشرين الثاني نوفمبر، في الموعد الذي كان يُتوقع ان تُسلّم فيه. وكانت النواقص القليلة التي تتضمنها قابلة للتصحيح. واعطت المحاولة الفاشلة التي نفذها ارهابيون ينتمون الى حركة "حماس" لتفجير باص كان ينقل على متنه اطفالاً اسرائيليين بواسطة سيارة مفخخة في غزة في 29 تشرين الاول اكتوبر الماضي، عرفات والسلطة الفلسطينية فرصة ذهبية لاظهار جديتهما في ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق. وسارع عرفات الى إدانة العملية واتصل هاتفياً بنتانياهو شخصياً للتأكيد على ان اقصى الجهود ستُبذل لالقاء القبض على المنفذين. وكانت هذه بادرة حسن النية من النوع الذي يقدّره الاسرائيليون، واذ جاءت في اعقاب اعتقال فلسطينيين كانا مسؤولين حسب ما يبدو عن قتل احد المستوطنين الاسرائيليين من كريات أربع، فإنها اعطت جهاز الامن الفلسطيني صدقية جديدة. في المقابل، كان الهدف الذي اختاره مخططو محاولة التفجير اسوأ ما يمكن تصوره. فالفلسطينيون بشكل عام لا يمكن ان يتعاطفوا بأي حال مع قتل اطفال على متن باص. وسهّل ذلك لعرفات اصدار اوامره بوضع الشيخ ياسين قيد الاقامة الجبرية وقطع اتصالاته الهاتفية. احد الاوجه الاخرى للاتفاق التي استقطبت تعليقات نقدية في واشنطن، وكذلك في المنطقة، هو المشاركة الواسعة والعلنية لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي أي" في عملية المفاوضات وفي تنفيذ مرحلة الشروط الامنية. واُدرك ان مثل هذه المشاركة البارزة من جانب جهاز الاستخبارات الاميركي الذائع الصيت عزز الشكوك في الاتفاق لدى بعض الاوساط، لكن هذا تقدير خاطىء. فمشاركة ال "سي آي أي" لم تكن عنصراً ايجابياً فحسب بل عنصراً لا غنى عنه ايضاً. لم يكن هذا اتفاقاً يقوم على الثقة او على حسن النية تجاه الطرف الاخر. وهو يعيد الى الذاكرة التعبير الشهير للرئيس السابق ريغان في شأن اتفاق نزع الاسلحة مع الاتحاد السوفياتي: "إمنح الثقة ولكن تأكد". وفي الحالة القائمة تبدو الثقة بين الطرفين معدومة الى درجة ان اياً من الطرفين ليس في وضع يمكّنه من التأكد من اداء الطرف الاخر. لذا يتعيّن على طرف ثالث ان يؤدي هذه الوظيفة. وكان يمكن ان توكل الى ديبلوماسيين ضمن فريق دنيس روس او الى اشخاص آخرين مطلعين على تفاصيل المفاوضات. لكن كان من الافضل بكثير ان يُنفّذ هذا الدور موظفون محترفون في الامن والاستخبارات يملكون القدرة على مخاطبة مسؤولي الامن الاسرائيليين والفلسطينيين بلغتهم الخاصة كشرطة ومن منظورهم. كما ان للولايات المتحدة مصلحتها الخاصة في ان تكون جزءاً من هذه اللجان الامنية الثنائية والثلاثية. فهي منهمكة في حربها الخاصة ضد الارهاب ومستعدة بالتالي لجلب قدراتها الاستخبارية الى الطاولة. ورداً على اولئك الذين ينتقدون هذه المشاركة الاميركية القوية، اقول ان الفضل في ذلك يعود الى اسامة بن لادن. فلو ان الولاياتالمتحدة ذاتها لم تصبح اخيراً ضحية للارهاب لكانت اكثر تردداً في القيام بمثل هذا الدور النشيط في ضمان الترتيبات الامنية الجديدة. ويتمثل احد العيوب المحتملة لهذا الاتفاق في غياب اي إشارة الى حماية الحقوق الانسان الفردية للفلسطينيين. فمنع الاعمال الارهابية يمثل هماً امنياً مشروعاً للفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء، لكن يجب توخي الحرص لضمان ان تلبي اجراءات التحقيق والاعتقال والمحاكمة المعايير الدولية. وفي خلاف ذلك، سيكون الاتفاق ناقصاً على المستوى الاخلاقي. وتتحمل الولاياتالمتحدة مسؤولية خاصة على هذا الصعيد. كان الوقت ناضجاً للتوصل الى اتفاق من وجهة نظر الولاياتالمتحدة، ليس فقط لان الانتخابات الاشتراعية النصفية كانت تقترب وكان هناك ربح سياسي واضح للرئيس في رعاية اتفاق ناجح، وليس فقط لأن الولاياتالمتحدة بذلت جهوداً كبيرة خلال الاشهر الماضية للتقريب بين الطرفين، بل لأن العالم بشكل عام والشرق الاوسط بشكل خاص بحاجة ماسة الى ان تستعيد الولاياتالمتحدة دورها القيادي في الشؤون الخارجية. إذ ادى استمرار المأزق في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لفترة طويلة الى مفاقمة مشاعر الاحباط لدى الرأي العام العربي، التي كانت في احيان كثيرة موجهة ضد الولاياتالمتحدة، ما جعل الحكومات تواجه صعوبة اكبر في احترام او قبول الدور القيادي للولايات المتحدة على صعيد قضايا اخرى، مثل التعامل مع صدام حسين في العراق، والتعاون في مكافحة الارهاب والحد من انتشار الاسلحة، واجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية ملحة. كما سيكون الدور القيادي للولايات المتحدة مطلوباً لتوسيع عملية السلام الى سورية ولبنان، واستئناف عملية تطبيع تدريجية بين اسرائيل وبقية العالم العربي، والمضي قدماً في استثمار الفرصة التي وفرها انتخاب الرئيس خاتمي لتحقيق إستعادة تدريجية لعلاقات تقوم على المنفعة المتبادلة مع ايران، وحتى استمالة ليبيا للقبول باقتراح اجراء محاكمة في بلد ثالث كوسيلة للخروج من عزلتها الدولية. لقد اظهر الرئىس كلينتون في "واي بلانتيشن" قدرة تثير الاعجاب على دفع عملية تفاوض صعبة الى امام. والسؤال هو هل سيعطيه خصومه المحليون والمصاعب القانونية التي يواجهها في الداخل الوقت والمجال ليلعب دوراً مماثلاً في ازمات عالمية ملحة في السنة المقبلة؟ ندرك جميعاً ان اجتياز العتبة الى مفاوضات الوضع النهائي ليس الاّ خطوة اخرى في عملية طويلة جداً، يمكن ان يتطلب انجازها سنوات وربما اجيالاً. ولهذا السبب لا بد ان نأمل الاّ تكون الولاياتالمتحدة أفرطت في تقديم الوعود او دفعت اكثر مما يجب لقاء تحقيق هذا الاتفاق الموقت. فالتوقيع على مذكرة امنية استراتيجية اميركية - اسرائيلية جديدة والطريقة الوقحة التي طالب بها نتانياهو باطلاق جوناثان بولارد، الجاسوس المدان، يقدمان دليلاً على ان اسرائيل اعتقدت انها تستطيع ان تحصل على تنازلات كبيرة من الولاياتالمتحدة. ولا يزال مدى الوعود التي قطعتها الولاياتالمتحدة لاسرائيل غير معروف حتى الآن. ونأمل الاّ تكون واشنطن سمحت لنفسها بأن تُقيّد بمواقف على صعيد قضايا الوضع النهائي من شأنها ان تهدد قدرتها على القيام بدور وسيطٍ نزيه في المفاوضات الصعبة المقبلة. واخيراً، كما سيشهد على ذلك كل سفير اميركي لا يزال يمارس مهماته او عمل سابقاً في المنطقة، فإن الولاياتالمتحدة تحتل مكانةً أبرز وتمارس نفوذاً اكبر على صعيد القضايا الماثلة في ارجاء الشرق الاوسط عندما تشارك بنشاط في عملية صنع السلام العربية - الاسرائيلية وعندما تحقق هذه العملية نتائج. * مساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى وشريك في مكتب محاماة AFRIDI & ANGELLI للقانون الدولي