} هذا الكتاب ليس مذكرات انه ذكريات ... ذكريات ومواقف في مسيرة نضال عشتها وشاركت فيها. تبدأ في ثلاثينات هذا القرن المشرف على نهايته، وهي حقبة زمنية حافلة بأحداث واجهها جيل متوثب بمواقف قد لا يهتم لها البعض، وقد يستسيغها البعض الآخر ممن عاصرها أو شارك فيها بشكل أو بآخر، ولكل رأيه وحكمه، لكنها أحداث ومواقف صادقة لا يشوبها ادعاء أو غرور، والواجب القومي والوطني لا مكان فيه لمفاخرة. ولعل أهم ما قصدت اليه من نشر هذه الذكريات والمواقف أن تكون أمام الأجيال الصاعدة في هذا الوقت بالذات الذي يخوض فيه لبنان معركة الصمود والمقاومة، وأيضا للوقوف بوجه كل من يشكك في بنية استقلالنا الوطني ويسعى الى زعزعته... ولئن تكن الوحدة الوطنية وراء استقلال لبنان وحريته عام 1943، فإنها تستطيع ان تمدنا بالقدرة على المحافظة على الاستقلال لنبني معا لبناننا الحديث على مشارف الالفية الثالثة. ولدت في صيدا عام 1914، والدي الحاج أحمد عسيران تاجر "مال قبان" متوسط الحال، والدتي من بيروت من آل العجمي. بدأت دراستي الأولية في مدرسة "الشمعون" التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في صيدا، القريبة من بيتنا، بعدها انتقلت الى مدرسة المقاصد فكنت أنهض باكراً مصحوباً، بزوادة الغداء البسيطة. عند انتسابي الى هذه المدرسة استرعى انتباهي ذهاب ابن جيراننا الى بيروت في بداية كل عام دراسي، ولم يكن نصيبي من بيروت سوى زيارات قليلة وسريعة وأنا صغير السن برفقة والدي أو والدتي ليوم أو يومين وأكون تحت رقابة عائلية مشددة. استفسرت عن السبب الذي من أجله ينعم جارنا بالذهاب الى بيروت، فتبين لي ان ذلك يعود الى انتسابه الى احدى المدارس في العاصمة. نلت الشهادة من مدرسة المقاصد وكنت سألتحق بمعهد الفرير في صيدا. في هذه الأثناء وصل من بيروت وفد من أساتذة مدرسة الصنائع والفنون لإجراء امتحانات الدخول اليها، وكانت المفوضية العليا الفرنسية تشجع العلوم المهنية وترسل بعثات من الأساتذة الى المحافظات لاجراء الامتحانات فيها، وكان من بين الأساتذة الذين حضروا الى صيدا المؤرخ والشاعر أديب فرحات وهو من الجنوب وصديق والدي فنصحه بأن يتقدم أحد أولاده لدخول هذا المعهد قائلاً له: "المستقبل للعلوم المهنية والتقنية". وصادف ان كنت الى جانب والدي فسألني إذا كنت على استعداد لدخول مدرسة الصنائع فأجبت فوراً بالقبول طمعاً في الذهاب الى بيروت أسوة بابن الجيران. وتقدمت الى الامتحان ونجحت وكان لي من العمر أربعة عشر عاماً. وعند حلول موعد الدراسة اصطحبني والدي الى بيروت ودخلت المعهد المذكور في القسم الداخلي وانتقيت فرع الحياكة لأنها بالنسبة إلي كانت أسهل من فرع الميكانيك وتفرعاته المختلفة، وقضيت ثلاث سنوات تخرجت بعدها حاملاً شهاداتها. الى تعلم الحياكة والقيام بالتدريب على آلات النسيج، كانت هناك في طبيعة الحال مواد تدرس قبل الظهر هي اللغتان الفرنسية والعربية والفيزياء والرياضيات. الحرية التي ابتغيتها بانتقالي من صيدا الى بيروت لم ينلني منها سوى بضع ساعات من أيام الآحاد كنت أمضيها في مشاهدة فيلم سينمائي أو في نزهات على الشاطئ سيراً على القدمين أو في متابعة مباريات في كرة القدم التي كنت أعشقها. سنة تخرجي في مدرسة الصنائع توفي والدي، وكانت حسرة في قلبي أنه لم يحتفل بنجاحي ولم يشاهد تصفيق الحضور لي عندما أحرزت جوائز عدة. ثلاث سنوات وتخرجت بشهادة في الحياكة. حضرت حفلة التخرج مدام دي مارتيل قرينة المفوض السامي الكونت دي مارتيل وتبرعت للفائزين الأول في الصفوف المنتهية بجوائز مالية بلغت الواحدة منها خمسمئة ليرة لبنانية أي ما يعادل مئة ليرة ذهبية في ذلك الوقت، وكانت احدى هذه الجوائز من نصيبي لأنني كنت أحد الأوائل. وكذلك خصصت ادارة المدرسة جوائز رمزية للناجحين في كل مادة على حدة، فنجحت أنا في أربع مواد هي: العربية، الفرنسية، الفيزياء والحياكة. وكان هناك مدير المعارف يومئذ صبحي حيدر الى جانب قرينة المفوض السامي، وكان حيدر يشرف في الوقت نفسه على المدرسة، ولما سمع اسمي يذكر خمس مرات بعدد الجوائز التي أحرزتها - وفي كل مرة يذكر اسمي أو اسم أي ناجح يعلو التصفيق من الحاضرين - استوقفني وسألني: "عمو انت ابن مين؟" فقلت: "ابن الحاج احمد عسيران". فقال: "بورك بك، عسيران وحيدر فرعان من شجرة واحدة، نحن اقرباء". عدت الى البيت بجوائزي وليراتي ووضعتها أمام والدتي التي كانت تنتظر عودتي على قلق، ففرحت كثيراً وزادت فرحتها بما قاله لي صبحي بك حيدر. فسألتها: "ماما، لو لم أنجح وأحرز الجوائز هل كان يعجب بي صبحي حيدر؟ وهل كان يقول نحن أقرباء من عائلة واحدة؟" فأجابت ضاحكة: "لست أدري... لكن أنت يا ابني منذ صغرك غير شكل... فالحمد لله...". الطعام المغشوش وأذكر فيما أذكر عن اقامتي في مدرسة الصنائع اننا كنا نتناول طعاماً جيداً، انما ذات يوم شعرنا ان الطعام قد ساء فاضربنا عن تناوله احتجاجاً. ثم أدركت إدارة المطبخ الأمر وصلح الحال... وبالتحقيق تبين أن متعهد تقديم الطعام هو وراء الغش ويقدم للطلاب من طعام المساجين بطرقه الخاصة وبالتفاهم مع مطبخ السجن! وحدث بعد تخرجي ان الطعام عاد سيئاً كما أخبرني بعض رفاقي الطلاب فقلت لهم: "الحل هو في الإضراب". وعمدت مع بعض الطلاب الى طبع مناشير ضد المتعهد وأعلن الاضراب. واستدعي رجال التحري الى المدرسة وفتح تحقيق أظهر انني وراء طبع المناشير، فاعتقلت أربعاً وعشرين ساعة وأفرج عني بعد ما تبين اننا كنا على حق وان الطعام مغشوش، فاعتقل المتعهد، وطاب الطعام وفرح الرفاق... بعد وفاة والدي انتقلت بنا والدتي من صيدا الى بيروت وكانت تنتمي الى احدى أسرها القديمة، وكان هذا الانتقال الى بيروت بداية لحياتي فيها طوال عمري. في بيروت انفتحت أبواب الحياة الواسعة أمامي، ففيها عشت حياتي الشبابية ثم المهنية وحققت ما حلمت به كطفل في صيدا. لكنني وان كنت قد خرجت من صيدا، فإن صيدا لم تخرج مني. فمن جوّها ومن مدارسها ومعلميها ومن شارعها الوطني، انغرست في نفسي الروح النضالية غير المساومة، والتسامح الديني والفكري الذي لا أعرف مكاناً في لبنان يمكن أن يزاحم صيدا فيه. وقد اشتعل قلبي فيها بحب فلسطين والنضال من أجلها، وأنا أشاهد احراق السيارات الذاهبة الى يهود فلسطين محملة بالخضار أثناء الاضراب العام فيها، وكان يقوم بها شباب صيدا الميامين وعلى رأسهم المناضل معروف سعد، وكذلك أساتذتي في مدرسة "الشمعون" أمثال شفيق لطفي ومصطفى الشريف وشريف البزري، ثم مدير المقاصد الخيرية الاسلامية عبدالرحمن البزري، وأساتذتها مصطفى ومنيف لطفي وجورج نمور معلمنا بالفرنسية وغيرهم. كانوا جميعاً يغرسون في نفوسنا مبادئ الوطنية الصافية ونبذ التعصب الطائفي وحب العلم، وكانت شهادة المقاصد التي تعادل السرتيفيكا اللبنانية رسمياً تماثل فعلياً شهادة البكالوريا في كثير من النواحي، والفضل في ذلك لحسن أداء الأساتذة المسؤولين فيها. والواقع ان مقاصد صيدا كانت لابناء المدينة وجبل عامل من جميع الطوائف. وكان تمويلها من الأهالي وطاقمها التعليمي يختاره أعضاء الجمعية الذين يمثلون عائلات المدينة. وكانت رئاسة الجمعية أكبر في منزلتها المعنوية والاجتماعية من أي منصب حكومي، وما زلت أذكر دعوة أهالي صيدا للزعيم الوطني رياض الصلح العائد من المنفى، فقد أقيمت له أقواس النصر في كل مكان وارتفعت الهتافات مرحبة، الهتافات باللهجة الصيداوية وأتذكر منها: "ها هيي ها هيي اسلام ومسيحية، فلتحيا الوحدة الوطنية". مثل هذه الهتافات كانت تردد في كل مرة تقام فيها احتفالات أو تظاهرات وطنية. وقد صادف وأنا تلميذ في المقاصد أن جاء المفوض السامي لحضور حفلة تخرج الناجحين في الشهادة، وكنت من بينهم، وقد استعمل المستشار الفرنسي والدوائر الحكومية مختلف الأساليب والضغوط لتنظيم استقبال شعبي للمفوض، ولكن النتيجة كانت سلبية واقتصر الاستقبال على تلامذة المدارس الرسمية والموظفين وجلاوزة البلدية. بقي كل ذلك في صميم تكويني النفسي. في بيروت حاولت ان أجد عملاً في المهنة التي انتقيتها أي الحياكة، فلم أوفق لأن معامل النسيج لم تكن قد بدأت فيها، وكان أغلبها في دمشق، فسافرت اليها ووجدت عملاً في أحد المعامل وما زلت اذكر اسم صاحبه الحاج عبدالمجيد المجتهد. ولما كان الراتب ضئيلاً جداً فلم استطع البقاء أكثر من شهرين عدت بعدها الى بيروت وكنا اخوتي الكبار انيس وحسن وحسين ويحيى وأنا بحاجة للعمل لنعيل اخوتي الصغار عزيز وغالب وعبدالرؤوف ومكية ومحمود. وكانت الوالدة تبيع من آن الى آخر قسماً من "صيغتها" المحتفظة بها لسد حاجتنا جميعاً قدر الامكان. وقد استأجرت بيتاً في محلة رأس النبع قريباً من بيت رياض الصلح، وهذه الجيرة - أي جيرة رياض الصلح - لعبت دوراً كبيراً في مستقبل حياتي. خلال سنتين متتاليتين، بعد انتقالنا الى بيروت، التحقت بالمدرسة العاملية وتوليت تدريس القرآن الكريم. وكنت في مدرسة المقاصد اتقنت تلاوته وتجويده. العشرون ليرة التي تقاضيتها مرتباً شهرياً من التدريس، اعتدت الاحتفاظ بخمس منها لنفقاتي الصغيرة واعطاء الخمس عشرة الباقية الى والدتي. عملي في حقل التدريس لم يكن يأخذ كل وقتي مما جعلني التحق بنادي الشبيبة على ساحة البرج في بناية النجار التي كانت تضم كذلك مكاتب جريدة "لوجور". وكان يشرف على هذا النادي ويدير شؤونه السيدان جو سيلان وفوشيه، وهما مبشّران فرنسيان يعشقان الحرية وخدمة الانسان. وكان النادي يعطي دروساً بالفرنسية وبعض العلوم. وانصافاً للحقيقة لا يسعني سوى الاعتراف بأن هذين المبشّرين لم يحاولا مرة التأثير علينا من حيث الايمان والعقيدة. اذ كان ينتمي الى النادي شباب من مختلف المذاهب، وكذلك كان النادي يهتم بتنظيم المحاضرات والمواعظ الاجتماعية والانسانية. وانتسبت في هذا النادي الى الفرقة الكشفية التابعة له، وكنا نقوم برحلات ممتعة الى انحاء لبنان ونتسلق الجبال لنتعود تحمل مشاق الحياة ومساعدة الناس. وانتسابي الى هذا النادي الذي، كما قلت، كان ملاصقاً لمكاتب جريدة "لوجور" الفرنسية كان له تأثير على مستقبلي لأنني اعجبت بهذه الجريدة التي كانت في عهدة ميشال شيحا وشارل حلو وكانت تنبري لجريدتي "لاسيري" و"الاوريان" الفرنسيتين لتأييدهما الانتداب الفرنسي وكل ما يصدر عن المفوضية العليا. وكانت هذه الجريدة، أي "لوجور"، تدافع عن لبنان وتطالب بالاستقلال وبحرية المواطن. فأحببت الصحافة من خلالها. في تلك الأيام، أي في أواسط الثلاثينات، كثرت التظاهرات والاضرابات احتجاجاً على غلاء أسعار الماء والكهرباء وتعرفة الترامواي، وكنت اشترك في أغلب هذه التظاهرات التي كان رجال الانتداب يقمعونها بعنف وبأعقاب البنادق، وكثيراً ما ناقشت المبشرين الفرنسيين المشرفين على نادي الشبيبة فيما يقوم به مواطنوهما من أعمال تتنافى ومبادئ الحرية والديموقراطية، فكانا يصغيان الى ما أقوله بانتباه ويوافقان على استنكار أساليب القمع العنيفة ويقولان في ألم: "ما تشاهده من أعمال جماعة الانتداب ليس وجه فرنسا الحقيقي، فوجه فرنسا العريق الأصيل وتقاليدها في الحرية والديموقراطية تختلف تماماً عما يمارسه مبعوثوها هنا". بعد تركي التدريس في العاملية شاءت المصادفة ان أتعرف الى حسن اللاذقي الذي كان يملك امتيازاً لمجلة اسبوعية تدعى "الكوكب"، فعرض علي مشاركته في اصدارها سوية فلم أتردد لأن الانطباع الذي تركته في نفسي جيرة جريدة "لوجور" كان الحافز الأكبر لسرعة قبولي هذا العرض. تعاونا على اصدار المجلة، وأذكر في هذه المناسبة أن أمر اصدار جريدة أو مجلة في تلك الفترة لم يكن يقتضي مالا وفيراً، فالورق رخيص ومتوافر، واليد العاملة متدنية الأجر، والأهم من الورق والعمال ان صاحب جريدة أو مجلة صغيرة غالباً ما كان هو محررها ومدير ادارتها وموزعها أحياناً كثيرة. وما يدعى الاعلان كان شبه معدوم بمعناه التجاري المتعارف عليه اليوم على الأقل. جعلنا "الكوكب" بادئ الأمر أدبية اجتماعية بعدما انضم إلينا أحمد زكي الافيوني وهو كاتب ومتمرس في الصحافة. وتقاسمنا تحرير موادها مع بعض ما يردنا من الكتاب والأدباء. ثم حوّلنا بعض اهتمامنا الى الرياضة والكشفية. بعد انتسابي الى الكشاف المسلم الذي كان بقيادة محيي الدين النصولي، وكان هذا الكشاف في أوج ازدهاره ويتزعم الحركات الوطنية والتظاهرات ضد الانتداب الفرنسي، أصبحت "الكوكب" بالتالي لسان حال الكشافين وجميع الفرق الكشفية في لبنان. بعد انفصال أحمد زكي الافيوني عن الجريدة، اشترينا حسن اللاذقي وأنا مطبعة صغيرة بالتقسيط، وأصبحنا نطبع الجريدة فيها الى جانب بعض المطبوعات التجارية لتساعدنا على دفع الأقساط. وكذلك كنا نطبع المناشير التي توزع على المواطنين لدفعهم الى مناوأة الانتداب. وكنا نطبعها سراً، وقد طلب منا مرة طبع مناشير خطيرة فاضطررنا الى رفضها خشية أن يفشي عامل المطبعة السر، وكان أجرها مغرياً. لحظة رفضنا هذا العرض قررت بيني وبين نفسي أن أتعلّم صف الأحرف والطباعة، وهكذا كان. فصرت إذا ما عهدت إلينا جهة ما في طبع مناشير سرية أتولى هذا العمل بنفسي ليلاً بعد قفل باب المطبعة من الخارج ليبقى الأمر مكتوماً. ومن مطبعتنا المتواضعة تلك خرجت مناشير كثيرة تحرّض الأهالي على شركة مياه بيروت وشركة الكهرباء وعلى كل ما للفرنسيين من مصالح عندنا. وأذكر في هذا المجال ان اضراباً عاماً أعلن في سورية، ولما أراد رجال حزب الكتلة الوطنية تغذية الروح النضالية لدى الشعب السوري وحمله على متابعة الاضراب لم يتمكنوا من طبع مناشير تدعو الى ذلك في دمشق فلجأوا الى لبنان، وكان رياض الصلح يعلم أنني أتولى أحياناً طبع مناشير سرية، فاستدعاني الى بيته وسلمني المنشور المراد طبعه وهكذا كان، وقد رفعت هذه المناشير، عندما وزعت في سورية، من روح المقاومة والصمود في وجه الفرنسيين. وكما قلت ان جيرتنا لبيت رياض الصلح أفادتني كثيراً حيث كنت أشاهد التظاهرات تبدأ من بيته وتنتهي فيه - عندما كان يعتقله الفرنسيون - وجرى ذلك مرات عدة قبل اعتقاله في راشيا ونفيه الى القامشلي، ثم الى غيرها، فكانت داره تكتظ برجالات البلاد، وعند عودته يستقبل بتظاهرات التأييد الصاخبة. عملنا السري في طباعة المناشير تابعناه حتى الاستقلال دون أن يعلم الفرنسيون بأمرنا أو تهتدي إلينا عيونهم. وقد توثقت علاقتي برياض الصلح، فاستدعاني مرة وسألني ان كنت أوافق على الذهاب سراً الى فلسطين حاملاً بيانه ضد مشروع الاستقلال الذي اذاعه الجنرال كاترو عام 1941 ليُنقل منها الى جريدة "الأهرام" المصرية بواسطة مراسلها هناك لأن الأوامر صدرت بمنع نشر البيان في لبنان، فوافقت في الحال بل شكرت رياض على ثقته بي واختياري للقيام بتلك المهمة وتمنطقت بالأوراق وذهبت على بركات الله وتوفقت في مهمتي. وفي أواخر عام 1943 قمت برحلة الى مصر برفقة نسيبي عادل عسيران، وكان وزيراً للتموين في حكومة الاستقلال وأول وزير لبناني يزور مصر بعد معارك لبنان مع فرنسا ونيله استقلاله. فزرنا هناك جريدة "المصري" لصاحبها محمود أبو الفتح، وهي كانت تناصر لبنان لنيله استقلاله. وبعد ما تعرفنا الى صاحب الجريدة عرض علي أن أكون مراسل "المصري" في بيروت، فوافقت في الحال ثم أخذت "المصري" تنتدبني للقيام بتحقيقات واسعة في بعض البلاد العربية ولملاحقة مجرى الأحداث فيها وكنت أقوم بهذه الأعمال الى جانب عملي في جريدة "الهدف". واستفدت كثيراً من امكانات جريدة "المصري" التي كان انتشارها كبيراً. تزوجت في حزيران عام 1946 من دعد راشد عسيران، واصطحبت عروسي الى حيث كان يذهب العرسان يرتشفون العسل في فندق "مسابكي" في شتورا. وصادف في اليوم الثاني لقضائي شهر العسل موعد انعقاد مؤتمر بلودان للبحث في قضية فلسطين وحضره رؤساء الحكومات العربية مع وزراء الخارجية وممثلي الأحزاب والهيئات الفلسطينية، بدعوة من جامعة الدول العربية. فوردتني برقية من "المصري" لموافاتها بأخبار المؤتمر، فلبيت الواجب الصحافي واضطررت الى ترك عروسي وحيدة في فندق العرائس، وكان الحاج حسين العويني يومذاك من بين نزلاء الفندق، فلم أسلم من تنكيته ولا من تحريض زوجتي على العصيان والتمرد. * يصدر كتاب "زهير عسيران يتذكر المؤامرات والانقلابات في دنيا العرب"، عن دار النهار للنشر في بيروت الشهر المقبل. زهير عسيران لبناني ولد في صيدا عام 1914. درس في كلية المقاصد الاسلامية في صيدا، وكلية الصنائع في بيروت. اضطلع بدور بارز في العديد من الجمعيات الشبابية، فكان عضواً في نادي الشبيبة وقائداً في الكشاف المسلم وأميناً للسر في جمعية "اتحاد الشبيبة". عمل في الصحافة في الثلاثينات فكان أحد أصحاب مجلة "الكوكب" ثم انتسب الى "الحزب القومي العربي" السري عام 1938 وكلف مهمات جسيمة. عضو حزب "الميثاق الوطني اللبناني" عام 1938. صاحب "الهدف" 1943 - 1968 ثم نقيباً للصحافة اللبنانية 1965 -1967 ومراسلاً خاصاً لجريدة "المصري" القاهرية، وشاهدا على الكثير من الاحداث اللبنانية والعربية والدولية في تلك الفترة. عضو في عصبة العمل القومي. نشط في حزب النجادة في الفترة الأولى لتأسيسه وعين أميناً للخارجية فيه عام 1938. عضو في مجلس أمناء مستشفى المقاصد الخيرية الاسلامية عام 1944. أمين سر "الهيئة الوطنية" برئاسة الدكتور محمد خالد التي شكلت لدعم استقلال لبنان، وعضو "المؤتمر الوطني" إبان معركة الاستقلال عام 1943، ومن القلائل الذين شكلوا فريق عمل الزعيم الراحل رياض الصلح ورافقوه في مراحل نضاله المختلفة لبناء دولة الاستقلال. مع نكبة العام 1948 اشترك في تأسيس "مكتب فلسطين الدائم" الذي أوكلت اليه مهمات مد المناضلين من أبناء فلسطين بالدعم وتنظيم حملات تطوع وتعبئة. عام 1944 كان من بين المجموعة الأولى التي أعلنت تأسيس "حزب النداء القومي". أحد مؤسسي جمعية قدامى الكشاف المسلم. عضو في مجلس ادارة "جوائز مصطفى وعلي أمين للصحافة" في مصر. رئيس "مجلس أمناء شباب لبنان الواحد" الذي تأسس مع مطلع التسعينات، ليشكل واحة لقاء وحوار لشباب لبنان من كل التيارات والطوائف. عضو المنتدى القومي العربي.