عقد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع محادثات في دمشق امس مع وفد امني تركي برئاسة الفريق اول بيطاش يالمان، قائد الجيش الثاني التركي، هو الاول منذ نزع فتيل الازمة التي تفجرت بين البلدين مطلع الشهر الجاري بسبب دعم سورية المزعوم للمقاتلين الاكراد. واشار ناطق رسمي سوري الى أن الشرع والمسؤول التركي أكدا خلال اللقاء الرغبة في تحسين العلاقات الثنائية. ونقل عن بيطاش تأكيده "أهمية تحسين مناخ العلاقات السورية - التركية والعمل على فتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين في جميع المجالات". وقال ان الشرع رد بتأكيد "حرص سورية على إقامة افضل علاقات حسن الجوار مع تركيا والعمل على حل كل المشاكل العالقة بين البلدين". واوضح الناطق ان اللواء عدنان بدر حسن رئيس فرع الامن السياسي في سورية ورئيس الوفد السوري لاجتماع اللجنة الامنية السورية - التركية حضر اللقاء، بالاضافة الى السفيرة صبا ناصر والسفير عبدالعزيز الرفاعي. وضم الوفد التركي عسكريين ورئيس الجانب التركي في اللجنة الامنية المشتركة السفير اوغور زيال والسفير التركي في دمشق جينغ دوعاتبه. وبدا امس ان تركيا تستعد لتخفيف ضغوطها العسكرية على سورية، بعدما عبّرت عن رضا مشوب بالحذر ازاء تعهدات دمشق بالتوقف عن دعم المقاتلين الاكراد، في الوقت الذي صعّدت ضغوطها الديبلوماسية على روسيا التي لجأ اليها عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني بعد رحيله عن سورية. في غضون ذلك، اعلنت وزارة الخارجية التركية نيتها اجراء محادثات امنية بين مسؤولين اتراك ولبنانيين في تشرين الثاني نوفمبر المقبل تمشياً مع الاتفاق الذي جرى التوصل اليه مع سورية في 20 الشهر الجاري في اعقاب تصاعد التوترات. كما استبعد ناطق باسم الوزارة استئناف المحادثات التركية - الايرانية - السورية في شأن الوضع في شمال العراق، كما اقترحت طهران، لأن تركيا سوّت مشاكلها مع سورية. يذكر انه جاء في نص الاتفاق ان انقرة اقترحت على دمشق "في سياق مكافحة الارهاب انشاء نظام يكون قادراً على دعم نظام المراقبة الامنية وتعزيزه. واعلن الجانب السوري انه سيقدم هذا الاقتراح الى سلطاته للموافقة وسيعطي جواباً في اسرع وقت ممكن"، ونص ايضاً على "ان الجانبين السوري والتركي، بعد الحصول على موافقة لبنان، اتفقا على ان يتخذ القتال ضد حزب العمال الكردستاني اطاراً ثلاثياً"، علماً ان رئيس شعبة الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان اللواء غازي كنعان شارك في اجتماعات اضنة. واعلن وزير الدفاع التركي عصمت سيزغين امس ان تركيا قد ترجىء مناورات عسكرية كبيرة سميت "عزم - 98" كانت تنوي القيام بها بين السابع والتاسع من الشهر المقبل على الحدود مع سورية وذلك بعد التزام دمشق بعدم دعم المقاتلين الاكراد. وقال الوزير للصحافيين ان "هذه المناورات ستجري الاّ انها قد تؤجل لاسباب تقنية". واضاف "انا متيقن ان سورية ستحترم التزاماتها الواردة في الاتفاق، واذا لم تقم بخطوات ملموسة فإن تركيا ستجري المناورات خلال تشرين الثاني نوفمبر". وقالت وكالة "الاناضول" للانباء ان الطرفين اتفقا على لقاء ثانٍ يتناول آلية للمراقبة يعقد في سورية الشهر المقبل كي يُتاح لمسؤولين امنيين على طرفي خط اتصال هاتفي "ساخن" ان يتعرف احدهما الى الاخر. كما افاد تقرير الوكالة ان الطرفين سيبحثان أيضاً تفاصيل آلية المراقبة في لقاء الخبراء الامنيين. وكان الاتفاق الذي جرى توقيعه الاسبوع الماضي لنزع فتيل الازمة تضمن تعهداً سورياً بانهاء الدعم لحزب العمال وعدم السماح ابداً بعودة زعيمه اوجلان، وانشاء آلية للمراقبة. وتتضمن هذه الآلية، فضلاً عن خط الاتصال الهاتفي المباشر، تعيين مسؤولين امنيين يرتبطان بسفارتي البلدين. كما ذكر السوريون انهم "سيدرسون" اجراء "عمليات تفتيش فورية". وجاءت هذه التطورات في اعقاب الاجتماع الذي عقده اول من امس مجلس الامن القومي الذي يتولى التنسيق بين الحكومة والمؤسسة العسكرية. وافادت تقارير ان التوتر مع سورية كان على رأس اجندة الاجتماع الذي دعا الى تأجيل المناورات العسكرية مع الاستمرار في تركيز الانتباه على التطبيق الكامل للاتفاق الموقع مع سورية وتشغيل آلية المراقبة من دون معوقات. الى ذلك، قالت مصادر اقتصادية ل"الحياة" ان وفداً تجارياً حكومياً سورياً سيزور انقرة "قريباً" للبحث في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، علماً ان قيمة الصادرات السورية ارتفعت من 200 الى 450 مليون دولار اميركي بين عامي 1996 و1997. في غضون ذلك، شرعت تركيا بتصعيد الضغوط الديبلوماسية على روسيا لضمان عدم اعطاء اوجلان ملاذ آمن جديد يواصل منه توجيه عمليات مقاتليه. ولفت نائب الناطق باسم وزارة الخارجية التركية سرمت اوتكان الاثنين الماضي الى ان موسكو "لم تعترف بعد رسمياً" بوجود اوجلان في روسيا. وكانت انقرة اعلنت في وقت سابق انها حصلت على تأكيدات عبر الاستخبارات التركية والاجهزة الاستخبارية "لبعض الدول الصديقة" بان زعيم حزب العمال وصل الى ضاحية اودينتسوفو في موسكو. وقال اوتكان ان تركيا طلبت رسمياً من روسيا تسليم اوجلان وان رئىس الوزراء مسعود يلماز بعث برسالة الى نظيره الروسي يفغيني بريماكوف يوضح فيها موقف تركيا. وهناك مذكرتا توقيف دوليتان بحق اوجلان. ولم توضح روسيا بعد موقفها من مطالبات تركيا، رغم ان وزارة الخارجية الروسية قالت انها "تدقق في تقارير حول وجود اوجلان في روسيا". ومن المتوقع ان يقدم وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف، الذي يصل اليوم لحضور الاحتفالات لمناسبة الذكرى ال 75 لتأسيس المجمهورية التركية، توضيحات لموقف موسكو. وقالت وكالة "انترفاكس" الروسية انه سيقوم خلال زيارته التى تستغرق يوماً واحداً بتسليم الرئيس سليمان ديميريل رسالة من نظيره الروسي بوريس يلتسن. وعلى رغم المخاوف من ان تحاول روسيا استخدام اوجلان و "الورقة الكردية" كثقل مضاد لعلاقات تركيا المتنامية مع الجمهوريات الاسلامية الناطقة باللغة التركمانية في القوقاز وآسيا الوسطى، فإن محللين يقولون ان روسيا التي تسعى الى الحصول على حصة كبيرة في مشاريع الصناعة العسكرية في تركيا لا تريد إثارة غضب تركيا بإطلاق اوجلان. واعلنت الرئاسة النمسوية للاتحاد الاوروبي ترحيبها بتوقيع الاتفاق التركي - السوري. وعبّرت في بيان اول من امس عن "الأمل في ان يسمح بتعزيز العلاقات بين البلدين في المدى البعيد"، على صعيد آخر، افادت وكالة "الاناضول" ان المدعي العام في انقرة طلب امس أ ف ب رفع الحصانة البرلمانية عن زعيم حزب "الفضيلة" الاسلامي رجائي قطان لادلائه بتصريحات "تهدف الى الاستفزاز العنصري او الديني". واضافت الوكالة ان المدعي العام سلم وزارة العدل ملفا يتهم فيه قطان بالادلاء بتصريحات ضد طائفة العلويين المسلمين الاتراك في احد خطاباته امام مجموعة حزبه البرلمانية. وقال قطان في كلمة القاها خلال الازمة السورية التركية مثيراً غضب العلويين ان "طائفة العلويين المنحرفة عن الاسلام تحكم في سورية". وتعد هذه الطائفة بين 10 و15 مليون نسمة من أصل 63 مليون تركي. ويخضع قطان وسبعة نواب آخرون من حزب "الفضيلة" لتحقيق قضائي في قضية فساد تتعلق بحسابات مصرفية لحزب اسلامي آخر محظور حالياً وهو حزب "الرفاه". واذا صادق البرلمان على رفع الحصانة عنهم فإنهم سيمثلون أمام القضاء.