معرض جائزة تيرنر نقطة لامعة في الفن التشكيلي الحديث، بما يثيره من نقاش وتحديد اتجاه. والذين تناولوا المعرض هذه السنة تخلوا عن أي اقتراح، مقتنعين بالوصف والملاحظات السريعة. ولكن، ما الفائدة، ما دام التعبير الفني يسير في هذه الطريقة التي لا جذور لها ولا أفكار؟ تعبير للتلفزيون و تغطية إعلامية واسعة، هي لعبة هذا النوع من الفن الحديث. الاتجاه يضيف حلة شيقة للاعمال المطروحة، لأنها تنتج جمالاً خاصاً بها. جمال، إما أن تلتقي به العين أو تتجاوزه تماماً. إلا أن هذا لا يشغل كثيراً بال الفنانين، أو يمنع من الانتاج بطريقة "أي شيء كان". يظل هذا التعبير، كأنه شعار "خفي" لمعرض هذه السنة. الرسم قليل فيه، ويأتي من شاب بين فنانات ثلاث يقدمن انتاجا يتراوح بين الانشاء والنحت والفيديو. في غرفة مظلمة تعرض سام تيلور وود فيلماً يصور زبائن في مطعم راق وهم يأكلون ويتحدثون. نوع من التصنت على الآخرين. نريد أن نعرف ما يقال، لكننا لا نستطيع، لأن المشاهد صامتة. على الجدارين المقابلين في الغرفة يجرى فيلم آخر: الى اليسار وجه امرأة تغالب الدموع، والى اليمين لقطة مكبرة ليدي رجل وهو يحركهما عصبياً في محاولة للسيطرة على موقف. هذا العمل الذي يدعى "أتلانتيك" لا ينقصه مدلول. إلا أنه يبدو مصطنعاً. يحاول الناظر العثور فيه على تعليق اجتماعي أو سخرية أو موقف. تقدم الفنانة هنا عالمها الخاص الذي تتحرك فيه، عالم الموضة والمطاعم والسينما. إنها محاولة إخلاء الفن من معنى. كاتي دو مونشو تقدم أشكالاً مجسمة كأنها أجزاء من هيكل عظمي أو مخلوقات صغيرة من الفضاء. الاشكال التي تفتح مجالاً للتأويل مصنوعة من حديد وبلاستيك. بعضها معلق على الجدران، وأكبرها يشغل أرض غرفة كاملة. القطعة تجذب بمنظرها لكنها لا توحي بتقدير. تتجه الفنانة هنا الى التعبير عن العلاقة بين الألم وجسم الإنسان. لوحات الشاب كريس أوتي أكثر راحة في الموضوع وفي الاسلوب الذي طوره من الرسم الإفريقي. موضوع رسومه أشخاص وبورتريهات. إنه يضيف الى أعماله أيضا عنصراً نافراً في شكل براز الفيل، يعلقه بقنب على اللوحات، وكأنه يمنحها أوصافاً إكزوتيكية. وهذه المرة الأولى التي تختار فيها الجائزة فناناً أسود، وهو كان اشتهر إعلامياً في معرضه الأخير في سربنتاين غاليري. واذا كان أوتي أنتج صوراً متشابهة الألوان وبطريقة خالية من الادعاء الفني، فإن تاسيتا دين حاولت إلغاء العملية كلها بتقديم رسوم بالطباشير على لوح أسود، تبدو كأنها مخطط لمشروع رحلة سفينة... الفنانة تقدم هي الأخرى فيلم فيديو يصور نساء مترهلات في استجمام، نكاية بمناظر النساء الجميلات التي سيطرت في القديم على الرسامين الانطباعيين الكبار.