السيد المحرر، كتب الأستاذ عبدالمحسن الخنيزي في "الحياة" العدد 12974 تاريخ 11 أيلول سبتمبر 1998 صفحة قضايا مقالاً بعنوان "الأساس الثقافي التاريخي لظاهرة العنف في الاسلام السياسي الجزائري". انطلق الخنيزي في مقاله البحثي من مرحلة الانبعاث الاسلامي، باعتبارها عنده مرحلة خامسة من مراحل تطور الوعي العربي خلال القرن الجاري، وربط هذا التوجه في مقاله اياه بما سماه: الروح القلقة. وركز الباحث على العنف الذي ربما لم يعرف ما يماثله طيلة قرن من الزمان، فأشار الى تأثير ثقافة متبادلة افترضها بين الجزائريين وثقافة الحقبة الاستعمارية الفرنسية، ولم يعتبرها كافية وحدها لتفسير ظاهرة العنف في الجزائر، فذهب الى أبعد فقال بأنه لم يجد مؤثراً تاريخياً سوى الخوارج والأزارقة منهم خصوصاً، وأشار الى مسألة التكفير التي اقترنت بتاريخ الخوارج عموماً. وإذا كان لي ما أعلق به على طروحاته حول موضوع الأساس الثقافي التاريخي لظاهرة العنف في الاسلام السياسي الجزائري وهذا هو عنوان مقاله، فإنه في بحثه عن تفسير تاريخي للظاهرة أعطى للجزائر اسلاماً خاصاً بها. وهذا بالطبع لا يمس الاسلام الحقيقي بشيء. وإذا لم أكن مخطئاً فإن العنف بدأ بعيد نتائج الانتخابات أيام الشاذلي بن جديد، وإذا لم أكن أخطأت، فهذا يقودنا الى تبين نفعية أكيدة في دعاوى الجماعات الجزائرية المتطرفة، أعني بهذا أن هذه الجماعات هدفها الوصول الى السلطة عن طريق فوزها في الانتخابات. أما الجزئية التي أقف عندها، فهي كونه اعتمد رواسب الثقافة الفرنسية في العنف، ونهج الخوارج بالنسبة للتاريخ الأبعد كمؤثرين متوازيين. فأولاً فاته أن يوضح الفرق بين عنف الجماعات المتطرفة اليوم وبين العنف الذي ساد الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي. وثانياً، وفي ذكره للخوارج، ذهب الى أن الأزارقة من فرق الخوارج هي التي ظهر تأثيرها في الجماعات الاسلامية المتطرفة، بينما واقع الأمر هو ان الأباضية والصفرية من فرق الخوارج هما الأكثر تأثيراً في المغرب عموماً وبالتالي في الجزائر حين شهد العهد الأموي انحساراً للأزارقة والنجدات من فرق الخوارج. عموماً ان حركة الخوارج متجذرة في التاريخ من يوم التحكيم لكنها لم تتخذ مثالاً يحتذى في ما أعقبها تاريخياً من ثورات والا لوجدنا لها مكانة سلطوية في أي بقعة من بقاع العالم الاسلامي، لكنها، أي الحركة ومثالياتها وتطرفها وغلوها وحتى جذورها بقيت في دروب تهويمية هنا وهناك بسبب كثرة فرقها تحت العديد من المسميات، ما جعل الإمساك بتلابيب منهج واحد للخوارج معتمداً من جميع فرقهم أمراً متعذراً. بعد كل هذا نود الخروج بقيمة واحدة لبحث الاستاذ الخنيزي، لنقول انه استقرأ التاريخ ليقول بأثر الثقافة الفرنسية وقيمها في العنف، وبأثر الخوارج اسلامياً وتاريخياً على الجماعات المتطرفة الاسلامية الجزائرية، وقادنا الى القول بأن التأثير الخارجي الحي المعاصر أمر حاصل بسبب كون العالم اليوم يمارس معطيات ثورة المواصلات والاتصالات، والذهاب الى عمق التاريخ الاسلامي لاستنباط التفسير لما يجري مشخصاً على أرض الواقع أمر حاصل أيضاً بسبب دعوى الانتماء الى حظيرة الاسلام من قبل جماعات التطرف. فكانت هذه منه مزاوجة لا نملك أن نقرها أو نرفضها اذعاناً منا لجدلية الموضوع