منذ تفجر الصراع بين الحكومة المصرية والحركات الاسلامية الراديكالية في ربيع العام 1992، لم تحظ أي عملية من عمليات العنف التي نفذتها عناصر الاجنحة العسكرية لتلك الحركات بما حظيت به من اهتمام عملية الاقصر الشهيرة، التي وقعت يوم 17 تشرين الثاني نوفمبر العام الماضي حين أقدم ستة من عناصر تنظيم "الجماعة الاسلامية" على قتل 58 سائحاً من الأجانب وأربعة من المصريين وعشرات الجرحى. ومن المؤكد ان ارتفاع عدد الضحايا وقيام المنفذين قبل مقتلهم بالتمثيل بجثث بعض القتلى ومشاهد دماء الضحايا واشلائهم التي تناثرت بين بقاع المنطقة الاثرية ساهمت في إثارة الضجة الاعلامية. إلى ذلك اثبتت العملية عن قصور أمني في مواقع كان يتوقع أن تنفذ فيها عمليات ضد السياح. وزاد من حجم الكارثة، ان آثارها لا تقل خطورة عن آثار الزلزال الذي ضرب مصر في تشرين الاول اكتوبر العام 1992 من ناحية تأثيرها على الاقتصاد والسياحة. طرحت الحادثة وملابساتها أسئلة عن ما اذا كانت عمليات الاصوليين ستشهد في المستقبل تحولا نوعيا نحو مزيد من التطرف وسفك الدماء، وما اذا كانت حال العنف في مصر تتجه نحو "الجزأرة" بسبب تحول تنظيم "الجماعة الاسلامية" من ضرب السياحة إلى ضرب السياح أنفسهم. وليس سراً أن سياسة الحكومة المصرية تجاه الاسلاميين عموما والحركات التي تعتمد العنف، خصوصاً تتشكل بحسب توجهات وقناعات من يحمل حقيبة الداخلية. وكان اللواء حسن الالفي الذي وقعت حادثة الاقصر في عهده تسلم منصبه في العام 1993 خلفاً للواء محمد عبدالحليم موسى الذي اطيح به اثر حملة اعلامية شنت ضده، اعتراضاً على قيامه بفتح حوار مع قادة الاصوليين الموجودين في السجون كان همزة الوصل فيه "لجنة حكماء" شكلت من دعاة وعلماء ومفكرين اسلاميين. خرج موسى من الوزارة بعدما اتهم من جانب وسائل الاعلام بمهادنة "الارهابيين" وعقد صفقات مع "قتلة وسفاحين" ليأتي الالفي الذي اعتمد سياسة "القبضة الحديد" ضد الاصوليين ودخل معهم في صدام مباشر كانت إحدى نتائجه ان تعرض هو نفسه لمحاولة اغتيال. واتسعت في عهده المساحة التي شملتها عملياتهم لتضم محاولات قتل الوزراء والمسؤولين الى الهجوم على كبار رجال الأمن وضرب الباصات السياحية والقطارات والبواخر النيلية والتربص بالكتاب والادباء والمثقفين. وتنوعت الهجمات من مواجهة الهدف وجها لوجه الى استخدام اساليب التفخيخ والتفجير عن بعد. وفي المحصلة مثلت عملية الاقصر ذروة الصدام بين الحكومة والاسلاميين، غير انها كانت نقطة تحول على مستوى الاداء الحكومي في التعاطي مع قضية الحركات الاسلامية حين عصفت آثار العملية ونتائجها بأهم تنظيم ديني يمارس العنف في مصر وهو "الجماعة الاسلامية"، إذ توصل الكثير من قادته الى قناعة بأن حادثة الاقصر يجب ان تكون نهاية لمسلسل ضرب السياحة. رب ضارة نافعة بقدر بشاعة الحادثة وآثارها الاقتصادية والمعنوية الخطيرة شهد العام الذي تلاها هدوءاً غير مسبوق في نشاط الاسلاميين وعملياتهم. وحينما كان الرئيس حسني مبارك يتفقد مسرح الاحداث ويستمع إلى شرح مسؤول أمني، وصف خطة تأمين المنطقة بأنها "خطة تهريج" وأصدر في اليوم نفسه قرارا بإقالة الالفي وتعيين السيد حبيب العادلي وزيراً للداخلية. ورصد المراقبون عدداً من التحولات في سياسة العادلي تجاه قضية التعاطي مع الاسلاميين من بينها وقف حملات الاعتقال العشوائي التي لم تكن تنقطع في عهد الالفي، واطلاق مئات من المعتقلين ممن وضعوا في السجون لمجرد الخشية من ان يصبحوا في المستقبل "متطرفين"، وتحسين أوضاع السجون، وعدم الدخول مع قادة الاصوليين الموجودين في الخارج في معارك كلامية واعلامية، والتفرغ لمتابعة الحال الأمنية، وتطوير اساليب الحراسة وتأمين المنشآت العامة والشخصيات المهمة، وتفادي الدخول في معارك جانبية شخصية مع قوى المعارضة السياسية كما كان الحال في معركة الالفي وحزب العمل. في المقابل دفعت ردود الفعل العنيفة الغاضبة تجاه العملية ببعض قادة التنظيم المقيمين في دول اوروبية الى الاستنكار والاعراب عن الأسف لوقوعها، الأمر الذي دفع المتشددين من قادة الجماعة الى الرد عليهم وتأكيد تبني التنظيم للعملية. فدخل الطرفان في جدل استمر اسابيع انتهى باعلان موقف موحد اتفق فيه الطرفان على النظر بجدية في أمر التعاطي بإيجابية مع المبادرة السلمية التي اطلقها القادة السجناء ل "الجماعة الاسلامية" قبل أربعة شهور من وقوع حادث الاقصر. وبغض النظر عن التفاعلات داخل "الجماعة الاسلامية" وتطوير الاداء الامني لوزارة الداخلية وسياسة التعاطي مع الاصوليين، تعتبر عملية الاقصر الأضخم والأكثر تأثيراً في عمليات الاصوليين، لكنها خلفت نتائج ايجابية على أصعدة عدة، وهو أمر جعل من تابعوا تطوراتها على يقين بأن "رب ضارة نافعة"