بغداد، واشنطن، نيويورك، فيينا - أ ف ب، رويترز - وسط حملة اعلامية عراقية اتهمتها بالتجسس وتنفيذ مؤامرة أميركية، عادت فرق التفتيش الى بغداد أمس بعدما تراجع العراق عن قراره وقف التعاون معها. وقال الرئيس بيل كلينتون ان "العالم يراقب الرئيس صدام حسين ليعرف هل سيقرن أقواله بالأفعال"، مشدداً على أن القوات الأميركية "لا تزال جاهزة إذا لم يفعل ذلك". وأعرب كلينتون في وقت متقدم ليل الاثنين عن ارتياحه الى عودة فرق التفتيش، في وقت بدا ان أجواء التأزم لم تتبدد نهائياً. إذ أصرت واشنطن على أن تسلم بغداد خبراء اللجنة الخاصة المكلفة التحقق من نزع أسلحة الدمار الشامل اونسكوم وثيقة تحدد كمية القذائف الممكن تزويدها عناصر كيماوية أو جرثومية، التي استخدمها العراق خلال حربه مع ايران 1980 - 1988. وقال كلينتون ان عودة خبراء التفتيش الى العراق هي "الحل الأفضل، شرط أن يستطيعوا العمل من دون عوائق وأن تتعاون السلطات العراقية معهم في شكل تام". وأشار الى أنهم تمكنوا منذ بدء عمليات التفتيش من ارغام العراق على الاعلان عن 40 ألف سلاح كيماوي تقريباً ونحو 700 طن من المكونات المستخدمة في صنع تلك الأسلحة و48 صاروخاً و30 رأساً صممت لنقل أسلحة كيماوية وجرثومية، بالاضافة الى مصنع كبير لانتاج أسلحة كيماوية قادر على انتاج "الجمرة الخبيثة" ومكونات قاتلة أخرى، وتدميرها. وزاد ان الخبراء "قاموا بعمل مميز ويجب أن يتمكنوا من انجازه"، لافتاً الى أن حكومات العالم أجمع "موافقة على اعتبار ان من واجب العراق احترام التزاماته كاملة". وشدد الناطق باسم البيت الأبيض جو لوكهارت على ان الولاياتالمتحدة ستبقي قواتها في المنطقة "مستعدة للعمل إذا ظهر أي دليل على أن العراق لن يحترم التعهدات غير المشروطة التي قطعها على نفسه. ستسمح لنا إعادة نشر القوات بالعمل بسرعة وحسم". ونبه الى ان الخيار الوحيد للرئيس العراقي هو الاذعان الكامل "فلم يعد هناك حل وسط بالنسبة الى صدام حسين". وأشار لوكهارت الى أن الولاياتالمتحدة ستقرر بناء على توصيات اللجنة الخاصة مدى اذعان العراق قبل اتخاذ أي خطوة جديدة. وكرر ان واشنطن تعتقد ان لديها التفويض الدولي الذي تحتاجه لتوجيه ضربة الى العراق إذا تراجع عن تعهداته. وتابع ان التأييد الدولي للسياسة الأميركية تجاه العراق ما زال قوياً وأكثر تماسكاً مما كان عليه خلال أزمة شباط فبراير. في الوقت ذاته شدد القائم بأعمال البعثة الأميركية لدى الأممالمتحدة رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري بيتر بيرلي على ضرورة ان يسلم العراق الوثيقة المتعلقة بالقذائف التي استخدمها خلال حربه مع ايران. وأضاف ان "هناك حاجة لتسليم أي وثيقة تحتوي حقائق متصلة بصورة مباشرة بعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو اللجنة الخاصة" في العراق. واكتشفت الوثيقة الخاصة بالقذائف خلال تفتيش مقر القوات الجوية العراقية في 18 تموز يوليو الماضي، وشكا رئيس "اونسكوم" ريتشارد بتلر من رفض بغداد تسليمها. وقرأ الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جيمس روبن ليل الاثنين بياناً شدد على وجود "تناقض كبير بين كمية المواد التي تم الحصول عليها لصنع أسلحة بيولوجية في العراق وكمية العناصر التي انتجت ويمكن أن تكون انتجت". وقال انه من نحو 31 طناً من المواد التي تستخدم في صنع الأسلحة البيولوجية والتي استوردها العراق، لم تفسر بغداد في شكل وافٍ مصير نحو 3.5 طن، وصفها بأنها "كمية هائلة". ولفت الى أن "رواية العراق عن كمية العناصر التي انتجها وعدد عمليات الانتاج الفاشلة معيبة جداً ولا يمكن القبول بها". وفي مجال الأسلحة الكيماوية كشف العراق صنع أربعة أطنان من غاز الأعصاب "في. اكس" و100 - 150 طناً من غازات اعصاب مثل السارين و500 - 600 طن من غاز الخردل. واستدرك روبن ان العراق ربما انتج كمية اضافية مقدارها 600 طن من هذه العناصر، موزعة بالتساوي بين الفئات الثلاث، وأضاف ان هناك "تبايناً كبيراً بين ما يقولون انه لديهم وما يدعونا للاعتقاد بأنه لديهم". وعدد الأسلحة العراقية التي دمرت باشراف "اونسكوم" ومنها: "48 صاروخاً جاهزة للاطلاق، 14 من الرؤوس الحربية لصواريخ، ست قاذفات متحركة، 28 منصة اطلاق ثابتة وجاهزة، 32 منصة اطلاق ثابتة و30 من الرؤوس الحربية الكيماوية لصواريخ، ومعدات ومواد أخرى للصواريخ ومجموعة متنوعة من مكونات سلاح عملاق مجمعة وغير مجمعة، و38537 قذيفة كيماوية محشوة وفارغة، و90 طناً مترياً من عناصر الأسلحة الكيماوية، وأكثر من ثلاثة آلاف طن متري من الكيماويات الوسيطة، و426 قطعة من معدات انتاج الأسلحة الكيماوية، و91 قطعة من الأدوات المتصلة بالتحليل، ومصنع "الحكم" لانتاج الأسلحة البيولوجية ومجموعة من المعدات والمواد". وختم روبن: "من يقول ان اللجنة الخاصة لم تفعل شيئاً عليه ان يلقي نظرة متأنية على الضرر الذي كان يمكن أن يحدث من تلك المواد". وعشية عودة فرق التفتيش رأس الرئيس العراقي صدام حسين ليل الاثنين اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث. ولم توضح وكالة الانباء العراقية التي بثت النبأ القضايا التي ركز عليها الاجتماع، فيما توجه الى نيويورك الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة براكاش شاه لاطلاع الأول على نتائج مهمته في بغداد، واعتبر ان انحسار الأزمة وتفادي ضربة عسكرية للعراق كانا "نصراً للديبلوماسية". وتردد في وقت لاحق امس ان براكاش شاه اجل رحلته في شكل مفاجىء. أول اختبار ووصل الى مطار الحبانية امس مفتشو اللجنة الخاصة الذين سحبوا من بغداد الاسبوع الماضي، وذلك على متن طائرة تابعة للامم المتحدة من طراز "سي - 130". وقال مدير مركز بغداد للمراقبة والتحقق بالوكالة الفنلندي ياكو يليتالو: "نحن مستعدون لاستئناف العمل بمجرد ان نتلقى أمراً". وانتقل اعضاء اللجنة الخاصة العائدون وعددهم 86 من البحرين، وكانوا غادروا بغداد الاربعاء الماضي تحسباً لضربة كانت الولاياتالمتحدة هددت بتوجيهها الى العراق بعد تعليقه التعاون مع فرق التفتيش. وسيشكل استئناف عمليات التفتيش اختباراً لتعهد بغداد التعاون مع المفتشين من دون شروط. وأحاط الصحافيون المفتشين لدى نزولهم من الطائرة، التي كان مقرراً ان تنقل ايضاً 12 خبيراً يعملون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وسيعود ستة آخرون من مفتشي اللجنة الى العراق اليوم، وتنوي الوكالة اعادة 12 خبيراً آخرين هذا الاسبوع. وقالت الناطقة باسم اللجنة الخاصة كارولاين كروس ان المفتشين سيستأنفون عملهم "في الساعات المقبلة وربما في ساعة متقدمة اليوم أو غداً". وشددت على ان عودتهم ستكون الاختبار الأول لإرادة الحكومة العراقية في التعاون مع اللجنة من دون شروط. "مرفوع الرأس" ! لكن صحف بغداد جددت حملتها العنيفة على اللجنة ورئيسها ريتشارد بتلر. واتهمت صحيفة "بابل" اللجنة بالتجسس وبتنفيذ مؤامرة اميركية على العراق، ونددت بالدعوة التي اطلقها الرئيس بيل كلينتون الاحد الماضي الى تغيير النظام في هذا البلد. وكتبت الصحيفة ان "النظام الاميركي اعترف بأن خططه التآمرية على العراق بدأت منذ آب اغسطس 1990 بفرض العقوبات على العراق وضمت صفحات أخرى" منها تشكيل اللجنة الخاصة. وأضافت ان واشنطن كلفت اللجنة "ادوارها القذرة في اطالة أمد العقوبات وتدمير قدرات العراق العسكرية والصناعية والتجسس على مصالحه الحيوية". وهاجمت "بابل" بتلر الذي وصفته بأنه "كلب مسعور" ونددت بالدعم الذي تقدمه الادارة الاميركية "بالمال والسلاح والاعلام" للمعارضين العراقيين "المرتزقة واللصوص والمجرمين الارهابيين". واعتبرت صحيفة "القادسية" ان التهديدات الاميركية بضرب العراق "ليست لها صلة حقيقية بما يسمونه نزع السلاح، بل الهدف الحقيقي هو ما أعلنه كلينتون عن استمرار التآمر على العراق". ووصفت صحيفة "الاتحاد" الاسبوعية اللجنة الخاصة بأنها "أداة سيئة الصيت" للولايات المتحدة، وكتبت أمس: "في كل مرة تفتعل الولاياتالمتحدة أزمة مع العراق باستخدام أداتها سيئة الصيت اللجنة الخاصة تخرج من الأزمة مندحرة ذليلة خاسئة، بينما يخرج العراق منها معزز الجانب مهاباً مرفوع الرأس".