محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعيدون عن لندن وبعيدون عن اوطانهم الاصلية . شباب عرب في ليدز يتحدثون عن العلاقة بالمجتمع الجديد والأهل والثقافة العربية
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 1998

الهوية الثقافية، الانتماء، الوطن، مفاهيم باتت غامضة ومشوشة تقلق الكثيرين من المهاجرين العرب، خصوصاً في ما يتعلق بنشأة ابنائهم بين حضارتين وثقافتين، يرى الآباء كل الاختلاف بينهما، بينما لا يرى الأبناء الفرق بهذا الحجم وهذه الأهمية. فثمة خطوتان، مُحجمة والأخرى مُقدِمة ازاء هذه الحضارة. وثمة رؤيتان، متشائمة وأخرى متفائلة، في ما يتعلق بالأخذ من هذه الثقافة والانصهار فيها أو البعد عنها كلياً والانغلاق على موروث اجتماعي تقليدي أكثر مما هو ديني قيمي أو ثقافي حضاري، وأحياناً عدائي أكثر منه انفتاحي.
رؤوس الآباء تضج بالكثير من الأسئلة الحائرة حول مستقبل ابنائهم في أحضان هذه المجتمعات الجديدة، وإذا كانت رغبة الآباء مشروعة ومفهومة في أن يحفظوا لابنائهم ارتباطهم بلغتهم وثقافتهم الأصلية، هل يتوفر لهذه الرغبة الدعم والعون من قبل مؤسسات عربية وجمعيات ترعى فكرة استمرارية الارتباط الثقافي؟ وبأية معلومات سيغذون أدمغة أبنائهم الصغيرة/ الكبيرة عن وطن لم يروه أصلاً، وفي ظل هذا الزخم الهائل من المعلومات الحرة وهي تنساب إليهم من كل جهة؟
ولنا أن نتساءل: أين يقف الشاب أو الشابة من هذه التساؤلات القلقلة؟
هذا الحوار مع بعض الطلبة والطالبات العربيات ممن يقيمون في مدينة ليدز وسط انكلترا، قد يوضح بعض تساؤلات ومخاوف الآباء، لكنه يكشف موقف الشباب أنفسهم من مخاوف الآباء، ومن الثقافة العربية، وماذا يصل منها إليهم، وأخيراً علاقتهم بالمجتمع الجديد الذي وجدوا أنفسهم فيه بسبب ظروف آبائهم، وليس باختيارهم هم.
ايمان عبدالله من العراق تدرس الاعلام، سنة ثانية، بدأت الحديث عن سبب اختيارها لتخصصها الدراسي، وكيف قابلت أسرتها هذا الاختيار:
"أحب الاعلام، خصوصاً الاخراج التلفزيوني والسينمائي الذي ارغب بالتخصص فيه في ما بعد. أهلي لم يوافقوا على اختياري وكانت ممانعتهم شديدة، لكن إصراري كان قوياً أيضاً. هم يمانعون لأن هذا التخصص لا يتناسب وعاداتهم التي أتوا بها وبنا إلى هذا البلد، وهذا التخصص غير مناسب بالنسبة إلى البنات فقط على ما اعتقد، فلو كنت صبياً لما وجدت هذه الممانعة اطلاقاً. بينما أرى ان هذا التخصص مطلوب جداً هنا، خصوصاً انني قد أعيش هنا إلى الأبد، لأن ظروف بلدي الذي لا اذكر منه شيئاً لا تزال غامضة".
أما نوفل عبدالمنعم من العراق الذي يدرس المحاسبة فيقول:
"لم يتدخل أهلي في اختياري لتخصصي اطلاقاً، وقد اخترته لأنه يتناسب مع ميولي وطبيعة تفكيري، وقد شجعني اساتذتي في المدرسة عندما لاحظوا تفوقي في هذا المجال، إذ كنت انجز الوظائف المدرسية بزمن قياسي، وكنت احاضر أحياناً في مدارس أخرى، مما كان يثير غيرة زملائي من الطلاب الانكليز، واعتقد ان ذلك ساهم في خلق حاجز بيننا".
وحول العلاقة بالمجتمع الانكليزي عموماً، يقول نوفل:
"هناك توجيه حتماً من الأهل وتدقيق كبير في مسألة اختيار الأصدقاء، وقد استطيع ان اسميه تدخلاً، لأنهم كانوا ولا يزالون حريصين على أن نبقى محتفظين بعاداتنا وتقاليدنا العربية التي تختلف كثيراً عن عادات هذا المجتمع، فمثلاً لم يكن مسموحاً لي أن أتأخر خارج المنزل إلى وقت محدد في الليل، بعض الاماكن كالنوادي الليلية أو البارات أيضاً غير مسموح بها، بينما هي جزء من ثقافة هذا المجتمع وتعتبر اماكن عامة يلتقي فيها الشباب أو الناس عموماً من مختلف الأعمار. أما علاقتي بالطلاب فمحدودة ومحصورة في اطار الزمالة فقط، وليس الصداقة، فأنا أرى ان الانكليزي يغار جداً من الأجنبي إذا تفوق عليه، بينما إذا تفوق الانكليزي، فالأمر عادي جداً بالنسبة إليهم وهذا يخلق حساسية بيني وبينهم، الاحظ ذلك أيضاً من خلال نكاتهم أحياناً التي لا تخلو من بعض الاشارات إلينا كأجانب".
راجح خميس طالب من الأردن يدرس الماجستير في شبكات الكومبيوتر يضيف قائلاً:
"لمست فعلاً هذه الحساسية بين الطلاب الانكليز والأجانب، خصوصاً العرب، فإذا تفوق الأجنبي تحمل نظراتهم إليه الكثير من الغيرة والاستغراب، وإذا أخطأ العربي أو الأجنبي، يعزى ذلك لكونه أجنبياً غير متحضر، حتى لو كان هذا التصرف السيئ اكتسبه منهم، بينما الطلاب الأجانب كالاسبان أو الاتراك أو الأوروبيين الآخرين فهم أكثر لطفاً معنا.
اعتقد أن الانكليز يتصرفون بنفس الطريقة حتى مع البريطانيين من اسكوتلندا مثلاً أو ايرلندا. إضافة إلى الصورة المشوهة التي تكونت لدى الانكليزي عنا كعرب، نتيجة عوامل وتراكمات كثيرة، منها تصرفات بعض السياح والطلاب العرب السيئة مثلاً والاعلام وما ينقله لهم عن بلداننا، فيظل الانكليزي يعمم هذه الصورة السيئة على كل عربي يلتقيه".
يعلق نوفل فيقول:
"لكن، نبقى بالنسبة إليهم كعرب أفضل من جاليات إسلامية أخرى كالباكستانيين مثلاً، فهم بداية حذرون في تعاملهم معنا إلى أن يدخلوا معنا في علاقة أو تجربة معينة فتغيّر رأيهم بنا، حدث ذلك معي كثيراً، إذ افصح لي بعض الذين أعرفهم من الانكليز أنهم لم يكونوا يعرفون اننا بهذا الشكل، ولدينا ثقافتنا واخلاقنا".
حسين العسكري طالب بحريني وصديقه صبحي الجعفري طالب سوري، يعيشان في ليدز منذ ثلاث سنوات، لهما تجارب أخرى حول هذه النقطة.
يقول حسين: "أهلي أيضاً كانت في أذهانهم صورة جداً سيئة عن المجتمع الانكليزي، ما يجعلهم قلقين جداً على وجودي هنا، وهذه الصورة هي التي أتيت بها، فهم إذن مثل الانكليز وانطباعهم عنا، لكني لم أجد الانكليز بهذا السوء الذي تصورته. توجد تصرفات سيئة منهم لكنها فردية ولا استطيع تعميمها، فقد تعرضت مثلاً مرة للتحرش والأذى من قبل بعض الشبان الانكليز لأنني أجنبي، وهؤلاء كانوا معروفين بعنصريتهم، لكني حتما لن أعود إلى البحرين بهذه الصورة عن الانكليز أو عن بريطانيا عموماً، فمجتمعاتنا أيضاً لا تخلو من هذه الأمور، والعنصرية بين العرب انفسهم وضد بعضهم البعض موجودة، بنفس الحجم وربما أكثر. وحتى عن الاخلاقيات والعادات الاجتماعية، ففي مجتمعاتنا يوجد أيضاً الكثير من العادات والتصرفات غير المقبولة أخلاقياً".
ويقول صبحي: "أنا استفيد من كون شكلي أشبه بالأوروبيين، الاسبان أو الطليان بشكل خاص، لذلك أحياناً لا أقول اني عربي، وهكذا يتقبلونني أكثر، لكن بحديثي معهم وتصرفاتي أحاول تصحيح الصورة السيئة الموجودة في أذهانهم، وأحاول فعلاً الاندماج في ثقافتهم طالما هي لا تتعارض واخلاقنا، فأبي عاش في ألمانيا منذ الخمسينات من هذا القرن ولمدة غير بسيطة، اندمج معهم إلى حد كبير، لكنه بقي محتفظاً بثقافته الدمشقية واخلاقه الإسلامية. حذرني من بعض الأمور هنا قبل مجيئي لكن بدافع الحرص ليس أكثر، واستطيع أن أقول اني جئت وفي ذهني صورة هي أقرب إلى الواقع الذي لمسته هنا. ثم اني بدأت أميل فعلاً إلى طبيعة الحياة هنا، بجانبها الايجابي طبعاً".
أما ايمان عبدالله فتقول: "لا أعاني اطلاقاً من هذه المشكلة على رغم اني الأجنبية الوحيدة في الصف ومحجبة، وكل الآخرين انكليز، مع ذلك يحترمونني ويعاملونني كأنني واحدة منهم، وعندي صديقات انكليزيات، بسهولة استطيع تكوين علاقات معهن، اعتقد اني أفهم طبيعتهم، ثم أنهم صريحون أكثر من العرب، الذين يتعاملون بأكثر من وجه، وبالنسبة إلى الغيرة، فهي موجودة في كل المجتمعات الطلابية.
أهلي يتدخلون في اختياري لصديقاتي، سواء من العرب أو الأجانب ويحدون منها، فمع الصديقات الأجنبيات لا نتبادل الزيارات ولا أخرج معهن، بل تبقى العلاقة فقط في حدود المدرسة والكلية والتليفون، بينما تزورني صديقاتي العربيات!! وعموماً فأنا اعتبر ان هذا المكان صار بلدي، انتمي إليه، ومشاكله تعنيني بشكل أو بآخر وعليّ مواجهتها".
ياسر نجم الدين عراقي/ انكليزي مقيم في ويكفيلد ويدرس في ليدز، يقول:
"عندما أتيت إلى هنا كنت متخوفاً من تقبل المجتمع الطالبي الانكليزي لي، خصوصاً لكوني عراقي الأصل، مع اني ولدت هنا، وما يبثه الاعلام عن العراق جعلني متهيباً بعض الشيء، لكني وجدت العكس في المدرسة، فالطلاب كانوا لطيفين معي ولم تحدث معهم أي مشاكل. والمنطقة التي نسكنها لا يوجد فيها الاجانب بكثرة مثل ليدز، مع ذلك علاقاتنا جيدة بهم. وفي ما يتعلق بصداقاتي، فوالدي يحاول توجيهي إلى الأفضل، بحكم خبرته هو، فلا أسهر خارج البيت ولا أرتاد الاماكن التي يرتادها الانكليز كالنوادي الليلية والبارات. ووالدي يحاول ان تكون علاقته بيّ علاقة صداقة أكثر منها علاقة أب وابن".
ما هي طبيعة العلاقة باللغة العربية، وما هي نوعية القراءات، وما الحجم الذي تحتله الثقافة العربية لدى هؤلاء الطلاب؟
تقول ايمان: عندما أتيت إلى هنا مع أهلي كان عمري سبع سنوات، وقبلها كنا نعيش في الخليج وليس في بلدي! فكنت اتحدث العربية جيداً بينما قراءتها وكتابتها كانت أقل. السنوات الأولى هنا كانت صعبة جداً بالنسبة لأهلي، فهي نقلة كبيرة من الشرق إلى الغرب، فكان الانشغال بتدبر أمور المعيشة والحياة اليومية يقلّل من الاهتمام بتقوية لغتنا العربية قراءة وكتابة، إذ ان التحدث بها لم يعد مشكلة لأنها لغة البيت والأقارب والأصدقاء. بعد سنوات ادرك أهلي المشكلة، وصرت اذهب إلى مدرسة عربية أيام الأحد، كنت حينها في الرابعة عشرة تقريباً، وكنت أجد صعوبة في تعلم الكتابة، ولا زلت، املائي ضعيف وصياغتي الجملة العربية وكتابتها أيضاً صعبة، لكني أقرأ جيداً باللغتين، ووالدي يشجعني كثيراً على ذلك، ولديه الكثير من الكتب - وإن يغلب عليها الطابع الديني والتقليدي - لكن قراءاتي مراقبة إلى حد ما، فهي خاضعة لتوجيهات أهلي، باختيار وتحديد ما هو ملائم أو غير ملائم وفقاً لقناعاتهم التي تنتمي إلى خلفية اجتماعية ودينية معينة. ثم ان الكتب العربية غير متوفرة في ليدز، بينما توجد بعض المكتبات في لندن لكنها تبيع بأسعار غالية جداً.
ويقول حسين: في المدرسة في البحرين كنت أقرأ الكتب الانكليزية والعربية لأحصل على المعلومة الصحيحة والدقيقة بعد أن امحصها في رأسي، فقد كنا ندرس في كتب التربية والتاريخ الكثير من الأمور التي وجدتها في ما بعد غير صحيحة، وهنا المجال أوسع للبحث والقراءة، فصححت الكثير من معلوماتي، مثلاً درسنا في المدرسة الثانوية عن اليهود والمسيحيين، وجدتها في ما بعد بعيدة عن الصحة وملفقة، لم أجد شيئاً مما درسناه، فاعتقد ان هذا التلفيق عار علينا. أما عن رقابة الأهل فهي موجودة حتماً بشكل أو بآخر. مرة زارني والدي هنا، ولفت انتباهه كتاب سليمان رشدي "الآيات الشيطانية" بالانكليزية، فثار عليّ بشدة لأني أقرأ هذا الكتاب، ومرة أخرى كنت أقرأ كتاباً عن كارل ماركس، ايضاً تدخل والدي وتكررت المشكلة.
ويقول نوفل: عندما اتيت إلى انكلترا كان عمري عشر سنوات، وكنت أجيد العربية قراءة وكتابة ومحادثة، ولا زلت، إذ منذ البداية ظل اهتمامي بها كبيراً، لأني أصلاً أحب القراءة، وأحب الشعر بشكل خاص، استعير أحياناً من والدي لكن كتبه محدودة وقديمة. وبعد أن أجدت الانكليزية صرت اقرأ بها، لكن، تبقى العربية هي التي تغلب على تفكيري وميولي، واعتقد أنها أكثر عمقاً وثراء من أية لغة أخرى. ولا توجد في ليدز مكتبات تبيع الكتب العربية، فهي غالية بالنسبة إلى الصحف الانكليزية التي لا يزيد سعرها عن 25 أو 40 بنساً، وهي بذلك في متناول الجميع، والطالب الانكليزي يستطيع شراء جريدته يومياً، بينما العربي لا يمكنه شراء جريدة عربية يومياً، فسعرها يعادل أحياناً ثمن وجبة غداء في مطعم المدرسة!!
وتعلق الطالبة جمانة محمد، وهي طالبة دراسات عليا في الأدب الانكليزي من سورية على هذا الموضوع تعليقاً طريفاً:
"كثيراً ما أشاهد في الأماكن التي تبيع الصحف طلاباً عرباً، يتصفحون الجريدة العربية ولا يشترونها، مما يزعج البائع أحياناً، فهذا سلوك غير لائق، وذلك طبعاً بسبب ارتفاع أسعار الصحف العربية، واراهم أيضاً يتجمعون حول التلفزيونات في مكتبة الجامعة التي تسحب عدداً كبيراً من القنوات الأجنبية بلغات عدة، منها تلفزيون دبي وال mbc، وعلى رغم ضحالة ما يُقدم في المحطات العربية من برامج لا تشد الشاب العربي كثيراً ولا تغريه بقدر ما تفعل المحطات الأجنبية، لكنها تسهم قليلاً في اشباع حاجته أو اشتياقه للكلمة العربية، ليس إلاً".
ويعلق صبحي: "عندما دخلت مكتبة الجامعة فوجئت بقسم كبير نسبياً للغة العربية، يضم الكثير من الكتب والمجلدات، فرحت بها حقاً وإن كانت قديمة، لكني لاحظت أيضاً ان ثمة صحفاً أجنبية يومية في المكتبة ويقبل عليها الطلاب، فلماذا لا تتبرع بعض الصحف العربية بنسخة للجامعة كل يوم ليطلع الطالب العربي عليها، فكثيراً ما نشتاق للحرف العربي، لكننا لا نعثر عليه بسهولة".
هذا ينقلنا إلى المؤسسات أو الجمعيات العربية ودورها في شد الشباب العربي في الخارج إلى جذوره وثقافته... عن هذا الموضوع يقول راجح: حاولنا مع مجموعة من الطلاب العرب انشاء جمعية أو رابطة لكننا فشلنا بسبب اختلاف الجنسيات، فثمة العراقي والكويتي والسعودي والفلسطيني وغيرهم، وللأسف فلا تزال السياسة تلعب دوراً قوياً في تفريقنا. والأكثر من ذلك هذه الحادثة، فهناك مسجد ليدز الكبير الذي يلتقي فيه أغلب المسلمين، خصوصاً أيام الجمعة والأعياد، وفيه مكتبة متواضعة، وهو يوفر مكاناً جيداً للقاء الشباب العرب، لكن ما أن علم بعض الطلاب الكويتيين وآخرين من السعودية وغيرهم ان إمام المسجد عراقي حتى لم نعد نراهم هناك.
ويعلق نوفل: أصلاً لا توجد مؤسسات ولا جمعيات تعنى بالشباب العربي في ليدز، جرت محاولات قليلة، لكنها فاشلة، والسبب الرئيسي للفشل هو قلة الامكانات المادية على ما اعتقد. والسبب الآخر هو ضعف بعض القائمين على تلك المشروعات. وكل ما أعرفه ان للعرب نادياً في لندن "النادي العربي" وأظن ان نشاطه محصور في لندن فقط، إذ لم ألتق أي عربي في ليدز له اشتراك في النادي، أو يستفيد من خدماته.
تقول ايمان: الشباب الذكور تبقى فرصهم أكثر منا نحن الفتيات، على الأقل هم يتمتعون بحرية الحركة والتنقل، مثلاً، يستطيع الشاب إذا لم يجد شيئاً في ليدز ان يذهب في اليوم نفسه إلى لندن أو مانشستر ويعود... بينما الفتاة لا تستطيع ذلك، وأعرف الكثير من الفتيات العربيات يعانين المشكلة، فمن جهة مطلوب منا ان نحافظ على ثقافتنا ولغتنا لكن لا يوجد من يرعى ذلك أو يقدم لنا ما نحتاج. حاولت الاقتراب من بعض التجارب التي تقوم بها بعض الجاليات العربية لإنشاء جمعية أو نادٍ اجتماعي، لكنها فاشلة كلها، فهي أولاً لا تعنى سوى بالجانب المتزمت وتتجاهل المعرفي الثقافي والأدبي أو حتى الاجتماعي. ثم أن أغلب المقيمين عليها كبار في السن وتقليديون جداً، فلا يتقبلون الرأي الآخر، ولا أي جديد، خصوصاً منا نحن الشباب، بينما المفروض اننا المعنيون بهذا النشاط. والسيدات هناك يرفضننا ويعتبرننا متغربات عن ثقافتنا العربية مع اني وصديقاتي كلنا محجبات ونصلي ومتعلمات واخلاقنا عالية. لقد قررت عدم المحاولة مرة أخرى في الذهاب إلى تلك الأماكن أو معرفتها.
ويرى صبحي "ان المؤسسات العربية كانت موجودة في السبعينات وقبل ذلك، ولها دور حقيقي وجيد في ربط العربي بهويته وثقافته، أما الآن فالسياسة دائماً تطفو على سطح أي مشروع من هذا النوع. قديماً كان العربي لا يخاف العربي في الخارج، بل على العكس ما ان يجد عربياً مثله حتى يسارع بالتعرف إليه لأن أشياء مشتركة كثيرة تجمعهم، اليوم صار يخافه ويتحاشاه بسبب الخلافات السياسية والطائفية".
أما جمانة فتقول: لست معنية كثيراً بالبحث عن الجمعيات أو مؤسسات عربية، لكني لاحظت ان علاقة العربي بالعربي، في الخارج عموماً، مشوبة بالكثير من الحذر والخوف والتردد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.