يبدو ان العام الميلادي الجديد سيشهد تحولاً استراتيجياً مهماً في نشاط تنظيم "الجماعة الإسلامية" المصري. ففي تطور جديد وجه قادة في التنظيم مقيمون في الخارج تحية إلى "القادة التاريخيين" ل "الجماعة" الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. وكانت خلافات تفجرت بين الفريقين اثر اعلان القادة التاريخيين في تموز يوليو الماضي مبادرة لوقف العنف من جانب واحد اعترض عليها قادة الخارج. وأصدرت "الجماعة" نشرتها الشهرية التي تحمل اسم "المرابطون" حوت رسالة وجهت الى "القادة التاريخيين" وصفتهم بأنهم "شيوخ أفاضل". وجاء هذا التطور بعد يوم واحد من بيان أصدرته "الجماعة" بعنوان "في ختام الصيام فلنرتفع فوق الجراحات والآلام"، أكد ان "الجماعة قوية متماسكة تقف صفاً واحداً في مواجهة اعدائها". وشدد على ان ما حدث أخيراً من اختلاف في وجهات النظر حول حادثة الاقصر "لم ولن يؤثر في وحدة صف الجماعة". ولفت الى ان "الجماعة لا تقبل أي تجاوزات شرعية يمكن ان تكون حدثت في عملية الاقصر أو غيرها". وأعلن ان مجلس شورى "الجماعة" في الخارج أنه "بعد ان تأكد من مصادره من صحة نداء وقف العنف الى القادة التاريخيين والذي دعوا فيه الى وقف العمليات العسكرية يدرس بجدية التجاوب مع هذا النداء"، مشيراً إلى أنه "سيتم اعلان ذلك في الوقت المناسب". لكن البيان سجل "الاعتراض على الطريقة التي خرج بها النداء في وسائل الاعلام". وكانت حادثة الاقصر التي وقعت في 17 تشرين الثاني نوفمبر الماضي وأسفرت عن مقتل 58 سائحاً وأربعة مصريين إضافة الى منفذي العملية الستة تسببت في بلوغ الخلافات بين قادة "الجماعة" ذروتها حينما اصدر القيادي البارز في التنظيم اسامة رشدي المقيم في هولندا بياناً اعتذر فيه باسم "الجماعة" عن عملية الاقصر وتعهد عدم شن هجمات مستقبلاً ضد صناعة السياحة او السياح في مصر. وأنضم رشدي الى دعوة القادة التاريخيين لوقف العمليات. لكن الأمير الفعلي للتنظيم رفاعي احمد طه الذي يُعتقد انه يعيش في افغانستان، رد على رشدي وأصدر بياناً نفى فيه ان تكون "الجماعة" أوقفت العمليات ضد السياحة، وحمل على رشدي بعنف، وأكد عدم مسؤولية "الجماعة" عن أي بيانات أصدرها الأخير. وكان القادة التاريخيون وجهوا نداءات متكررة الى طه طالبوه فيه اصدار بيان بوقف شامل للعمليات العسكرية. وبدا من صياغة العدد الاخير من نشرة "المرابطون" ان طه اشرف على تحريرها. وعلى رغم ان الرسالة التي تضمنتها النشرة والتي وجهت الى "القادة التاريخيين" لم تتناول موضوع الخلاف حول وقف العمليات، إلا أنها عكست تحولاً استراتيجياً تنوي "الجماعة" تنفيذه في المستقبل. وخصت الرسالة بالذكر خمسة من أبرز مؤسسي "الجماعة" كانوا وراء مبادرة وقف العنف وهم كرم زهدي وعبود الزمر وناجح ابراهيم وعصام الدين دربالة وعاصم عبدالماجد. واقتصرت الرسالة على توجيه التهنئة بعيد الفطر "للشيوخ الافاضل والقادة التاريخيين الموجودين في ليمان طرة" والدعاء الى الله بأن "يحفظهم ويفرج كربهم ويفك أسرهم". ولاحظ أن رشدي لزم الصمت بعد ان عارض علناً طه واتهمه بالانحراف عن خط "الجماعة". وبدا ان الأمر حسم داخل "الجماعة" لصالح طه الذي تولى اصدار البيانات التي تحمل اسم "الجماعة"، وكذلك اعداد نشرات "المرابطون" التي كان رشدي يتولى صياغتها. وكان بيان التنظيم الذي صدر أول من أمس أعلن أن "الجماعة قبلت الاعتذار المقدم من الاخ اسامة رشدي ابو مصعب عن مخالفته للقواعد التنظيمية المعبرة في التعبير عن الرأي واتخاذ القرار وعن اساءته لأخيه رفاعي طه أبو ياسر". ورفض المحامي البارز منتصر الزيات التعليق على التطورات الاخيرة داخل "الجماعة الاسلامية". علماً أنه كان أعلن في بداية الشهر الجاري اعتزاله العمل العام والدفاع عن المتهمين في قضايا العنف الديني بسبب "عدم تجاوب" قادة "الجماعة" في الخارج مع نداء وقف العنف. ترحيب ورحب أحد مؤسسي "الجماعة" المهندس صلاح هاشم المقيم في محافظة سوهاج بالتطورات الاخيرة، وطالب قادة الخارج ب "الاستجابة بسرعة لنداء وقف العنف واصدار بيان بوقف شامل للعنف". وقال هاشم ل "الحياة": "كنت شاهداً مع المحامي الزيات على صدق نيات القادة التاريخيين للتنظيم ومن صحة بيانهم الذي اعلنوا فيه مبادرة وقف العنف ومن تأكدهم من ان استمرار العمليات العسكرية لا يحقق مصلحة الوطن او الاسلام او الجماعة نفسها". ومعروف ان هاشم شارك مع قيادي في "الجماعة" هو اسامة حافظ في تأسيس الجماعة الاسلامية في منتصف السبعينات، واعتقل مرات عدة منذ وقوع عملية اغتيال السادات. وفي حين ان هاشم مفرج عنه حالياً، فإن حافظ يقضي عقوبة بالسجن عشر سنوات بعد ادانته في قضية السادات. وكان اعتقل مرات عدة أيضاً كان اخرها العام 1994 ولم يطلق حتى الآن.