تطرح شاشة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي - الذي يفتتح دورته الثانية والعشرين يوم 25 تشرين الثاني نوفمبر الجاري، رؤية جديدة لعلاقة الشرق بالغرب... حيث تبرز افلام المسابقة الرسمية كيف اصبح هناك تلاحم شديد - غير معلن - بين الشعوب.. وعلاقات متنوعة بين مختلف الاجناس، لم نكن نتوقعها من قبل، ونرى ايضا من خلالها عالماً جديداً في ظل وجود صراعات - متباينة - بين الشرق والغرب... عالم يُستغل فيه الماضي بكل صراعاته من اجل التصالح في المستقبل. ويظهر هذا "التمازج" بشدة في الفيلم الصيني "وقت لا ينسى" للمخرج ين واينج الذي يطرح علاقة حب قوية بين طبيب اميركي وفتاة صينية يساندها اثناء الثورة. وفي فيلم "الزمرده الاستوائية" للمخرج الهولندي دالو رلوسونيك نرى قيام علاقة حميمة بين اندونيسية وهولندي، وذلك من خلال "ايميس" الجميلة التي تعمل كمغنية، وتتعرف على شاب هولندي جاء الى "جاكارتا" للعمل في استخراج المطاط بعد ضرب "بيرل هاربر" حيث يقتحم الجنود اليابانيون البلدة وينكلون بأهلها ويقتلون العشرات بمن فيهم المواطنون الهولنديون. الا ان "ايميس" التي كانت وقعت في حب الشاب الهولندي تحاول حمايته من بطش جنود اليابان، فتستجيب لرغبة قائدهم، وتدخل معه في علاقة، ولكن تشترط عليه عدم الاساءة الى حبيبها الهولندي وانقاذ حياته. وكذلك الحال في الفيلم الانكليزي "عروس الحرب" للمخرج بيتر ادواردز والذي ترصد احداثه علاقة بولندية بانكليزي. وهذا التنوع يعد تحولاً كبيراً على شاشة السينما ورؤية مختلفة حول العلاقة بين الشرق والغرب بين الماضي والوقت الراهن وايضا المستقبل... ففي هذا الفيلم الذي تدور احداثه اثناء الحرب العالمية الثانية نرى قصة حب شجاعة تجمع بين قسوة الحرب ورومانسية الحب من خلال الجندي الانكليزي العنيد، "جون الوين" الذي يتم اسره وإيداعه احد معسكرات الاسرى في بولندا، وفي كل مرة يحاول فيها الفرار يتم القبض عليه وارساله مرة اخرى الى المعسكر، الى ان يلتقي بفتاة بولنديه جميلة وتنشأ بينهما قصة حب تمر بمرحلة تراجيديا كبيرة حول تحقيق الهوية الانسانية. وإن كان هذا الاتجاه قد أخد بُعداً سياسياً جديداً في فيلم المخرج اليوناني "فانجليس سردويز" بعنوان "فاسليكي" وهو اسم لشاب فاشيستي يقع في حب فتاة من الثوريين. والفيلم تدور احداثه في الريف اليوناني ويعرض لأثر الحرب الاهلية ومانتج عنها من تعصب وحساسية على العلاقات الانسانية التي تنشأ بين الناس، كما يؤكد الفيلم حق كل مواطن في ان يحلم بالحرية وبمستقبل افضل. اختفاء الايديولوجيا في هذه اللقاءات جميعها اصبحت الايديولوجيات في طريقها للاختفاء، وتبقى فيها العلاقات الانسانية هي المحك الاساسي. وفي فيلم المسابقة الاسباني "النتيجة الاخيرة" يطرح المخرج الكبير خوان انطونيو بارديم علاقة من ايام الحكم الفاشي لفرانكو في السبعينات، ثم نسترجع الحاضر من خلال قصة حب بين "خوزيه" و"كارلوس" الذي قرر ان يصور سينمائياً جميع الاحداث التاريخية التي وقعت في هذا الوقت. اما فيلم "الارهابية" فهو يقدم صورة شديدة الواقعية لفتاة عمرها 19 عاماً، وكيف تحولت إلى إرهابية حقيقية، وتقديم هذه الصورة من خلال فيلم هندي يمثل اتجاهاً جديداً للسينما الهندية وكانت البادرة الاولى لمخرجها سارنتوش سيفان. علاقة الشرق بالغرب في افلام مهرجان القاهرة هذا العام ايضا موجودة في فيلم "حب تحت الحصار" للمخرج التركي "ايدزن بيرتن".. حيث نجد علاقة الاتراك بالامبراطور قسطنطين من خلال قصة حب فتاة من عائلة مسيحية بشاب مسلم. وهذه التيمة اصبحت تفرض نفسها وبقوة. على جانب آخر اعلنت ادارة المهرجان "الفيتو" في وجه السينما الاميركية، حيث لن تسمح لها سوى بفيلم واحد في المسابقة الرسمية هذا العام متفوقة عليها فرنسا 3 افلام وانكلترا فيلمان. واميركا يمثلها المخرج بيل اوغست الذي يكرمه المهرجان هذا العام برؤية جديدة لرواية "البؤساء" للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو في فيلم يحمل الاسم نفسه يقوم ببطولته ليام نيسون وايما تورمان، وجيفريرش. كما فوتت ادارة المهرجان ايضا الفرصة على اميركا في فيلم الافتتاح، حيث فضلت ان تكون "الافتتاحية" بتوقيع المخرج الشهير كارلوس ساورا بفيلمه "تانجو" والذي يمثل دفعة كبيرة للمهرجان هو ومواطنه خوان بارديم صاحب فيلم "النتيجة الاخيرة" وايضا المخرج الانكليزي جون هاف عضو لجنة التحكيم. وإن كان ساورا يعد الاكثر شهرة لتاريخه العريق، وهو بلا جدال يعد "كيرواساوا" اسبانيا فإن اهم ما يميزه انه استطاع ان يتعامل مع "التيمة" الموسيقية بحس درامي لا يغلبه فيه احد، وظهر هذا في فيلمه "كارمن" وكذلك فيلم الافتتاح "تانجو" الذي يعود من خلاله الى عالمه المفضل.. حيث يظهر قدرته على الحركة داخل المكان الواحد، ولكنه يحول هذا المكان - الذي هو قاعة رقص - الى دنيا كاملة، وتبدأ احداثه بمخرج سينمائي يقوم بإعداد فيلم باسم تانجو. يضع تفاصيل الفيلم الذي يجمع بين السياسة والقصة الانسانية التي تتأرجح بين الحب والغيرة والخيانة، ويناقش الفيلم كل اوجه الحياة من خلال رقصة التانجو - وتتداخل الاحداث التي يعد لها - مع احداث الواقع. حيث تهجره راقصة الفرقة الاولى مفضلة عنه رجلاً اكثر شباباً ويرجوها المخرج ألا تتركه فلا تستجيب له ويبتلع آلامه في صمت مستغرقا في عمله، الى ان يفاجأه احد رجال السياسة بالتوصية على عشيقته الشابة التي تهوى فن الرقص. ويقرر المخرج ان يمنح الفتاة فرصة بناء على تلك التوصية ويكتشف انها راقصة ماهرة لفن التانجو ويمنحها دوراً اساسياً مما يثير راقصة الفرقة. ومع الايام تنمو علاقة حب عنيفة بين المخرج والراقصة الجديدة التي تتلقى تهديداً من عشيقها الذي يقرر قتلها. وقبل لحظة النهاية لا يمكن ان تعرف الخط الفاصل بين احداث الواقع واحداث الفيلم الذي يصوره المخرج باسم التانجو. وعلى عكس الاعوام السابقة ابدى قرار اللجنة الخاصة التي شكلها الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان لاختيار فيلمي "جعفر المصري" و"كونشرتو في درب سعاده" لتمثيل مصر رسميا في المهرجان - ارتياحا شديدا بين الاوساط السينمائية في القاهرة - حيث يجسد الفيلمان تياراً سينمائيا جديداً على الشاشة المصرية اكثر جرأة واكثر وضوحا في التعامل مع قضايا العصر، ويكشف ان السينما المصرية تمر الآن بحالة "صحوة". في الفيلم الاول "جعفر المصري" المأخوذ عن مسرحية كاسونا الشهيرة "مركب بلا صياد" نجد المخرج عادل الاعصر وقد استغل المسرحية بشكل ذكي حيث جعل خيوطها تتفاعل بحنكة سينمائية شديدة مع الواقع المصري المعاصر، وقضيته الرئيسية هي المطاردة المستمرة بين ضمير الانسان وماضيه، وانه لا يمتلك التصالح مع النفس الا عندما تتخلص من شبح الماضي اللعين. الفيلم يقوم ببطولته حسين فهمي وفيه يقدم شخصيتن مختلفتين، الاولى "لأبليس"، والثانية لبحار جاهل فاشل اناني يقتل زوج حبيبته، وفي الفيلم ايضاً نور الشريف الذي يلعب دور الرأسمالي المعاصر والمنحرف الذي يتحول بعد ذلك الى انسان ذي ضمير بعد ما يعيش على الواقع مشكلة البحار المقتول، كما تشارك في بطوله الفيلم رغدة والممثلة الصاعدة عبير صبري. اما فيلم "كونشرتو درب سعادة" فهو ثاني اعمال المخرجة اسماء البكري للسينما الروائية.